لماذا تناصر إيران سورية في وجه المؤامرة؟ ٢

ترجمة فاطمة ضاهر

ثمة مرحلتين يمكن تمييزهما من حيث المساعدة. في البداية كانت طهران متفائلة بقدرة النظام السوري على احتواء التظاهرات الشعبية، لذلك اكتفت بالدعم المعنوي، إضافة إلى إعطاء نصائح في شأن السلامة العامة، مشدّدةً على وجود حلّ متّفق عليه، وعلى دعم نظام الأسد. وساهمت هذه الحقيقة، إضافة إلى فشل مهمة الأمم المتحدة في سورية، ودعم «المعارضة» من بعض مالكي النفط مثل تركيا والدول الغربية ودول الخليج، كلّ ذلك ساهم في ازدياد حدّة التوترات السنّية ـ الشيعية في الشرق الأوسط.

بالتالي، أصبحت طهران أحد الداعمين الأكثر نشاطاً ومن أهم المبادرين لإيجاد حلّ سياسيّ بين السوريين، مستخدمة كل الوسائل المتاحة من أجل استمرار النظام السوري. وكما أظهرت المحادثات الإلكترونية التي تبادلها الزوجان الأسد والتي نشرتها صحيفة «غارديان» البريطانية في آذار 2012، أنّ طهران أمنّت مساعدة متعدّدة الأشكال لحليفها السوري. وعلى رغم صعوبة تحديد حجم المساعدة، إلّا أنّها بالتأكيد لم تتوقف مع تدهور الوضع المحلي.

دعم مستمر

قدّمت إيران المشورة لهيئات عليا في الدولة السورية في ما يخص التواصل. وقدّمت الدعم لنظام الأسد سياسياً ودبلوماسياً بزيادة اللقاءات معه، ودعمت إصلاحاته ومشروع السلام، مؤكدةً أنّ كلّ تغيير يجب أن يتم تحت إشراف الرئيس بشار الأسد، واثقةً أنه كان الرئيس الشرعي لسورية حتى الانتخابات التي أجريت في 2014. ورحّبت طهران في إعادة انتخاب الأسد مؤكدةً ديمقراطية الانتخابات. موجّهةً بذلك رسالة إلى الولايات المتحدة والدول الغربية، وفي الوقت نفسه إلى قطر والسعودية، متهمةً هذه الدول بتمويل المسلحين في سورية عسكرياً ومالياً. في صيف 2012، عارضت طهران إنشاء منطقة حظر جوّي، والتي من الممكن أن تؤدّي إلى صراع عسكري بالنسبة إليها. وساندت دمشق إزاء الانتقادات الدولية بما فيها الأمم المتحدة. وكانت من أول مستنكري تعليق عضوية سورية في منظمة المؤتمر الاسلامي في آب 2012. وفي آذار 2013، ولمواجهة الغضب الدولي، استنكرت طهران استخدام الأسلحة الكيماوية في سورية طارحةً في كل مرّة مسألة التخلّي عن دعمها للرئيس السوري إذا ما تبيّن أنّه المسؤول عن استخدام أسلحة من هذا النوع.

كما أنّ طهران بحثت عن مسارات متعدّدة لإيجاد حلّ للأزمة السورية، وحفظ نظام بشار الأسد. وركزت على مركزية عمل الأمم المتحدة في سورية مع العلم أنّ دمشق تحتمي من الضغوطات الغربية تحت مظلة روسيا والصين. وأكّدت مساندتها كوفي عنان، مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سورية، في ست نقاط في ما يخص مشروع السلام، داعية إلى حوار بين «المعارضة» والنظام. مستخدمة هذا الأخير لتأكيد دعمها نظام بشار الأسد في ظل التسويات السياسية التي قد تكون مواتية لها، نظراً إلى تفاوت القوات المسلحة في الميدان في تلك الأثناء. كما أنّها رحبت بفكرة وقف إطلاق النار الذي اقترحها الأخضر الابراهيمي في خريف 2012، إضافة إلى مشروعه للسلام نهاية تشرين الثاني 2012، ولم تذكر المصير المحتوم للرئيس بشار الأسد تاركة الباب مفتوحاً أمام مناصرتها له، هذا الموقف الذي يتعارض مع رغبة «المعارضة» لكنه يححق رغبة طهران.

