ردّنا سيكون: أمنُ «إسرائيل»
طاهر محيي الدين
قال انيومي يتسحاقي رئيس منظمة شوفار لنشر تعاليم الديانة اليهودية في «إسرائيل» وحول العالم في محاضرة ألقاها في هرتزيليا شمال تل أبيب شارحاً معنى ما أسماه «احتلال» حزب الله لمستوطنات في الجليل ودلالاته حسب الشريعة اليهودية:
«إذا كنا قد انبطحنا أرضاً خوفاً مدة خمسين يوماً جراء صواريخ غزة على الطرقات وعلى سلالم المباني، إلا أنّ الأمر سيكون مغايراً مع حزب الله»، مضيفاً: «إنّ العام المقبل سيكون حاسماً وليس كأيّ عام، إنه يوم الحساب يُقبل إلينا، فألف صاروخ يُطلق علينا في اليوم الواحد هو أمرٌ مختلف، وإنْ بدأ الأمر مع حزب الله فعلينا أن نعلم مسبقاً أنهم يتدرّبون في سورية للسيطرة على الجليل، ويا ويلاااااه على الجليل، ها هم ينتظرون لاحتلالك».
إن حجم الرعب الذي يعيشه سكان المستوطنات الشمالية المحاذية للجنوب اللبناني خاصةً وعموم سكان المستوطنات والمدن المحتلة الفلسطينية، من مدى تأثير وجود حزب الله على الحياة العامة، هذا غيرَ انعكاس ذلك التأثير على الجوانب الإعلامية والسياسية، إذ أصبح كلّ شيء يرتبط بانتصارات حزب الله موضع قلق في «إسرائيل»، وهو يدرك أنّ طبيعة الصراع مع حزب الله تمسّ وتشكل الخطر الأكبر والأول على مسألة بقاء «إسرائيل» وقدرتها على الوجود.
يدرك الصهاينة أنّ الانتصارات التي يحققها حزب الله هي عملية تراكمية لا تحدث وفق ميكانيكية الفعل الآني، ولكن عبر تراكم الخبرة والفعل، فمنذ نيسان 1994 وتحرير الجنوب 2000، إلى النصر العسكري والمخابراتي في حرب تموز 2006، وأخيراً مجموع الانتصارات التي حققها الحزب مع الجيش السوري في القصير والقلمون، والأهمّ العمليتين النوعيتين في شبعا والقنيطرة، إضافة إلى كشف حزب الله لشبكات التجسّس «الإسرائيلية» والأجهزة «الإسرائيلية» وعملية أيوب، وتزايد ترسانة حزب الله الصاروخية ولمساته وإمداداته الواضحة في غزة، وخوضه لحروب المدن في سورية إلى جانب الجيش السوري بتناغم وتنسيق وعمليات نوعية جداً وبدقة عالية من كمائن ورصد ومتابعة، كلها انتصارات تتوالى وبمعيارية مرتفعة في كلّ مرحلة، وتثير الذعر في قلوب «الإسرائيليين»، الذين يراقبون إمكانات حزب الله وقدراته العسكرية المتطوّرة.
كلّ هذا يأتيهم برسائل قوية وبلهجة حادة وصارمة وقاطعة في خطابات الأمين العام السيد حسن نصر الله في أكثر من إطلالة، مهدّداً بتحرير الجليل وشمال الأراضي المحتلة في فلسطين، والمستوطنون اليهود الصهاينة يدركون أنّ السيد نصر الله أصدق من كلّ قادتهم السياسيين والعسكريين، ويعلمون أنّ هذا الأمر سيتمّ عاجلاً أم آجلاً، وهذا ما يدفع مستوطناً في إحدى المستوطنات المطلة على الجنوب اللبناني إلى القول:
« أرى من منزلي أعلام حزب الله، ويافطات ورسوم كاريكاتورية ضخمة وأعلام فلسطين ولبنان، وهذا يولّد شعوراً يتجاوز ما كان سائداً، لقد كنا بالأمس نرى مقاتلين نظاميّين، واليوم لا نرى هؤلاء المقاتلين إنما أشخاص وأعلام ورسوم كاتكاتورية، وأشعر أنهم يطعنوننا في عقر دارنا، لقد تعوّدنا على الخوف لكنه يتراكم، أنت لا تعلم ما الذي سيحصل، فإذا كنت ترى سابقاً مقاتلين مع بنادقهم فأنت ترى الآن مدنيين ولا تعلم بالضبط من هم! فالمجهول مخيف أكثر من المعلوم».
ويقول آخر عن أعلام حزب الله المنتشرة على طول الحدود الجنوبية في لبنان أن:
« العلم هو الرمز والرمز يشير الى أنّ حزب الله موجود على الحدود، على الرغم من القرار 1701 وهم كما قال الشيخ نعيم قاسم يخفون السلاح، وبشكل عام فإنّ حزب الله المنتصر عاد الى قوته بوتيرة أسرع، وعاد كمنتصر والفرق أنّ سلاحه غير مرئي».
