عشق الصباح
يا بحر، جئتك والحزن يكوي مجرى مدامعي. مرّر موجةً من ملحٍ على نزف جرحي ربّما يغفو الألم. أيها الساكن في وميض الضوء هيّأت لكَ بساطاً من ورد وعنّاب وتين وتمر وكومة من الورق. ودن من نبيذ معتّق وأشعلت مجمرة البخور، اِمنحني بَرَكة العشق، مدّ يدك خذني إلى محراب التعبّد، لا شيء في الأرض يبقى إلا الحبّ.
أمسكي بيدي، علّنا نسترجع صباحات خبز التنّور، ووجوه الأحبّة. كم يشبه وجهك حبّات القمح في أوان حصادها! تعالي نكتب على قصاصات ورق، ثمّ نُطيرها مع الريح كي تكفكف الكلمات دموع الموجوعين والمحبّين والطيّبين والذين كواهم جمر الانتظار.
اشرب لتطفئ ظمأ القراءات أنت مسكون بقصائد أبي نواس، ربما تتخيّل وتحلم أحياناً، أنك مررت على مضارب بني حمدان في حلب، وقابلت المتنبّي وسمعته يدافع بسيف قصائده عن سيف الدولة في مواجهته جيوش الروم. وكم عبرت وعورة جبال سنجار في بلاد الرافدين وتوضّأت بماء الفرات؟ وأكلت من النخيل رطباً شهياً؟ وطفت في ديار عانا حيث أشرقت شمس من جذوة التوحيد. ويسألك الفجر، هل مررت على شجرة التوت في بساتين العاصي والنعيرية وصافحت وجه سليمان العيسى؟
أخذت الكأس من يدي وقالت: توقف عن الكتابة. ما كلّ هذا الحزن في عينيك؟ حين أكون والبحر أتخيّل أنّ السماء تكاد تلامس الماء فيشتعل الملح. يشرق وجهه من خلف جبال فاران وألقي السلام على تلك الديار التي صارت خراباً، لم يزل في الذاكرة وحي الكلمات، أناديه وهو الذي يسكنني، كم أحتاج إليك؟ متى يجيء الضوء؟ أوجعني ليل الانتظار. لا أزال مع كلّ فجر في غيابك الموجع. أجيء البحر كلّما أوجعني الحنين.
قالت، والدموع تنهمر من عينيها العسليتين: أنت تكتب أم تعزف أنين أوجاعك على قيثارة البوح؟
ومن يومها، غرقت في بريق عينيها، سأبقى أكتب ما حييت، عن حكايات الماء والملح والحبق وعينيكِ.
حسن ابراهيم الناصر