ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…
ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…
تُخصّصُ هذه الصفحة صبيحة كل يوم سبت، لتحتضنَ محطات لامعات من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة من مسار الحزب، فأضافوا عبرها إلى تراث حزبهم وتاريخه التماعات نضالية هي خطوات راسخات على طريق النصر العظيم.
وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا تفصيل واحد، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.
كتابة تاريخنا مهمة بحجم الأمة.
إعداد: لبيب ناصيف
الأمين شفيق سنان… سنديانة أخرى من سنديانات حزبنا تذوي
عرفت الأمين شفيق سنان ناظراً للإذاعة فمنفذاً عاماً في منفذية النبطية، إلى كونه أحد الرفقاء المتقدّمين فيها، وعياً ثقافياً وممارسة نظامية ـ أخلاقية، ثم عرفته أكثر عندما تولّى مسؤولية مفتّش في عمدة الداخلية في فترة توليّ مسؤولية عميد الداخلية، فاكتشفت فيه أصالة الانتماء، والدقة والترفّع، ترافقهما لغة سليمة وخطّ جميل، وفوق ذلك كلّه، نفسية قومية اجتماعية يعبّر عنها في كلّ أداء حزبيّ أو موقف أو ممارسة.
ثم عرفت عنه، وسمعت الكثير، بعد أن تولّى مسؤولية مفتش تربوي، التي مارسها بنزاهة وشفافية وضمير مهني، حكى عنها كل من عرفه في تلك الحقبة من حياته.
على مدى علاقتي بالأمين شفيق سنان، كانت المودة والاحترام والثقة قيماً تلازمنا، كنت أرتاح إلى ما يتمتع به من رصانة ومناقبية ووعي وإيمان وطيد بالحزب. وهذا ما جعله يحتل لديّ حضوراً محبّباً لم ينقطع يوماً.
ودائماً، كنت ألتقي الأمين شفيق. لطالما سهرنا سوياً في منزلنا، وثالثنا الحزب.
إلا أنّني، رغم كل معرفتي بالأمين شفيق، فلقد عرفته أكثر عندما انضممت إلى المئات من رفقائه وأصدقائه الذين تجمعوا في مركز ياسين جابر في النبطية لمناسبة توقيع كتابه «عصارات عمر»، وذلك عبر الكلمات الكثيرة التي أحاطت بكلّ جوانب حياته الغنية، حزبياً وثقافياً وتربوياً.
لعلّ الدكتور وجيه فانوس في كلمته التي قدّم بها كتاب «عصارات عمر» خير من يحكي لنا، بمعرفة صادقة، عن الأمين شفيق، ويُغني عن أيّ كلام آخر.
شفيق سنان والالتزام
الالتزام هو أول ما أعرفه في الأستاذ والمربي والأديب والسياسي شفيق سنان: بل إني لا أكاد أفكر في الالتزام، إلّا وتشرق صورة شفيق قبالتي زاهية ناصعة رائعة. وقد يسأل، من يسأل، عن هذا الالتزام، ما نوعه وما توجهه وما غايته؟ وصاحب السؤال محقٌّ، والجواب عندي، أن شفيقاً هو الالتزام بحدّ ذاته!
صحيح أن شفيق سنان ملتزم بفكر سياسيّ معيّن، لكن الأصحّ، من وجهة نظري وبناء على خبرتي في التعامل مع شفيق، أن هذا الانسان ملتزم بالالتزام إن جاز مثل هذا التعبير. وسرّه أن التزامه المبدئي هذا، هو ما يُلزمه بكل الأمور الأخرى، فكرية كانت أم سياسية أم اجتماعية أم أدبية أم تربوية أم عائلية أو سوى ذلك. فشفيق سنان ملتزم بكل ما يقتنع به: وهو لا يقتنع إلا عن وضوح رؤية وسلامة منطق ولذا فإنه في التزامه لا يكون إلا صادقاً ومتفانياً وقوياً وغير قابل لأي مساومة. وإن كان شفيق من جهة أخرى يستسيغ الحوار، ويستعذب النقاش ولا يملّ من الدفاع عما يلتزم به من أمور. وأكثر من هذا، وأشدّ عظمة وروعة وإنسانية، أن التزام شفيق يعترف بوجودٍ حيّ للآخر، وهذا الاعتراف بحق هذا المخالف في إيضاح ما يراه من أمره. بل والدفاع عنه.
لعل مفتاح الدخول الأساس إلى عالم شفيق سنان، يكمنُ في أن هذا الإنسان التزم بفكرٍ أرسى منهجه ووضع مداميكه وشيّد أركانه سيّد الأول من آذار، هو أنطون سعاده. فمع الفكر القومي الاجتماعي لسعاده، ومنه، وبه، بدأ تعامل شفيق سنان مع امور عيش الحياة ووعي مراميها والسعي في مناكبها.
آمن شفيق سنان، وما برح يؤمن، أن الحياة عقيدة وجهاد ومارس مقولة أن الحياة وقفة عزّ بأروع ما في معطياتها ونتائجها، وما هو بين المعطيات والنتائج، حتى أقصى ما في الممارسة الواعية من روعة الالتزام وصفاء الرؤية وصدق النيّة وإخلاص القول والعمل. ومن هنا، فإن شفيقاً ينطلق في جوهر عيشه، متعدد الوجوه والمناحي والاهتمامات، من بذرة تكوين واحدة، يجسّمها الصدق المتوّج برؤية تتوحّد ضمنها قمم الأهداف وتتلاقى عند صفائها تنوعات مراحل العيش واهتماماته.
شفيق سنان من الجنوب في أرض الوطن في لبنان، لكنّ الوطن بكل أمدائه هو فضاء التعملق الإنساني لشفيق. وشفيق سنان من التربية مؤتمن على التعليم وشؤونه وما في كل هذا من أهوال المعاناة. بيد أن أمانة الوظيفة الإدارية لم تتمكن من سجن شفيق وراء قضبان بيروقراطيتها المرهقة لحيوية الفعل التربوي المنطلق مع شجو حياة الحرية وحقيقة البناء الحيّ لمؤسسة المدرسة بكل ما فيها. وشفيق سنان هو الابن والأب والجد لأسرة استطاع شفيق أن يخرج بها من ربقة العائلية الضيقة حيث الذاتية والمصلحة الخاصة،إلى رحاب العائلة الوطن، حيث موضوعيّة الرؤية والمصلحة العليا للمجموع.
وشفيق سنان هو الباحث الأكاديمي الذي لم يتورع، ذات يوم، ولو لبرهة من وقت، عن تقديم حماسه السياسي قرباناً على مذبح الأكاديميا الحرة بحثاً عن حقيقة المعرفة وتلألوء شعشعانياتها المقدسة.
« إن في هذا العيش الواعي للإلتزام إثره الأكبر في تكوين شفيق سنان، ومجاله الأرحب في نجاحه الفكري والثقافي والاجتماعي. ناهيك بنجاحاته الأخرى في حقول التربية والتعليم والبحث الأكاديمي. لقد ظلّ شفيق، في كل ما عاشه وقام به من أعمال وطمح اليه من رؤى إبناً لأسرته، وواحداً من أهل قريته، ومناضلاً في أرجاء وطنه، وبانياً لمداميك عزّ تفخر بها عقيدته وتفرح بها دولته. وشفيق سنان، في كل هذا، أديب ينثر درر، ما مكنّته منه قريحته واجتهاده، على مجالس ناسه وروّاد نوادي عطاءاته. ولم يكن، ولا يجب، لدرر شفيق هذه، والحال كذلك، أن تذروها رياح الزمن فوق غابات النسيان، اذ ها هي الدرر، بالتزام صاحبها الحيّ بالكلمة وبحق كلماته هذه في الحياة، تجتمع فخورة في سفر أعد لها، وهو سفرٌ جمع فيه شفيق عصارات العمر يصبّها في كؤوس حب مترعة بالإلتزام الواعي والجميل، لعاشقي الحياة وقادري الكلمة والعاملين في سبيل وطن يحفظ أرض أبنائه ويقدّس وجودهم الحرّ ويعمل أبداً على رفعتهم وعزّتهم. إنه الوطن الذي هو حياة العقيدة والجهاد، وهو، كذلك، الحياة التي لا يمكن للأحرار إلا أن يعيشوها وقفة عز، أخيراً وليس آخراً، حياة من مثل حياة شفيق سنان.
السيرة الشخصية للأمين شفيق سنان، ومسيرته الحزبية، لا تنتهي بكلمات. هنا بعض من كثير:
ولد الأمين شفيق عبدالله سنان بتاريخ 1/1/ 1944 في بلدة النميرية النبطية .
انتمى إلى الحزب في 1/1/1976.
تولّى في الحزب مسؤوليات ناظر إذاعة، ناموس منفذية ومنفذ عام في النبطية ومفتش في عمدة الداخلية.
مُنح وسام الواجب.
نال شهادة الماجستير في الأدب العربي. كان مدرّساً لسنوات طويلة فمفتشاً في التفتيش التربوي إلى ان أحيل إلى التقاعد.
أصدر كتابه «عصارات عمر» عام 2012.
توفي والده في 21 تموز2001، والأمين شفيق في 30/3/2017
يبقى الأمين شفيق سنان في تاريخ منفذية النبطية حالة مضيئة بالقدوة القومية الاجتماعية نستذكرها دائماً بكثير من الحبّ والاعتزاز، وهو بالنسبة إليّ باقٍ في أعماقي ما دامت لديّ حياة.