القمّة الغمّة اللطمة على الجبين العربي
اياد موصللي
الجرح ينطق يا فمُ ودمُ الفدى يتكلّم
وطني سألتُك ما أقول وأنتَ أنتَ الملهم
ماذا أقول؟ أيوجد قول أصدق من قول رب العالمين: «والأعراب أشدُّ كفراً ونفاقاً».
علاقات تُقام واتفاقيات تعقد مع العدو وتدريبات ومناورات عسكرية تشارك فيها دول هويتها عربية، ولم يتحرك ساكن لا من قريب ولا من بعيد، لا من الحكومات ولا من الجماهير، والعدو نفسه يقوم بالقتل وتدمير المنازل وإقامة المستوطنات بدلاً منها..
الأماكن الدينية التي تحمل رموز القداسة كالمسجد الأقصى يحضَّر للاستيلاء عليها وتهويدها حتى أنّ المنتمين إليها توضع عليهم الشروط لدخولها وأداء الفروض فيها..
هذه الأعمال لم تثر غضبة أو نقمة الشعوب أو الحكومات، لكن أن تقوم فئة لبنانية مقاومة تغيّر مجرى التاريخ وتمارس ضدّ العدو البطولة المؤيدة بصحة العقيدة.. تثير الرعب من الحاضر والمستقبل وترسم شبح الزوال أمام أعين الصهيونية، فهو أمر لم يحرّك «الإسرائيليين» فقط، بل الأعراب أيضاً فتنادوا من دون خجل أو حياء لوضع حد لهذه الوقفة.. تحت شعار مكافحة الإرهاب الذي يمثله حزب الله، وهو العصبة اللبنانية التي آمنت بالحرية ورأتْ أننا إذا لم نكن أحراراً من أمة حرّة فحريات الأمم عار علينا.. استفاقت «إسرائيل» لأول مرة منذ أن وجدت ووجدت مَن يستجيب لاستفاقتها من الأعراب..
حزب الله لم ينحرف عن إيمانه الروحي والقومي واتبع نهج السماء، حيث تعاليمها التي يؤمن بها تقول: «وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم…».
فعل وأرهب وأقلق وقضّ مضجع العدوان.. سؤالنا لماذا هبّ الأعراب يعتريهم الخوف والقلق فارتفع صوتهم متهماً حزب الله بالإرهاب..
عدونا لا يُحارَب بالشعارات والأحاديث الجوفاء بل بمواجهة مخططاته للحاضر والمستقبل.. عدوٌّ غضبت عليه السماء قبل الأرض، وفيه قال الأنبياء والرسل والكتب السماوية، فقد وصفهم موسى، فقال: أنا أعرف تمرّدكم وقلوبكم الصلبة. أنّكم موتى تُفسدون في الأرض وتزيغون عن الطريق الذي أوصيتكم به، وسيصيبكم الشرّ في آخر الأيام…
اما انجيل متّى إصحاح 23 فيقول: وهكذا أنتم أيضاً من الخارج تظهرون للناس أبراراً، ولكنكم في الداخل مشحونون رياءً وإثماً. ويلٌ لكم أيّها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تبنون قبور الأنبياء، فأنتم تشهدون على أنفسكم أنكم قتلة الأنبياء… أيّتها الحيّات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم؟ والربّ يقول ها أنا أرسل لكم أنبياء وحكماء وكتبة، فمنهم تقتلون وتصلبون ومنهم تجلدون في مجامعكم وتطردونهم من مدينة الى مدينة».
أما القرآن الكريم فيقول: «ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ».
المصيبة أنّ بعض العرب حين ينضمّون إلى الجوقة المدافعة عن «إسرائيل» فإنهم يصبحون رقماً مضافاً إلى حشدٍ من الدول ذات المصالح في المنطقة والقوى المتحالفة معها. وفي السنوات الأخيرة سمعنا الكثير عن المتصهينين الذين أوغلوا في مظاهر الانحياز لـ«إسرائيل».
يعلن نتن ياهو بكلّ وضوح ومن دون مواربة وعلى الملأ أنه في صدد مباحثات مع دول عربية لإنشاء تحالف إقليمي لمواجهة الخطر الإيراني..