وردّاً على مؤتمر «جنيف 1» الذي لم تُدعَ طهران إليه، على رغم الاصرار الروسي، قرّرت طهران في تموز 2012 الترحيب بلقاء بين الحكومة السورية و«المعارضة». و لتأكيد وجهة نظرها، نظّمت اجتماعاً خاصاً بشأن روسيا في آب 2012 جمعت 29 دولة كل منها ممثلة بسفيرها، ومن ضمن تلك الدول روسيا والصين والهند وكوبا والعراق وفنزويلا وأفغانستان والجزائر وإندونيسيا وباكستان وزمبابوي. واستغرق الاجتماع أربع ساعات. وكان الغرب غائباً عن الاجتماع وكذلك قطر والسعودية و«المعارضة السورية». وساعد هذا الاجتماع في الدعاية الإيرانية التي سعت إلى إظهار أنّ نظام الأسد لم يكن معزولاً. واستخدمت إيران قمة حركة عدم الانحياز التي اجتمعت في طهران كمنبر لتقديم اقتراحها لتسوية النزاع السوري. وسعت في هذه المناسبة إلى إقناع الدول الأعضاء في المنظمة بصوابية مواقفها بعد أن كانت قد صوّتت غالبيتها في آب 2012 على نص الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تدين لجوء النظام السوري إلى العنف 70 دولة من بين 120 دولة غير المتحالفة صوتت لمصلحة النصّ، و8 دول صوّتت ضدّه مثل سورية وإيران وروسيا والصين ، لكن من دون جدوى كما أظهرت انتقادات الرئيس المصري محمد مرسي. وفي حين اجتمع «أصدقاء سورية» في عمان في أيار 2013، وكان الغرب يرفض دائماً مشاركة إيران في أيّ من مؤتمرات «جنيف 2»، أعلنت طهران ترحيبها بعقد مؤتمر وطني جديد يهدف إلى إيجاد حل سياسي للنزاع في سورية. وها هي إيران تسعى من جديد إلى إظهار وزنها الدبلوماسي إضافة إلى سعيها لالتفاف الدول الغربية وحلفائها العرب ولتأمين الدعم للنظام السوري.

إنّ طهران اختبرت مختلف التدابير لإيجاد حلّ إقليمي، إذ إنّ توازن القوات متاح أكثر للأزمة السورية. وحاولت استدراج أنقرة، و التي تعتبر عضواً إقليمياً من الدرجة الأولى ومقرّباً من النظام السوري، إلى تجديد العلاقة مع بشار الأسد مستخدمة بذلك خريطة شاملة، إضافة إلى دعمها المكثّف. وتدهورت العلاقات التركية ـ الإيرانية أعقاب الأزمة السورية، وأخذ كلّ منهما موقفاً معارضاً للآخر.

كما أنّ طهران قبلت عرض إدارة الرئيس المصري مرسي بالمشاركة في الاجتماع الرباعي مصر ـ إيران ـ تركيا ـ السعودية حول سورية، وذلك لإيجاد حل إقليميّ، وتجنب العزلة الدبلوماسية، وتوسيع هامش مناوراتها. لكن هذه الخريطة المصرية تغيّرت منذ إطاحة الرئيس مرسي في تموز 2013. كما قامت إيران باستكشاف الخريطة الأردنية. واقترحت طهران بأن يكون الأردن الوسيط في الأزمة السورية؟ لكن لم ينجح تطبيق أيّ تدبير دبلوماسي قبل نهاية ولاية الرئيس أحمدي نجاد.

المصادر: «غارديان» و«تايمز».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى