… لعلّ الدنيا لم تعد مكسورة
بلال شرارة
ليست لديّ أفكار مسبقة عما سأكتب بالتحديد.
طبعاً أنا أتابع الاعترافات «الإسرائيلية» حول عمليات الاغتيال وأتابع العمليات الأمنية الأميركية، ومنها ما طال رجل الأعمال اللبناني قاسم تاج الدين في المغرب البلد العربي الذي تجاوز على الاتفاقات المشتركة في إطار جامعة الدول العربية وسلّم من على أرض مينائه الجوي رجل الأعمال من التابعية اللبنانية الدولة العضو المؤسّس في الجامعة العربية ، وأتابع عمليات تحرير الموصل بيتاً بيتاً، والحرب الجغرافية على الأراضي السورية، وتهديد داعش بإغراق محافظات سورية كاملة عبر تفجير سدّ الفرات، وأتابع الوقائع المتصلة بالتطورات السودانية السعودية، وأتابع عندنا مشاريع وأفكار وجولات رئيس التيار الوطني جبران باسيل، وهو وزير خارجية الوطن، العائد من واشنطن التي قلّصت مساعداتها العسكرية والمختلفة للبنان، وأتابع المواقف المهذّبة للقوى السياسية في الردّ على مشاريع قوانين الانتخابات، وأتابع الوقائع الفلسطينية المتصلة بمؤتمرات اسطنبول وطهران وباريس وصورة الحركة الفلسطينية نحو القاهرة…
وأتابع…
ولكن في الحقيقة أنا أتابع تباشير الربيع في الوادي وتكاثر أزرار الورد وتأهّب شتلات الزنبق لتتفتح وأتابع وقد أزهر اللوز وفاح البيلسان حركة النحل والفراشات وكذلك تفتح أزرار الأشجار الأخرى وارتداء أشجار الحور أوراقها.
أتابع سطوع الشمس… الشمس نفسها التي تشرق بالتساوي على سطوح منازلنا وكرومنا ووقوعها علينا عندما نخرج إلى مسارات بلداتنا، وأتابع انحسار المطالبة بإقرار الموازنة والسلسلة وقلة الانشغال بقانون الانتخابات، وكلما صعدت إلى ملاعب طفولتي أعود فأسارع الخطى وأنزل الى المدينة وأختفي في غرفتي وألجأ إلى عالم الأيباد فقد تعبت في ما مضى من عالم أرصفة الثقافة التي لا يدور فيها أيّ شيء مهمّ.
بالأمس أيضاً كنت أبحث عن أمل… ففي خمسينيات القرن الماضي وهبنا الله جمال عبد الناصر، ثم انطلاق الثورة الفلسطينية بعد هزيمة 1967، وانتصار الثورة الإيرانية وسقوط الشاه، ثم افتراض انّ التغيير مهمة امبريالية، وغزو أفغانستان والعراق وتداعيات المسألة السورية والحرب اليمنية والوقائع الليبية…
– -2
في الألفية الثالثة وبعد الربيع العربي الذي تفتحت أزهار دمه على مساحة كياناتنا، ثم وضع الشعب المصري اصبعه على الجرح في 30 يونيو/ حزيران وأسقط محاولة إعادته إلى الخلف وأعاد الأمور إلى المربع الأول، لعلّ وعسى أن نؤسّس لأوطاننا ونعود فنتمسك بشعارات الحدّ الأدنى لبنانياً فلسطينياً وعربياً.
أنا لست متفائلاً لولا مصر، إذ الآلهة الأرضيون لن يسمحوا بانتصار سورية على الإرهاب، وهم حوّلوا سورية الى جغرافيا لحرب كونية، ولن يسمحوا للجيش العراقي بتأكيد وحدة العراق، ولن يسمحوا إلا بخروج السعودية بماء وجهها من اليمن، ولن يسمحوا بتصحيح اتفاق الصخيرات واستعادة ليبيا نظامها.
كلّ ذلك غير مسموح طبعاً بتمهيد جوي دولي وبنار بنادقنا ! كيف تستطيع كلّ تلك البنادق إصابة بلادنا وبأن يهتك محاربوها وقناصتها مدننا وأريافنا؟
أنا أكتب بمزاج سيّئ محبط ومتوتر وقلق للغاية وأفكاري تتجاوز الموت التقليدي قنصاً وقصفاً وذبحاً إلى نوم طويل، لعلّني أعود من غربتي ذات يوم مثل أهل الكهف عليهم السلام، فأجد أنّ بعض آمالي قد تحققت، وأنّ الدنيا لم تعد مكسورة.