لحظة «تأكدت» واشنطن..
روزانا رمّال
لا تغيرات منهجية كبرى في أي من الإدارات الأميركية منذ تاريخ نشوء «الأمة الأميركية» فأحد غير قادر على العبث بالمصالح العليا. الأمر هنا لا يتعلق بحماية «اسرائيل»، كما يركّز المفكرون المشرقيون منذ نشوء الكيان.
لقد أنشأ جورج واشنطن أثناء قيادته، وهو مؤسس الدولة الأميركية سوابق عدة من الأعراف والتقاليد الحكومية التي لا تزال تستخدم منذ ذلك الحين، مثل لقب السيد «الرئيس»، وحدّد الولاية بمدتين. وكل هذا لا يزال حتى اللحظة دستوراً أعلى للولايات المتحدة الأميركية، ومعها مسألة «التفوق» الأميركي و«الريادة» ومفاهيم السيادة.
يدرك أيّ مرشح لرئاسة البيت الأبيض، جمهورياً كان أو ديمقراطياً، أن الأولوية للمحافظة على تلك المبادئ، وكل ما سواها مصالح محفوظة لا أكثر.
الصراع الأميركي الروسي وتصاعد نفوذ موسكو عاد ليصبح «همّ» السياسيين الأميركيين الأول منذ الأزمة السورية وأفرد ترامب شعاراً انتخابياً مباشراً لأجله «معاً نعيد عظمة أميركا مجدداً».
عنفوان الشعبين أصبح هنا حاجة وطنية كيف يمكن للولايات المتحدة أن تقبل توسّع نفوذ الروس في الشرق الاوسط من دون ان تتشارك الخلطة السياسية وتشرف على الإخراج بنفسها؟ ها هي روسيا تمضي قدماً في مسألة مكافحة الإرهاب منفردة. التفوّق الروسي في سورية وما يعنيه من تفوّق في الشرق الأوسط خضّ مضاجع الأميركيين.. إنهم الروس أعداؤنا التاريخيون!
لا تتقبّل «الدولة» الأميركية تاريخياً مسألة الشراكة، فهي مناقضة لتكريس فلسفة «التفوق» الذي تفقد معه واشنطن تفرّدها، بحال خسرته فتصبح واحدة مثل باقي عواصم العالم.
قبل دعم «الشريك» في سورية الذي يتمثّل بمصالح «اسرائيل» وتركيا والخليج والأوروبيين. هناك ما هو أهم بالنسبة للأميركيين الذين يعملون على قوة ووحدة «الأمة» الأميركية داخل أميركا وخارجها. هم أولئك الذين يحاربون في سورية «التوسّع» الروسي في الأروقة البحثية العليا ولن يسمحوا بانتكاسة بهذا الحجم هي الأولى من نوعها منذ الحرب العالمية الثانية وانكسار الاتحاد السوفياتي.
الحلفاء الذين تقاطعت مصالحهم مع واشنطن هم أدوات أو أناس «جيّدون»، عندها إذا أنجزوا المهمة وهم يلهثون أيضاً من أجل التخلص من اشكال متعددة من النفوذ، بينها الإيراني وجبهات المقاومة المختلفة الأشكال والمشارب بين لبنانية وفلسطينية، كهاجس «اسرائيلي» خليجي، ومنها النفوذ الروسي أيضاً عند الأوروبيين وغيرها من الحسابات كالتخلّص من حلم «الدولة» الكردية عند الأتراك.. لكنهم ليسوا كذلك – جيّدين – اذا ما فشلوا بالحفاظ على الوجود الأميركي وخدشوا «هالة» حضوره في الشرق الاوسط.
في الحالة اللبنانية كمثال متفق عليه تقريباً، كان للنفوذ الأميركي في المنطقة تأثير كبير على السماح لمرحلة الوجود السوري في لبنان بالبقاء مستقرة، لا بل السماح للجيش السوري بدخول لبنان لحظة كانت العلاقات الأميركية السورية مقبولة إلى حد ما سياسياً وطبيعية، فكان لسورية حصة الأسد في البقاء في لبنان ما بعد الحرب الأهلية، وتعدّدت تسميات وعناوين دخولها في تلك المرحلة من دون الخروج عن ذلك السقف، وبعد اغتيال الحريري عام 2005 تم إخراجها بقرار أميركي أيضاً متذرّعة بقرار أممي منسّق 1559.
النفوذ الأميركي المفقود في سورية اليوم انتقل لروسيا كاملاً، وقد تحولت دمشق لشريك بدلاً من الحليف، وباتت مسألة إرضاء الرئيس السوري بشار الاسد عند الروس أمراً أساسياً.
تتمسّك روسيا بالرئيس السوري لاعتبارات تحدّث عنها ديبلوماسي روسي لـ»البناء» وهي حساب قديم جديد يتعلّق بشعبية الاسد أولاً، وبقدرته على امتلاك القرار الفصل والسيطرة على الجيش السوري ثانياً، وهو أهم ما سيفتقده أي خيار رئاسي آخر في سورية وروسيا لا تريد الفوضى في دمشق بوابة موسكو التاريخية.
تفاءل «الاسرائيليون» والسعوديون والخليجيون مؤخراً بإمكانية أن يعطي «ترامب» فرصة للضغط من اجل التخلي عن الشراكة الروسية -الأميركية قدر الإمكان، خصوصاً أن حديثاً سابقاً لمسؤولين أميركيين في ادارة ترامب أولوا أهمية للعودة الى بنود اتفاق كيري – لافروف أو تنفيذه مع بعض التعديلات، وإذا بترامب القلق على تثبيت أول مئة يوم من حكمه «المريب» بالنسبة للأميركيين يمنح الحلفاء في سورية فرصة جديدة لضرب روسيا بالعمق أولاً، وثانياً بإنعاش المعارضة فتتوازن المفاوضات، او ربما إنعاش يؤدي الى إعادة عقارب الساعة «كلها» الى الوراء، لهذا اختيرت معارك دمشق «جوبر القابون» الأخيرة لتكون مقدمة الهجوم على دمشق فتسقط العاصمة لتتوالى الانكسارات مجدداً في باقي المحافظات، ويحصل الانقلاب المدوي من بوابة دمشق فخسر «الاسرائيليون» والامير السعودي «محمد بن سلمان» الرهان. أعطى ترامب ضوءاً أخضر وأقال المسؤول الأكثر ارتباطاً بالروس بعد اسبوع من توليه مستشار الأمن القومي مايكل فلين وأثبت أنه مستعد لإعطاء فرصة كبرى تعيد المهابة لبلاده بعيداً عن روسيا، إذا ما صحّت هذه التقديرات فلم تفلح مع ضخامتها فلا الغارات «الاسرائيلية» ولا «غزوة دمشق» نجحت.
تأكدت واشنطن أن الأوان قد يفوت، وأن عليها بشراكة موسكو وإلا فإنها قد لا تجد مكاناً «للشراكة» لنفسها مع روسيا الماضية قدماً في قتال الإرهاب من دون النظر للوراء أي تتفرّد روسيا مكانها بالمنطقة، وتعيد زخم التاريخ «البائد» وتنشيطه في ذهن الأميركيين.
تأكد الأميركي فتصرّف سريعاً من انقرة.. مصير الأسد يحدده الشعب السوري وبإيعاز لفرنسا: مصير الأسد لم يعد أولوية فرنسية، ومن القمة العربية تجاهل لمصير الأسد والحل السياسي لسورية!