حكمة الرئيس عون!

أسامة العرب

بعد 69 سنة على النكبة لا يزال سبعة ملايين لاجئ فلسطيني بعيدين عن ديارهم، ورغم أنهم عانوا من كوارث خمسة حروب وتعرّضوا للاضطهاد والتشريد والاحتلال إلا أنّ آلامهم لم تهِن في أيّ يوم من الأيام ولم تفتر. لا بل من المرجّح أن تزداد آلامهم وتُضاف أعدادهم ثلاثة ملايين ومئتي ألف نسمة يرحّلون إلى صحراء سيناء أو غزّة أو حتى يُرمى بهم بالبحر، والله أعلم!

والحقيقة أنّ الفلسطيني هو الذي لم يعُد لديه وطن وليس اليهودي، والمحرقة الحقيقية هي فلسطينية، وليست يهودية، ولم تتوقّف يوماً. فها هو الوزير «الإسرائيلي» أيوب قره يصرّح بأنّ «رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو خلال زيارته واشنطن في شهر شباط الفائت ناقش مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطة إقامة دولة فلسطينية في غزة وسيناء بدلاً من الضفة الغربية والقدس الشرقية»، ويتابع: «وبذلك يُمهّد الطريق لسلام شامل مع الائتلاف السني«، كما نقل موقع صحيفة «معاريف»، بأنّ النائب «الإسرائيلي» السابق الجنرال آرييه إلداد أكّد هذا الأمر قائلاً: «إنّ الخطة تتضمّن اقتطاع 1600 كيلومتر مربع من سيناء وضمّها لقطاع غزة، على أن تُقام عليها دولة فلسطينية منزوعة السلاح».

فيما تزامنت هذه التصريحات مع تأكيد نائب رئيس الولايات المتحدة الأميركية مايك بنس للجنة الشؤون العامة الأميركية «الإسرائيلية» «إيباك»، بأنّ الرئيس ترامب، «يدرس بجدية طريقة نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة حفاظاً على أمن «إسرائيل»، والعمل على تحقيق السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط». فيما انتقل وفد أميركي يضمّ أعضاء في الكونغرس إلى «إسرائيل» مطلع آذار الفائت، وبحث آلية نقل السفارة الأميركية إلى مدينة القدس المحتلة، بعدما أجرى تحريات دقيقة على الصعيدين الميداني والسياسي وفي مواقع مختلفة في القدس المحتلة للمكان الأنسب لتشييد السفارة الأميركية عليه.

ومن المعروف أنّ صعود مقترح قيام دولة فلسطينية في سيناء ليس وليد اليوم، فبعد نكبة 1948 واجتياح الصهاينة للأراضي الفلسطينية، وتأسيس دولة الاحتلال «الإسرائيلي»، عُرضت مقترحات أميركية «إسرائيلية» عديدة لإقامة كيان فلسطيني على أراضي سيناء، كان أبرزها مشروع مناحيم بيغن 1979، ومشروع داونا ارزت 1997، ومشروع جيورا آيلند في العام 2009 الذي عرضه دنيس روس المبعوث الأميركي على مصر مقابل 12 مليار دولار ومساحة من الأراضي في النقب. وكلّ تلك الخطط تتلخّص كالآتي: تتمّ مضاعفة مساحة غزة مرتين أو ثلاث مرات، بضمّ 600 كيلومتر من سيناء للقطاع، لتكون هناك فرصة لإقامة دولة فلسطينية في غزة وجزء من سيناء، مقابل تنازل الفلسطينيين عن الضفة الغربية والقدس الشرقية، فيما يتمّ منح مصر 600 كيلومتر من صحراء النقب.

أما اليوم فتسعى «إسرائيل» لممارسة ضغوط على القيادة المصرية وبدعم أميركي مستغلة الأوضاع الاقتصادية الصعبة وحالة الارتباك الإقليمي، لإقناع أصحاب القرار العربي للقبول بالفكرة التي تقوم على أساس دولة فلسطينية في غزة وأجزاء من سيناء، في إطار حلّ إقليمي يشارك فيه العرب.

