دي ميستورا: على المعارضة السورية قراءة الموقف الأميركي قبل الخسارة برّي يحذّر من الفراغ والفوضى الدستورية والسياسية… والتمديد التقني حتميّ
كتب المحرّر السياسي
لا تزال تردّدات الموقف الأميركي المعلن من مستويات متعددة تأكيداً على جديته، وطابعه الرسمي والنهائي، تلقي بظلالها على القوى التي تورطت بالحرب على سورية، خصوصاً تركيا والسعودية و«إسرائيل»، حيث كانت الجولة الأخيرة من حرب دمشق وحماة هي الفرصة التي طلبها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعد تحضيرات استهلكت شهوراً امتدت منذ مطلع العام، ومحاولات لتحييد الموقف الروسي من استانة إلى زيارة نتنياهو لموسكو. وجاءت المفاجآت المتصلة من الدرع الصاروخية السورية المدعومة روسياً بوجه الغارات «الإسرائيلية»، والدينامية العسكرية المتسارعة لامتصاص الجيش السوري هجمات دمشق وحماة التي كانت تهدف للسيطرة على ساحة العباسيين في دمشق والسيطرة بالنار على خمسة أحياء متصلة بها، وبالتالي نقل المعركة إلى داخل العاصمة، بينما تهدف لفعل الشيء نفسه في مدينة حماة بعد الزحف من ريفها الشمالي، ليكون الردّ على سيطرة الجيش السوري على الأحياء الشرقية في حلب أقوى انتصاراً على الانتصار.
تبدد الهجوم الأخير وتمكّن الجيش السوري بدعم سريع ونوعي من الحلفاء بشرياً ونارياً من الانتقال للهجوم المعاكس واسترداد ما تمكّن مسلحو جبهة النصرة كرأس حربة للحرب من السيطرة عليه، ومواصلة الهجوم على عمق مناطق سيطرة النصرة والجماعات التي تقاتل معها خصوصاً مَن شاركوا في أستانة كجيش الإسلام السعودي وفيلق الرحمن التركي.
الترددات كانت إعلاناً تركياً بنهاية عملية درع الفرات من دون إعلان الانسحاب تريّثاً وترقباً للتطورات، وخشية اضطرار سعودية للتأقلم مع الموقف الأميركي وفقاً لتفاهم واشنطن الذي تضمّن، وفقاً لمصادر متابعة، التزام واشنطن في حال نجاح الهجوم على دمشق وحماة بالتراجع عن الذهاب نحو موقفها الجديد المعلن تجاه الرئيس السوري، ولكنّها تلزم السعودية بمواءمة موقفها مع التوجه الأميركي في حال الفشل، أما حكومة نتنياهو فتجاهلت المواقف وركّزت في إعلامها على خطر حزب الله وكيفية التعامل معه، مطلقة مواقف من عيار استعدادها لعمل ما يلزم عندما يتعرّض أمنها للخطر.
لبنانياً، تستعدّ الحكومة للمثول أمام المجلس النيابي في جلسة مناقشة عامة، ويستعدّ المجلس النيابي بعدها لفتح ملف الموازنة وسلسلة الرتب والرواتب، مقابل تعهّد حكومي بالانصراف لملف قانون الانتخاب. ووفقاً لهذه الثلاثية يفترض أن ينتهي الجدل حول اللاءات، بين قانون الستين والتمديد والفراغ. وقد نقل زوار رئيس المجلس النيابي عنه الفصل بين التمديد كخيار شبيه بما جرى خلال السنوات الأربع الماضية، وهو من المحرمات، وبين تمديد تقني بات حتمياً لو أقر قانون الانتخابات غداً، أو لم يتم إقراره، ففي الحالين موجب التمديد التقني لا مفرّ منه، محذراً من مجرد النقاش في خيار اسمه الفراغ، مستعيداً كلاماً للمشرع والدستوري أدمون رباط، عن أن الفراغ في المجلس النيابي في نظام برلماني ينشئ وضعاً دستورياً يسقط فيه الدستور والدولة، ويدخل البلاد في فوضى دستورية وسياسية، لا يعلم أحد تداعياتها ولا النهايات التي يمكن بلوغها.
باسيل: للتصويت على «القانون»
مع غياب جلسات مجلس الوزراء الأسبوع الحالي ووجود المعنيين بقانون الانتخاب خارج البلاد، ستخرق جلسات ساحة النجمة التي دعا إليها رئيس المجلس النواب نبيه بري لمناقشة الحكومة، يومي الخميس والجمعة المقبلين، جمود المشهد السياسي.
وإضافة الى ملفات اقتصادية وإنمائية وهموم ومشاكل حياتية وإثارة بعض الكتل النيابية لقضايا سياسية بهدف الاستثمار الانتخابي ستشكل محور أسئلة النواب لحكومة «استعادة الثقة»، ستنتقل النقاشات والمداولات في الصيغ الانتخابية الحيّ منها والمنتهي الصلاحية من غرف اللقاءات الثنائية والثلاثية والرباعية الى قاعة الندوة البرلمانية العلنية.
وإذ كانت الاقتراحات قد سقطت الواحد تلو الآخر بعد تعرضها لإطلاق النار السياسي وضاعت صيغ أخرى في سوق المصالح السياسية، فإن محاولات إنعاش اقتراح رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الأخير لإبقائه على قيد الحياة لم تتوقف، بعد أن دخل مرحلة بين الحياة والموت، فلا صيغة بديلة عنه حتى الساعة، كي تعلن وفاته ومراسم دفنه.
لكن يبدو أن جعبة الوزير باسيل قد نضبت من الاقتراحات مع النفاد التدريجي للمهل الدستورية لإجراء الانتخابات النيابية في حزيران المقبل، ما دفعه أمس الى الإعلان بأن القانون الأخير الذي تقدّم به لا يزال حياً ولا أحد يمكنه قتله، مهدداً بعرض اقتراحات ومشاريع قوانين الانتخاب على التصويت في مجلسي النواب والوزراء في حال تعذّر الاتفاق. وقال باسيل: «لا أحد يمكنه قتل لبنان، نحنا بعدنا طيبين».
وأشار في مؤتمر صحافي من أستراليا الى أن «اقتراحه لا يزال قيد النقاش بين الأفرقاء والجواب عليه لا يزال من حزب الله الذي سيعطي جوابه النهائي». وأعرب باسيل عن قناعته بأن «هذا القانون يجب أن يكون «بالتوافق بين اللبنانيين»، محمّلاً مسؤولية ذلك لجميع الفرقاء. ولفت الى أن «أسبوع الآلام سيكون أسبوع قانون الانتخاب، وسنصلب جميعاً لقيامة قانون الانتخاب». وأضاف: «قانون بلا إجماع، ولكن بتوافق كبير أفضل من تمديد من دون توافق أو فراغ أو ستين من دون توافق، وإذا لم يتم التوصل الى حل فليصوّت مجلسا الوزراء والنواب».
وبحسب ما علمت «البناء» فإن «البحث في نقاشات قانون الانتخاب لا تزال تدور في حلقة مفرغة ولم تتقدم خطوات جديدة، ما دفع الرئيس بري الى إطلاق تحذير من أن عدم قيام الحكومة بأخذ الملف على عاتقها سيدفع إلى انقلاب يطيح بكل إنجازاتِها، كما علمت بأن ثنائي أمل حزب الله استمهلا باسيل مزيداً من الوقت لدرس نقطتين قوبلتا برفض الحزب والحركة إحداها الصوت التفضيلي، أما الحزب التقدمي الاشتراكي فلا يزال عند موقفه وهو الرفض المطلق لاقتراح باسيل إذا لم يُمنح ما يريده، أما تيار المستقبل فموقفه الأكثر غموضاً ولا يتجرّأ على إعلان رفضه كي لا يتحمّل مسؤولية تعطيل إنجاز قانون جديد».
وردّ وزير التربية مروان حمادة أمس، على باسيل، معتبراً أن «الأهم أن لا يتألم الشعب اللبناني من قانون انتخاب غير عادل»، مشيراً الى «أننا لن نقبل بقانون غريب عجيب وقانون جبران باسيل هذا لن نقبل به ونحن بتنسيق دائم مع رئيس مجلس النواب نبيه بري بري ورئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط وضع مطالبه المتواضعة وهي صحة التمثيل».
شهر الحسم أم الأزمة؟
لكن مصادر نيابية مطّلعة ترجّح لـ»البناء» أن «يكون شهر نيسان الحالي حاسماً لجهة إنجاز قانون انتخاب جديد وتنقل عن رئيس المجلس النيابي تفاؤله لبتّ الملف في هذا الشهر، وإلا سنكون أمام أزمة انتخابية وسياسية طويلة من غير المعروف كيفية الخروج منها».
وتبني المصادر تفاؤلها على جملة من المؤشرات أبرزها «اتفاق الفرقاء كافة على أن النسبية ستكون في أي صيغة انتخابية ولا مجال لتراجع أي فريق عن ذلك، كما أن الوقت والمهل الدستورية تداهم الجميع وبالتالي أي من الأطراف غير مستعدّ لتحمّل مسؤولية أخذ البلد الى مكان مجهول». وتلفت المصادر الى أن «الرئيس بري سيطالب الحكومة خلال جلسات المناقشة في المجلس النيابي للإسراع في تحمّل مسؤولياتها والعمل على إقرار مشروع قانون الى المجلس النيابي، وأن تبدأ بذلك في جلستها الأولى أو الثانية بعد انتهاء جلسات المناقشة، وأوضحت أن «تحذير بري من اهتزاز الحكومة وتضييع إنجازاتها هو حثّ للحكومة على إيلاء الشأن الانتخابي أهمية»، ولفتت الى أن «تعثر الحكومة في موضوع قانون الانتخاب سيؤدي الى إضعاف الثقة بها، لكن لن يؤدي الى تهديد الاستقرار الحكومي أو وحدتها، فلا أحد يتحمّل مسؤولية إسقاط الحكومة على مشارف أشهر من الانتخابات النيابية».
وعن الموازنة وسلسلة الرتب والرواتب، توقعت المصادر أن يعمل المجلس النيابي على إيجاد الحلول المناسبة لها لكن يبقى قانون الانتخاب أولوية بالنسبة لجميع القوى، لأنه يشكّل بداية الحل للمشاكل والأزمات الأخرى».
وتعتبر أن «جلسات مناقشة الحكومة مهمة، وإن كانت القوى في الحكومة هي نفسها في المجلس النيابي، فهناك بعض التباينات داخل الفريق الواحد، وبالتالي تستعيد الحيوية البرلمانية وتدفع الحكومة مجتمعة والوزراء منفردين الى مزيدٍ من العمل وتقويم بعض الثغرات والتقصير».
«التيار»: القضية خيارات وجودية
وتشير أوساط قيادية في التيار الوطني الحر الى أن «قانون الانتخاب ليس قضية تقنية أو سياسية، بل مسألة خيارات وجودية وهي إضافة الى تمثيل كل الأطراف السياسية العابرة للطوائف في المجلس النيابي، فهناك مصير وموقع المكوّنات اللبنانية بمن فيهم المسيحيون في هذا البلد. والسؤال المحوري الغائب اليوم هو ماذا نفعل كلبنانيين لضمان استقرار هذا البلد السياسي والأمني والاجتماعي بجميع مكوّناته، وهل نحن جدّيون في تطبيق الطائف؟ وما هي الشروط لذلك؟».
وتوضح الأوساط نفسها لـ»البناء» أن «التيار الوطني الحرّ مع النسبية الكاملة، لكن في ظل التطور والتفاوت الديمغرافي والواقع الاجتماعي الحالي وتلاعب بعض القوى السياسية بالهويات وعمليات التجنيس والتوزيع الديموغرافي والانتخابي العشوائي والاستنسابي، تصبح النسبية الكاملة لمصلحة مكوّن ضد آخر ولا تناسبنا، لذلك النقاش دخل في دوامة مفرغة ولا مؤشرات لحل قريب لقانون الانتخاب، حيث تعمل بعض الأطراف على إعاقة أي مقترح والالتفاف عليه وإجهاضه».
وترى بأن «الحلّ الذي آن أوانه للخروج من الأزمة هو وضع الآليات التي يلحظها اتفاق الطائف موضع التنفيذ، لا سيما تشكيل الهيئة العليا لإلغاء الطائفية السياسية واعتماد نظام المجلسين وتحديد صلاحية مجلس الشيوخ وإنشاء اللامركزية الإدارية الموسّعة لكسر حدّة النقاش والخلاف حول قانون التمثيل الانتخابي».
غرق صيدا في مستنقع الأمطار
وفي ظل الغرق السياسي في المستنقع الانتخابي، غرقت صيدا أمس في مستنقع من سيول الأمطار التي تساقطت بغزارة وغمرت عدداً من شوارع المدينة لبعض الوقت نتيجة العاصفة الرعدية، فيما لازم صيادو الأسماك رصيف المرفأ بعدما تعذّر عليهم الإبحار، وخلفت السيول أضراراً فادحة في سيارات المواطنين والمحال التجارية ومراكب الصيادين.
وفيما تبخّرت الوعود المتجددة التي يطلقها كل من رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة والنائب بهية الحريري لأهالي صيدا عند كلّ استحقاق نيابي، بإصلاح البنية التحتية للصرف الصحي في المدينة، دعا رئيس بلدية صيدا السابق عبد الرحمن البزري بلدية صيدا الى إقامة دعوى ضدّ مصلحة مياه لبنان الجنوبي والوزارات المسؤولة عن نظام الصرف الصحي في المدينة، وعن مبالغ الأموال الكبيرة التي تمّ دفعها، حيث تمّ نقل مجاري مياه الصرف الصحي لمئات الآلاف من المواطنين لتصبّ في مدينة صيدا من دون أن تتمّ مراعاة خصوصية هذه المدينة.
في المقابل، أعلن رئيس بلدية صيدا محمد السعودي أنه «استنفر فرق الطوارئ والشرطة البلدية والإطفاء من أجل العمل على مواجهة تداعيات العاصفة ومدّ يد المساعدة للمواطنين». وأشار إلى أنّ «هذه الفرق تعمل على فتح الأقنية ومصارف مياه الشتاء التي كانت أكبر من القدرة الاستيعابية لهذه المصارف بسبب غزارة الأمطار التي هطلت في وقت قصير».