لقد عرف حزب الله بقيادة الأمين العام السيد حسن نصر الله مكامن الحرب النفسية وأتقنها بقوة وبدقة عالية جداً، وقد نجح فيها نجاحاً مبهراً، لأنه يمارس فيها أعلى درجات الصدقية، فزرع الرعب الحقيقي في قلوب الصهاينة من أعلى الهرم السياسي والعسكري إلى أدنى فرد في الكيان الصهيوني، لأنه في كلّ مرة يهزّ فيها أصبعه مهدّداً فالكل يدرك تماماً أنّ السيد جادّ جداً في ما يقول، وأنه سيفعل حتماً ما يقول، والسيد حسن نصر الله سيد الحرب النفسية والعسكرية والسياسية يعلم تمام العلم أنّ الصهاينة – «صهاينة الداخل والخارج» – من العربان والغربان، أنّ خوفهم هو دينهم وديدنهم وأنّ حبّهم للحياة كحبنا للشهادة، لذلك أبلغهم أنّ ردّنا في حال ارتكاب أية حماقة في سورية أو لبنان سيكون في الجليل، وكذلك كان حال الرئيس بشار الأسد عندما أسقط قواعد الاشتباك التي وضعها كسينجر إبان حرب تشرين، وأعلن أنّ حدود الجولان فتحت ولتكن حرباً شاملة إذا ما تورّط الصهيوني والأميركي بأية حماقة أو تدخلَ «الإسرائيلي» مباشرة في الحرب على سورية.
أيها السوريون، الأميركي والصهيوني يدركان تماماً أنه لم يعد هناك أي مكان للحماقات في هذه الحرب على سورية، لا بذريعة الإرهاب ولا بغيرها، وأنّ العنتريات التي تمارسها أميركا اليوم في سورية بحجة الحرب على الإرهاب، لايمكن لها أن تتجاوز حدودها لأن:
أمن الكيان الصهيوني اليوم أضعف من أي وقت مضى، وأنه لو أتى الكيان الصهيوني بكلّ «جبهة النصرة» في الأرض فلن يستطيع أن يوقف زحفنا إليه إذا ما جنّ هو أو الأميركي.
إنّ أي حماقة ستكون نتيجتها حرب كونية يستطيع الأميركي والصهيوني بدايتها ولكنهما لن يستطيعا تحديد نهايتها، فالسيد نصرالله أخبرهم بأنّ دفاعنا المقدس في العراق وسورية يتصاعد ولن يوقفنا أحد، وكذلك الرسائل الروسية وتواجدها بأسطولها في البحر المتوسط وطرطوس يفهمه الأميركي جيداً، وأنّ ضرب أيّ هدف سوري عسكري أو اقتصادي «عن طريق الخطأ»، سيكون ردّه أيضاً عن طريق نفس الخطأ بإسقاط الطائرات الأميركية بصورايخ روسية.
الأهمّ أنه وحده الأبله الفرنسي من أوروبا من يشارك في قوى التحالف مع بقية أذناب أميركا من عربان الصحراء «لدفع الفواتير طبعاً»، فالبريطاني وجد في مجلس الشيوخ الشجرة التي يُنزل فيها الحمار عن المئذنة، والأهمّ على الإطلاق هو الألماني الذي رفض منذ البداية المشاركة في هذا التحالف، والألماني هو الرافعة الأخيرة للاقتصاد الأوروبي المنهار، وأنّ الكثير من الدول الأوروبية تعلم بقدرة القيصر بوتين ليس فقط على اجتياج أوكرانيا وإعادتها إلى الحظيرة الروسية، إنما إعادة كلّ أوروبا الشرقية أيضاُ.
حالة شذوذ العثماني الأردوغاني عن حلف «الناتو» ودعمه للإرهاب أوقعت «الناتو» في حرج شديد، وخصوصاً بعد الصفعة التي وجهها إلى فرنسا بتغيير وجهة سفر أخطر ثلاثة إرهابيين فرنسيين بالعودة إلى فرنسا، حيث قامت المخابرات التركية بتغيير وجهة سفرهم إلى مرسيليا عوضاً عن مطار شارل ديغول في باريس حيث كانت تنتظرهم المخابرات الفرنسية، مما زاد الامتعاض الفرنسي والأوروبي من العثماني أردوغان، وتوجيه الاتهامات مبطنة تارة وعلنية تارة أخرى بدعمه وإيوائه للإرهاب.
ولعلّ الصمت والهدوء الصيني يعدّ من المخاوف الأميركية والأوروبية، وكذلك كوريا الشمالية التي تعلن صراحة وقوفها ضدّ أميركا والغرب الاستعماري.
الأهمّ ما حدث أخيراً في اليمن، وانتصار أنصار الله الحوثيين فيها ودحرهم للوهابيين الذيل المفضل للصهاينة والأميركان هناك، والخوف من تمدّد النصر إلى البحرين والمنطقة الشرقية في السعودية الأغنى نفطياً في العالم، تضخ يومياً الطاقة والنفط عبر الموانئ الموجودة فيها، مما سيجعل ضفتي الخليج ملكاً لأعداء أميركا، وانتصار الأسد المحتوم في سورية وحزب الله في لبنان سيجعل كلّ ممرات البحر الأحمر والخليج مروراً بسلطنة عمان وشرق المتوسط، بأيدي محور المقاومة من طهران إلى دمشق.
إن لم يع التحالف الصهيو ـ أمريكي كلّ هذه المعطيات فلا بدّ من إحالته إلى التصريحين الأكثر أهمية على الإطلاق:
1 ـ عندما قال الرئيس الأسد لهم في بداية الحرب على سورية: «إن أردتموها حرباً فأهلاً وسهلاً بالحرب».
2 ـ عندما قال سيد المقاومة: «فليكن كلّ المقاتلين جاهزين إذا ما أعطي لهم الأمر لتحرير الجليل».
وإنّ اللبيب من الإشارة يفهم، إن كان فيهم بقية عقل أو بقية من عاقلين.