وثائق دي ميستورا

حميدي العبدالله

وزع المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا على الوفود المشاركة في أعمال لقاء «جنيف 5» وثائق تسهّل على الأطراف المتحاورة ولوج باب الحوار حول ما بات يُعرف بالسلات الأربع، أيّ الحوكمة، الدستور، الانتخابات والإرهاب. على أن تتمّ مناقشات السلال الأربع في آن واحد وليس حسم سلة ثم الانتقال إلى سلة أخرى، أيّ أنّ الحوار يجب أن يتواصل في جولات متعدّدة لجنيف قد تستمرّ سنوات إلى أن يتمّ التوصل إلى اتفاق على السلال الأربع دفعة واحدة، ومن دون ذلك لن يحدث خرق، ولن يحصل اتفاق. لكن من يراجع نصوص الأوراق الأربع يتأكد أنّ ما جاء فيها مجرد عناوين عامة لقضايا يجب أن يتطرق إليها الحوار. ويمكن القول إنّ الأوراق الأربع تضمّنت مئات العناوين، الأمر الذي يستدعي نقاشاً متواصلاً لسنوات طويلة، إذا لم تذهب الأوضاع الميدانية إلى مسار آخر.

يمكن الاستنتاج، بمعزل عن موقف الأطراف من أوراق العمل، أنّ هذه المقاربة من قبل المبعوث الدولي، على الرغم من أنها ترتقي إلى مستوى الخطوة الأولى في أيّ حوار بين أطراف بينها ما بين الأطراف المنخرطة في الأزمة السورية من تباعد، إلا أنها لا تتسم بالواقعية، وهي أقرب إلى التقليد الأعمى لتجارب مفاوضات وحوارات جرت في أماكن أخرى من العالم، مثل الحوار الفيتنامي الأميركي، أثناء الحرب الأميركية على فيتنام، أو مثل المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث لم تفض لا المفاوضات حول الفيتنام، ولا المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية إلى أيّ نتائج، ولم تسفر عن تسوية سياسية للصراع.

مثلاً، هل الاتفاق على مكافحة الإرهاب ممثلاً بداعش وجبهة النصرة وتنظيمات القاعدة الأخرى ينتظر إلى أن يتمّ الاتفاق على الحكومة والدستور والانتخابات في ضوء مستوى الاختلاف بين الأطراف المعنية حول هذه المسائل؟

واضح من مجريات الحرب في سورية منذ حزيران عام 2012 عند صدور تفاهمات «جنيف 1»، أنّ هذا الأمر غير ممكن على الإطلاق.

كان ينبغي على المبعوث الدولي للأمم المتحدة وفريقه أن يأخذ بعين الاعتبار تجارب المفاوضات الفاشلة وغير المجدية في فيتنام وفلسطين، وأن يأخذ أيضاً بعين الاعتبار ظروف وخصوصية ما يجري في سورية ويقدّم تصوّراته ومقاربته لكيفية انطلاق الحوار على هذا الأساس. لكن دي ميستورا لم يفعل ذلك، والأرجح أنّ السبب لا يعود فقط إلى عجزه عن طرح صيغ إبداعية، بل أيضاً بسبب ميله للموقف الغربي الداعم لطرف واحد من أطراف الحرب على سورية.

كلّ ذلك يؤكد أنّ مسار المفاوضات والحوار حول كيفية حلّ الأزمة السورية لا زال في مرحلة الصفر ولن يقود إلى أيّ نتيجة عملية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى