إلى أين تسير بأمّ الدنيا يا رئيسها المشير؟
مصطفى حكمت العراقي
عادت معضلة الجزر المتنازع عليها بين مصر والسعودية للظهور مجدداً، فبعد الحكم القضائي الصادر من المحكمة الإدارية والذي حسم النزاع لجهة إثبات عائدية الجزر لمصر أصدرت مؤخراً محكمة الأمور المستعجلة قراراً يسقط حكم المحكمة الإدارية العليا بعد دعوى تمّ تقديمها لإسقاط القرار أما الكلمة الفصل فستكون للمحكمة الدستورية. وهذا ما يُنذر باتساع أمد القضية لجهة الصراع والتنقل بين مختلف الإدارات القضائية المصرية وقد يصل لمحكمة دولية، كما بشّر بذلك بعض المحامين الذي يريدون إبقاء الجزر تحت السلطة المصرية، خصوصاً أن السلطات المصرية تتّجه نحو الكسب السياسي والاقتصادي من وراء صراع الجزر، وهي ذاتها التي أعطت الجزر سابقاً إبان زيارة الملك السعودي الأخيرة للقاهرة والتي تبعتها خلافات وتوترات عدة بين القاهرة والرياض الى أن التقى السيسي بالملك سلمان في البحر الميت. يفسح الوقت بعد لقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالملك السعودي سلمان بن عبد العزيز قبل أيام في البحر الميت. وهنا يجدر الاستفهام عن السر من وراء عودة الهدوء بين البلدين، بعد أن فشلت وساطات عدة وعلى أعلى المستويات لعودة العلاقات بينهما، فهل السر كان في المسار القضائي الجديد وتقديمه كهدية من الرئيس المصري لعودة العلاقات، خصوصاً إذا ما نظرنا أن هذه المحكمة شكلت ومنذ إنشائها باباً خلفياً لمختلف الحكومات المصرية لتطبيق قراراتها والوقوف بوجه المحكمة الإدارية، لذلك كانت هذه الخطوة متوقعة بحسب مختصين في الشأن القضائي المصري، رغم أن الدستور المصري لا يسمح بالطعن بالأحكام الصادرة من المحكمة الإدارية العليا باعتبارها السلطة القضائية الأعلى ولا يمكن إسقاط قراراتها إلا من قبل المحكمة الدستورية. لذلك ورغم هذا القرار ستتجه الحكومة المصرية إلى المحكمة الدستورية العليا لكسب قرار يسمح لها بتطبيق الاتفاق وإعطاء الجزر للسعودية!! ومن خلال هذا الإصرار الحكومي العجيب لجهة التنازل عن أراضٍ أقرها القضاء بأنها مصرية يمكن التنبؤ بأن إدارة السيسي تريد الكسب الاقتصادي والسياسي حتى وإن كلّفها ذلك صراعاً شعبياً جديداً.
مصادر أخرى رجّحت أن يكون سبب المصالحة هو الاجتماع الأخير والذي كشفت أجواءه صحيفة «يديعوت أحرونوت» «الاسرائيلية» عن مصادر سياسية وصفتها بالمسؤولة والرفيعة المستوى في تل أبيب قولها إن خلال الاجتماع بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وبين ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قام ترامب بتوبيخ الأخير بسبب العلاقة الفاترة بين المملكة العربية السعودية وبين مصر، وطلب منه العمل فوراً على إعادة المياه إلى مجاريها بين الدولتين. وهنا يكمن السر بالمصالحة التي تمّت بين الرئيس المصري وبين العاهل السعودي، لأن الرياض وبحسب تلك المصادر مجبورة على العودة لمصر، إذا ما أرادت الحصول على دعمٍ أميركي أكبر لمواجهة التمدّد الإيراني، كما وصفتها المصادر «الاسرائيلية» لفتح جيوب المملكة وعودتها لتقديم المساعدات لمصر التي تعيش أياماً اقتصادية صعبة. وهنا نرى التطور في العلاقات الفاترة منذ عام فهي تتحسّن نتيجة ضغط من ترامب على الحكومة السعودية لجهة إنهاء القطيعة بين البلدين ومساعدة الحكومة المصرية لمواجهة الوضع الاقتصادي الصعب وصولاً لاستئناف ضخ النفط الذي انقطع أيام التوتر بينهما. وهنا أجرى وزير الخارجية السعودي عادل الجبير اتصالاً هاتفياً بنظيره المصري سامح شكري السبت، لبحث ترتيبات زيارة الرئيس السيسي الى الرياض بدعوة من الملك السعودي.
هذه التطورات تجري بالتزامن مع زيارة يجريها السيسي لواشنطن يلتقي فيها ترامب بعد أن التقى السيسي مع مدير البنك الدولي الذي تولى إدارة شركة تملك استثمارات كبيرة في مصر إضافة للقائه مع مسؤولي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى جانب لقاءات مع أعضاء في الكونغرس ومع رجال أعمال أميركيين وممثلي شركات تعمل في مصر وشركات أخرى ترغب في الدخول إلا أنها متخوّفة من الأوضاع الداخلية المصرية.
هذه الزيارة هي الأولى من نوعها منذ سبع سنوات وقد تندرج في إطار السعي لتكوين حلف الاعتدال العربي الذي تسمّيه واشنطن. وهو الحلف الرافض للمقاومة والمتصالح مع «إسرائيل» والمحارب لطهران، كما ترغب واشنطن، رغم الخطوة التي اتخذها ترامب قبل أيام لجهة مراجعة المنح التي تحصل عليها مصر والأردن خلال الفترة الحالية من الإدارة الأميركية، إذ سيطالب السيسي حتماً ببقاء المساعدات وحتى زيادتها لمواجهة الإرهاب المتصاعد في شمال سيناء على الحدود مع «إسرائيل»، كما وصفت اجواء الرئيس المصري، وكأن الأخير يريد القول بأن المساعدات هي للحفاظ على أمن «إسرائيل» وليست لنا!!
أوساط شعبية مصرية علقت قائلة بأن ما يحصل لم يكن هو المؤمل من الرئيس المصري، فهل التنازل عن أراضٍ مصرية هو لمصلحة مصر؟ أم الخضوع لرغبات آل سعود والسير بما يشاؤون والوقوف معهم في حربهم ضد الشعب اليمني هو لمصلحة مصر؟ أم أن التنازل عن فلسطين والتماشي مع «إسرائيل» والسير مع مشاريعها ورغباتها وضرب القضية المركزية للامة العربية التي كانت مصر في ذات يوم هي من تحمل رايتها لمصلحة مصر؟ إلى أين تسير بأمّ الدنيا يا رئيسها المشير؟