وتعلن رئاسة الأركان «الإسرائيلية» عن إجراء مناورات عسكرية جوية في اليونان يشارك فيها سلاح الطيران التابع للإمارات العربية.. وهذه الإمارات هي إحدى دول مجلس التعاون الخليجي. وهي في الترتيب عضو في جامعة الدول العربية.. هذه الجامعة التي وجدت أنّ سورية يجب أن تكون خارج إطارها فقرّرت إلغاء مقعدها وتركته شاغراً ريثما يتمّ اتخاذ قرار كي تشغله «إسرائيل» التي لم يبق بينها وبين هؤلاء الأعراب إلا شعرة معاوية لتصبح عضواً فاعلاً في هذه الجوقة.
القمة العربية التي تجتمع اليوم في منطقة البحر الميت وقد اختاروه بحراً ميتاً، لأنه لو كان حياً لابتلعهم عن بكرة أبيهم.. هذه القمة لم تجد بكلّ ما جرى أمراً مسيئاً معيباً بقدر ما وجدوا في حزب الله وخطره على «إسرائيل» وتهديده وجودها أمراً يستحقّ إدراجه في جدول أعمال هذه القمّة الغمّة اللطمة على الجبين العربي لولا قلة من الحياء..
الآن وفي زمن الخنوع والخضوع والعار، فإنّ انعدام اليقظة الوطنية وتعثرها ومحاولة عدد من الأنظمة إطفاء شعلتها ما يجعل التشاؤم سيد الموقف، السيطرة الأجنبية الراضعة من الثدي اليهودي ممسكة بزمام الأمور تلاحق الشاردة والواردة في حياتنا وتضبط إيقاع مجتمعاتنا، فهل نريد مؤشراً أوضح من هذا كله يشير الى مستقبلنا الآن غير طريق المقاومة الذي كان بصيص الأمل الوحيد الذي جعل الضوء الخافت يستعيد شعلته. هذا النبض السليم الوحيد الذي بقي في شرايين هذه الأمة.
فالمقاومة الراسخة اليوم والتي هي نتيجة عطاءات مستمرّة وأعمال بطولية مجيدة سطّرها اللبنانيون وقدّموا الشهداء حتى اكتملت مسيرة الجهاد بتكوين المقاومة الراسخة الثابتة التي تتمتع باستراتيجية ميدانية قتالية، واستراتيجية أخلاقية محصّنة، واستراتيجية إيمان نقي، جعلها تُحسن عملها وتتقن أداءها وتثبت أقدامها. ويا ليت قوى المقاومة الفلسطينية تنهج نهجها وتسير على خطاها.
نحن نعرف من المقاومة اللبنانية الوجوه المبشرة الناشرة الداعية، أما الزنود فلا نعرفها ولا نراها، إننا نرنو إلى يوم تصبح فيه أمتنا كلها مقاومة… يومها فقط تكون قد عادت الأصالة واستعدنا حقنا في الوجود.
نريد بناء ثقافة واقعية جديدة وأن ننبذ تلك الروحية والعقلية الاستسلامية الانهزامية التوكلية التي تعكس روحاً انهزامية استكانية خانعة، وأن نبتعد عن روحية «مَن أخذ أمي صار عمي» أو «اليد التي لا تستطيع كسرها بوسها وادع عليها بالكسر». و»العين لا تعلو على الحاجب» أو «العين بصيرة واليد قصيرة».
إنّ الزحف والسعي وراء السلام هو ذريعة، لإنهاء المسألة وإغلاق صفحاتها تحت عنوان رواية ما يُسمّى بالدولتين.. ونذكر بما قاله الكاتب هنري سيغمان في مقال نشرته له مجلة «لندن ريفيو اوف بوكس» عام 2006 الذي ورد فيه: «هذا السبب هو الإجماع المتفق عليه منذ زمن بعيد من قبل النخب صاحبة القرار في إسرائيل، بأنّ إسرائيل لن تسمح أبداً بقيام دولة فلسطينية تحول دون سيطرتها الفعلية، العسكرية والاقتصادية على الضفة الغربية . ويُضيف: إنّ هذا الموقف الإجماعي لا يمنع قبول إسرائيل بوجود عدد من الكيانات المعزولة عن بعضها البعض التي يمكن أن يصبح الفلسطينيون فيها أكثرية .
بعد كلّ هذا نردّد لهؤلاء الأعراب:
لا يغيّر الله ما بقوم به حتى يغيّروا ما بأنفسهم.. فهل سيتغيّرون؟
ونقول لهم أيضاً مما جاء في الحديث النبوي: «اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع ومن الخيانة فإنها بئس البطانة.. يطبع المرء على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب…».