الاستقرار لا ينسجم مع الديمقراطية في العقل الأميركي
الياس عشّي
يتفق صنّاع القرار في الولايات المتحدة الأميركية، وفي مقدّمهم هنري كيسنجر، على أنّ الولايات المتحدة الأميركية ستضطرّ إلى الاختيار بين الديمقراطية والاستقرار في كثير من أنحاء العالم، وطرح بريس تيڤي على نعوم تشومسكي 24 شباط 2011 سؤالاً غاية في الأهميّة مفاده:
«لماذا تجد الولايات المتّحدة صعوبة في قبول إمكان أن تكون هناك ديمقراطية واستقرار معاً وفي الوقت ذاته»؟
فبِمَ أجاب تشومسكي؟
«يجب أن نتذكر أنّ الاستقرار كلمة مشفّرة باردة. الاستقرار لا يعني الاستقرار، إنّما الانصياع لهيمنة الولايات المتحدة. لذا دعنا نعد إلى كيسنجر ثانية الذي كان العامل الرئيس إضافة إلى غيره في تقويض نظام الحكم الديمقراطي في تشيلي، وعلّق أخيراً: «على الولايات المتحدة أن تقلقل استقرار تشيلي لكي توطّد الاستقرار». إن أدركت المصطلح فهذا ليس تناقضاً، إنّما يعني أن على الولايات المتحدة أن تقوّض، من خلال مبادرة كيسنجر، الحكومة البرلمانية لكي تؤسّس ديكتاتورية منصاعة. وهذا ما قصده بالاستقرار. هو لا يقصد أن تكون الأشياء هادئة، بل أن تكون تحت السيطرة، لذلك لا ينسجم الاستقرار مع الديمقراطية انظر الصفحة 12 من كتاب «من يمتلك العالم» لنعوم تشومسكي – ترجمة أحمد حسين .
يبدو أنّ نظرية كيسنجر بقيت العلامة الفارقة في سياسة الولايات المتحدة رغم سقوط نيكسون بالضربة القاضية بعد فضيحة ووترغيت، ورغم مرور أربعة عقود على العصر الكيسنجري. وما احتلال العراق 2003 ، واغتيال رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري 2005 ، وما حصل في مصر وليبيا واليمن وسورية، وما يحصل الآن بحجّة القضاء على «داعش» وغيرها من المنظمات المتطرفة، ليس كلّه سوى دليل على أنّ السياسة الأميركية تسعى إلى تقويض الحكومات البرلمانية وغير البرلمانية ليكون البديل ديكتاتورية منصاعة، مثلما عبّر تشومسكي.
قفزت هذه الأفكار أمامي وأنا أتابع برنامج «لعبة الأمم» على شاشة «الميادين» الذي يقدمه الإعلامي المميّز سامي كليب قبل ثلاثة أيام وطرح سؤالاً على محاوره الأميركي لم أحفظ اسمه لكني حفظت ابتسامته الصفراء الساخرة التي كان يستقبل بها الأسئلة المطروحة عليه فاتهم الرئيس بشار الأسد بالديكتاتور، واتهم النظام السوري بالفساد ومصادرته للحريات وسأله سامي:
– هل يمكنك أن تسمّي لنا دولة عربية واحدة من الدول الحليفة لكم وتمارس الحياة الديمقراطية؟
أجاب المحاور الأميركي وقد أدرك أنّ الهدف من السؤال هو استدراجه إلى تسمية السعودية وقطر:
– تركيا على سبيل المثال.
– لكنّ تركيا ليست دولة عربية! إنها دولة إسلامية. أجاب سامي.
ارتبك المحاور الأميركي، وبدا واضحاً أنه لا يميّز، شأنه شأن الكثيرين، بين العروبة والإسلام، ثمّ قال: لكنها دولة ديمقراطية.
– إنّما يحكمها «الإخوان المسلمون». قال سامي.
أجابه المحاور:
– وصل «الإخوان» إلى السلطة بانتخابات حرّة ، ونحن نحترم خيارهم.
وتوقّف الحوار عند هذا الحدّ. انتظرت من الإعلامي سامي كليب أن يطرح عليه السؤال الآتي:
– ألم تفز حماس توأمُ «الإخوان المسلمين» في انتخابات الضفة الغربية؟ ألم تقرأ أميركا تقرير كارتر الذي أكّد فيه نظافة الانتخابات وديمقراطيتها؟ ومع ذلك لم تعترف أميركا بسلطة حماس على الضفة، واعتقلت حماس في غزّة، وكان ما كان من مجازر يندى لها الجبين.
ترى لو سئل هذا الأميركي المتحمّس لـ«الديمقراطية التركية» هذا السؤال، هل كان في استطاعته أن يجيب؟
يستطيع أن يكذب… بلى، مثلما فعل من بداية الحلقة إلى آخرها. أمّا أن يجيب، فلا أظنّ! إنّه في النهاية أحد تلاميذ كيسنجر.