وفي الكلمة الجريئة التي ألقاها فخامة الرئيس المقاوم ميشال عون في مؤتمر القمة العربية حكمة بليغة مفادها: من أجل مَن نتقاتل؟ ومن أجل ماذا نقتل بعضنا بعضاً؟ أمن أجل تحرير القدس والأراضي العربية المحتلة، أمّ من أجل الوطن الفلسطيني الموعود وإعادة اللاجئين؟! ومن الطبيعي أن يتساءل أيّ عربي شريف، أنه بعد مرور أكثر من 39 قمة عربية وأكثر من 300 قرار، ماذا حققت الجامعة العربية للقضية الفلسطينية غير الإنجازات الورقية؟ فها هي أهداف دولة الاحتلال بدأت تتحقّق على أرض الواقع، فـ»إسرائيل» ماضية بمباركة أميركية لتكريس واقع ميداني ينهي أيّ إمكانية لإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزّة. كما أنّ المؤشرات التي بدأت تلوح في الأفق تؤكّد أنّ دولاً إقليمية ترغب بالتطبيع وبتعديل مبادرة السلام العربية لإضفاء «الشرعية» على كبرى المستوطنات «الإسرائيلية» والتنصّل من حق العودة والحقوق الفلسطينية والعربية في القدس الشرقية. وما أدلّ على ذلك سوى تصريح الرئيس ترامب الشهير والمنشور حالياً على الموقع الرسمي للبيت الأبيض، والذي يقول فيه: «نسعى للتوصل إلى مبادرة سلام جديدة وعظيمة، ليس فقط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل ستتضمّن الكثير من الدول العربية الأخرى… الأفكار الجديدة المتعلقة بعملية السلام تتضمّن إشراك الحلفاء العرب، وستكون عملية سلام كبيرة وتتضمّن قطعة أكبر من الأرض»، في إشارة منه إلى شبه جزيرة سيناء لا بل يرفض ترامب أن تكون السلطة الفلسطينية الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، ويشترط مشاركة حلفائه العرب معهم على طاولة الحوار، ويرشّح صهره جارد كوشنير وسفيره الصهيوني في تل ابيب ديفيد فريدمان لقيادة مباحثات السلام من دون شروط مسبقة، ومن دون وقف للاستيطان.

ولهذا السبب بالذات، أراد فخامة الرئيس المقاوم إحياء «الميّت» وتذكير الحاضرين بأنّ هناك شيئاً اسمه «مقدّسات ومقاومة وحق تقرير مصير»، وبأنّه واجبٌ عليهم أمام الله وأمام أشقائهم الفلسطينيين، وبأنّ البندقية يجب أن توجّه إلى العدو لا إلى صدور بعضهم بعضاً.

واستفاض الرئيس عون مؤنّباً الحاضرين: «الجميع قتلى، الجميع أموات، الجميع جياع يتوسّلون لقمة العيش… صفحات تاريخنا امتلأت بأسماء ضحايانا واصطبغت بدمائهم… ماذا سنقول لأهالٍ فقدوا أطفالهم؟ ولأطفالٍ خسروا أهاليهم؟ هل نحدّثهم عن حاضر يُدمّر أم مستقبل يحترق؟».

رُبَّ متسائل: لو بُذلت هذه الدماء العربية البريئة في سبيل تحرير فلسطين والقدس والمقدّسات، أو صُرفت هذه المليارات السخيّة من الأموال والأسلحة والذخائر في مواجهة العدو «الإسرائيلي»، هل كنّا سنسمع عن صهاينة في القدس أو عن احتلال «إسرائيلي»؟ وهل كنّا سنسمع ملايين من الفلسطينيين يصرخون في أرجاء المعمورة: حوّلونا إلى شعب بدون وطن، مهمّشين بلا عمل ولا سكن ولا عودة ولا مستقبل ولا حتى بصيص أمل، متى قُلبت المعادلة الأميركية من «حلّ الدولتين» إلى حلّ «دولة الشريعة اليهودية» ومن «حقّ العودة الفلسطيني» إلى «حقّ العودة اليهودي»؟ أين هي المساواة بين البشر وأين هو البند الثالث من ميثاق الأمم المتحدة وأين هي القوانين الدولية التي وعدتنا بجزء من وطننا؟

فعلاً، لقد مثّل صوت الرئيس عون المدوّي في القمة العربية صوت العرب بأكمله، وتجرّأ من أول قمّة عربية له على قول ما لم يجرؤ عليه جميع الرؤساء على مرّ سنوات من الزمن! ولكن كانت المفاجأة الصادمة بأنّه بعد صدور كلّ هذه الكلمات التي تقشعرّ لها الأبدان، المقرّرات الورقية المتعلقة بفلسطين صدرت كالعادة، بلا آلية تنفيذ، ولا حلول عملية، ولا خطوات تصعيدية، ولا مقاطعة لـ«إسرائيل». كيف سنواجه الاحتلال والاستيطان؟ لا أحد يعرف! كيف سنستعيد الأراضي المحتلة والمقدّسات؟ سؤال غريب! ما هي الخطوات التي سوف نتّخذها في حال قرّرت أميركا نقل سفارتها إلى القدس؟ لا إجابة! هل سيتوقف البعض منّا عن الهرولة للتطبيع؟ سؤال لم يُطرح! وما هو الجواب الذي وجهناه للإدارة الأميركية التي تطالب علناً بتقديم العرب للتنازلات عن حقوق الفلسطينيين في أرضهم وفي حق العودة؟ لا شيء! لقد رُفضت معادلة الاستسلام مقابل الأرض إسرائيلياً منذ أكثر من خمس عشرة سنة، ألم يئن الأوان لكي تفيقوا من سباتكم العميق أيها العرب!

محام، نائب رئيس

الصندوق الوطني للمهجرين سابقاً

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى