المقداد لـ«البناء»: كلّما تقدّمت سورية عسكرياً وسياسياً تظهر التفجيرات الكيميائية عشرة أيام تدور حول ثلاثة خيارات: مختلط بري وقانون ميقاتي أو التمديد
كتب المحرّر السياسي
لم يكد تفجير بطرسبورج يتحوّل مصدراً للتسابق لإعلان التضامن مع روسيا ورئيسها بوجه الإرهاب، حتى ضرب الإرهاب مجدداً في مكان آخر، فكانت الغازات السامة في خان شيخون في إدلب، حيث تقول المعلومات إن تفجيراً لمصنع للغازات السامة كان وراء انتشارها والتسبّب بسقوط ضحايا ومصابين. ولكن التصريحات التي صدرت خلال دقائق من لندن وباريس وأنقرة وتل أبيب والرياض لتتهم الدولة السورية، قالت إن الأمر أكبر من تفجير كيميائي، خصوصاً مع دعوة مجلس الأمن تحت عنوان هذا الاتهام، وليس عنوان التحقيق أو اتهام التنظيمات الإرهابية التي تمتلئ التقارير الغربية بالمعلومات عن امتلاكها ترسانة كيميائية.
واشنطن التي أدانت العملية وشاركت بقبول الاتهام لسورية دعت لتحقيق وتجميع معلومات، لكنها كما تقول مصادر دبلوماسية تنبّهت لكونها أحد المستهدفين بالتفجير لإرباك موقفها الأخير الرافض للتورّط بمواصلة حرب إسقاط سورية ورئيسها، فقال البيت الأبيض إن إسقاط النظام واستهداف الرئاسة في سورية ليسا على جدول أعمال واشنطن.
نائب وزير الخارجية السورية الدكتور فيصل المقداد قال لـ«البناء»، إن المشهد واضح، فسورية تنتصر عسكرياً وتحقق المزيد من الإنجازات السياسية والعالم يتفهم منطقها وموقفها أكثر فأكثر، وبعض الدول التي تورطت بالحرب عليها بدأت تطلق إشارات جديدة لنيات بإعادة النظر في تورطها، فلا حاجة للتفكير قبل القول إن المستهدف بهذه التفجيرات هي سورية، والحالة التي تتشكّل عسكرياً وسياسياً لصالحها، بهدف الإرباك والتشويش وتغيير البوصلة، وفرملة أي تغيير في الموقف الدولي لحساب الدولة السورية والشعب السوري، وأي عاقل يستطيع أن يتساءل مَن المتضرر ومَن هو المستفيد؟ ومن الذي يشعر أنه في مأزق ويحتاج لهذا النوع من الجرائم أملاً بخلط الأوراق والتضليل؟ وكل ذلك واضح، سورية منتصرة، وهي في ذروة تقدم الإرهابيين رفضت استخدام هذا السلاح ولا تزال، وقد أنجزت بمعرفة وتوثيق واعتراف المنظمات الدولية تفكيك ما لديها من سلاح كيميائي، فكيف يمكن قبول اتهامها بعد كل ذلك؟ وها هي تحقق الإنجازات وتربك معسكر أعدائها وتحوز التأييد والتفهّم تلو التأييد والتفهم، متسائلاً أليس لافتاً كيف يتزامن مسلسل المجازر في سورية منذ مجزرة الحولة واستخدام الكيميائي في خان العسل والغوطة، أنه كلما كانت سورية تحقق الإنجازات السايسية والعسكرية يظهر التفجيرالكيميائي أو تحضر مجزرة؟
أضاف المقداد لـ«البناء» أن ذلك يذكّرنا بما كان يحدث بعد اغتيال رئيس الحكومة اللبناني الأسبق رفيق الحريري، حيث كنا نشهد عملية اغتيال جديدة عشية كل جلسة لمجلس الأمن لمناقشة تقارير المحققين، لفرض مناخ ضاغط على المجلس يتلاقى مع انطلاق جوقة الاتهام الجاهز لسورية، مع العلم المسبق لكل عاقل أن الخاسر الوحيد من هذه الاغتيالات هي سورية.
ختم المقداد أن حكومات وأنظمة تركيا والسعودية و»إسرائيل» وقطر التي ترعى الإرهاب في سورية لا تستطيع ولن تستطيع إخفاء جرائمها وجرائم الذين ترعاهم وتشغلهم، ولا طمس ما ارتكبته بحق سورية والسوريين عبر الاتهامات الفارغة التي تريد تبرئة الإرهاب من الجريمة وإلصاقها بسورية.
لبنانياً، تبدو الأيام العشرة المتبقية قبل حلول منتصف الشهر وحلول العطل فرصة أخيرة لولادة قانون الانتخاب الذي يبدو أنه صار بين قانون المختلط الذي تقدم به النائب علي بزي ويتبناه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بعدما حاز موافقة مبدئية من النائب وليد جنبلاط، والقانون النسبي على ثلاث عشرة دائرة الذي أرسلته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي للمجلس النيابي بعدما حاز موافقة مبدئية من رئيس الحكومة سعد الحريري، فيما لا يزال المشروع المركّب الذي تقدم به وزير الخارجية جبران باسيل موضع أخذ وردّ من دون أن يتبناه ويؤيده بصورة واضحة أي من الفرقاء. وفي حال استمر التعثر في التوصل لتوافق على القانون الجديد سيدخل على الخط النقاش حول تمديد ولاية المجلس النيابي لثلاثة شهور أو ستة إفساحاً في المجال لمزيد من التشاور ومنعاً للوقوع في الفراغ، والتمديد مليء بأخطار الخلاف والفراغ.
لبنان في بروكسل يطلب الأموال لا الحلول
بعيداً عن أرقام الموازنة المعلّقة على حبال الخلاف السياسي وسلسلة الرتب الرواتب المؤجلة وحزمة قوانين الانتخاب المهاجرة وتقسيماتها الإدارية والنيابية ونصاب التصويت والمهل الزمنية، ستواجه الحكومة اللبنانية اليوم المجتمع الدولي في مؤتمر بروكسل للاجئين بالأعداد الهائلة للسوريين النازحين الى لبنان الهاربين من مؤامرة الحرب الخارجية على سورية، بدعم دول غربية وإقليمية وخليجية وتواطؤ أممي. كما سيبذل رئيس الحكومة سعد الحريري كلّ جهوده لتحصيل ما توفر من مبالغ مالية لمساعدة لبنان على إعالة الهاربين من دوامة العنف في سورية، لكن هل سيطلب الحلول أم فقط الأموال؟
أما الورقة التي سيحملها لبنان إلى المؤتمر، فتتضمّن عناوين عدة: «تقديم المساعدة الإنسانية للنازحين، ودور المجتمع الدولي فيها وضرورة دعم المواطنين المحتاجين كافة، ودعم المجتمعات المضيفة للاجئين محلياً، عبر خدمات محلية كتأمين البنى التحتية».
وسيعلن الحريري بحسب ما علمت «البناء» في كلمته أمام الدول المشاركة في المؤتمر، موقفاً معبّراً وحاسماً وواضحاً حيال عجز الدولة اللبنانية عن تحمّل تبعات النزوح السوري، كما سيظهر الحجم الملقى على عاتق لبنان إزاء أزمة النازحين والتداعيات والأعباء المالية والاقتصادية التي يتحمّلها وسيطلب موقفاً دولياً لمساندة لبنان ودعمه للصمود أمام عاصفة النزوح التي يتعرّض لها، خصوصاً أن الحلول المطروحة في سورية تحتاج إلى وقتٍ طويل لتطبيقها على أرض الواقع».
لكن مصادر وزارية سابقة معنية بالملف أشارت لـ«البناء» الى أن «الملف يحتاج الى متابعة متواصلة مع المجتمع الدولي وموقف سياسي موحّد من الحكومة تجاه الدول المؤثرة وليس فقط إطلاق المواقف بهدف التجاذب السياسي». وتخوّفت المصادر من انعكاس أزمة النزوح على الوضع الأمني لا سيما أن عدد النازحين السوريين بلغ نصف عدد سكان لبنان والأخطر هو وجود عائلات الإرهابيين في مخيمات النزوح المنتشرة على الأراضي اللبنانية، حيث يقاتلون في سورية ثم ينتقلون ذهاباً وإياباً عبر الحدود الى المخيمات، وأبدت المصادر خشيتها من أن «هزيمة هؤلاء المقاتلين في سورية مقابل الجيش السوري سيؤدي الى انتقالهم الى لبنان وانتشارهم على الحدود وفي الداخل وإنشاء محميات إرهابية مع عائلاتهم».
ولفتت المصادر نفسها الى أن «الحكومة الحالية تستمر في اعتماد سياسة النأي بالنفس عن الصراع السوري التي كانت تتبعها الحكومة الماضية. فحكومة الحريري ترفض التواصل مع الحكومة السورية ولا مع فصائل المعارضة، لأنها تعتبر أيّ تواصل مع أحدهما سنستورد الحرب إلى الداخل اللبناني».
وترى المصادر بأن لا حلّ جذري لأزمة النازحين في الوقت الراهن، «إلا بعد أن يشعر المجتمع الغربي «بالسخن» تجاه تفلت الحدود البحرية اللبنانية وتسرّب أعداد كبيرة من النازحين الى السواحل الأوروبية وتحوّلهم قنابل موقوتة، الأمر الذي سيعرّض الأمن الأوروبي للخطر»، ونفت أي نية دولية لتوطين السوريين في لبنان أو إبقاءهم لفترة طويلة، «لأن الدول الغربية تدرك أن ذلك سيؤدي الى إضعاف مؤسسات لبنان الاقتصادية والسياسية والأمنية ويحوّله دولة منهارة تحتاج الى رعاية خارجية».
وتوضح المصادر الوزارية أن «البنى التحتية باتت عاجزة عن استيعاب النازحين وبالتالي بحاجة الى دعم وعلى المجتمع الدولي مساعدة لبنان لإنشاء مشاريع ونشاطات اقتصادية لتشغيل اليد العاملة السورية الفاعلة بالزراعة والإنتاج الحيواني والطاقة»، وأكدت أن «السوريين سيعودون الى بلدهم عندما يشعرون بالأمن والأمان بعد انحسار الحرب».
وفي ظل غياب أي طرحٍ لدى الحكومة لحلٍ جذري للأزمة يبدأ من التواصل مع الحكومة السورية لإيجاد مناطق آمنة على الحدود لنقل النازحين اليها على مراحل، يتساءل مراقبون عما إذا كانت الحكومة ستكرر ما قامت به الحكومة الماضية بالمطالبة بالدعم المالي فقط من دون الحلول الجذرية واستمرار رفض التنسيق مع سورية، كما تشكك في عمل المجتمع الدولي بشكلٍ جدي هذه المرة لإيجاد حل جذري أم ستبقى وعوده حبراً على ورق وأقصى ما يقوم به تأمين بعض المساعدات مقابل الحفاظ على النازحين في دولهم والحؤول دون حصول عمليات تهريب الى دول أوروبية عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية».
وفي سياق ذلك، اعتبر الوزير السابق رشيد درباس أن ليس للمجتمع الدولي أي خطط داخلية جديدة بشأن النازحين السوريين، لأن السياسة رسمت وأقرت في حزيران 2014 ومازالت سارية المفعول وخطط الإعانات الدولية للبنان أيضاً»، مشيراً لـ«البناء» أن «الذي تغيّر اليوم هو أن الظروف الدولية والإقليمية أصبحت مؤاتية لتطبيق هذه الخطط أما في السابق فكانت الحرب هي سيدة الموقف»، مضيفاً: «في السابق عندما كنّا نطالب بالمناطق الآمنة داخل سورية كان ذلك مرفوضاً من الدول الغربية أما اليوم فمع وصول الحرب إلى نهايتها بدأ زمن قطف ثمار الحرب».
النزوح نحو التمديد
وفي حين تتحضّر القوى السياسية للنزوح الى تمديدٍ ثالث للمجلس النيابي الحالي لما تزال تفاصيله مجهولة، وفي ظل غياب أي اتفاق على القانون حتى الساعة كما علمت «البناء»، عاد الجميع الى المربع التفاوضي الأول، فبعد أن جدّد حزب الله تمسكه بالنسبية الكاملة أمس الأول، أكّد عضو كتلة التغيير والإصلاح النائب ابراهيم كنعان من معراب أن «التيار الوطني الحر وحزب القوات يرفضان التمديد من دون قانون انتخاب جديد»، لكنه أشار الى أننا «نريد دراسة التمديد التقني كحزبين حين نصل إليه، ولكن من أهم الشروط المطلوبة هو إقرار قانون جديد ومن دون ذلك لا يجرّبنا أحد».
.. و«المستقبل» يرفض قانون باسيل
أما تيار المستقبل الذي يسعى الى التمديد بما أوتي من مخارج وفتاوى دستورية وقانونية، فقد حدّد موقفه أمس، بشكلٍ غير مباشر برفض صيغة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الانتخابية، وأعلنت كتلة المستقبل «رفض اقتراحات القوانين التي تكرّس المذهبية والطائفية وأصرّت الكتلة على تأمين صحة التمثيل لكل اللبنانيين والمحافظة على العيش المشترك واعتماد وحدة المعايير». وجدّدت تمسكها بـ«اتفاق الطائف الذي أجمع عليه اللبنانيون وأنهى الحرب الأهلية ووضع حداً للاقتتال».
وقال مصدر نيابي مواكب لملف قانون الانتخاب لـ«البناء» إن «أسبوعاً حاسماً باتجاه قانون جديد بحكم المهل الزمنية والمشهد ينحسر في ثلاثة خيارات، إما قانون جديد أو تمديد للمجلس الحالي أو الشغور النيابي»، ولفت الى أن «عدم التوصل الى قانون بعد انقضاء مهلة منتصف نيسان سيتجه المجلس الى التمديد لنفسه إن كان تمديداً تقنياً أو سياسياً»، وأوضح أن أحداً من المرجعيات السياسية لم يفاتح رئيس الجمهورية بموضوع التمديد، «فقبل انتهاء الأسبوعين المقبلين، لن يتبلور المشهد الانتخابي لناحية البحث بين القوى السياسية في التمديد وشكله ومدته والمخرج لذلك».
واستبعد المصدر أن «يطرح رئيس البلاد قانون الانتخاب على التصويت، لأن موضوع القانون مصيري ولا يمكن إقراره بأكثرية وأقلية، فذلك دونه تداعيات ونتائج ميثاقية وسياسية سلبية على الوضع اللبناني في ظل الظروف الحالية، بل يفضل رئيس الجمهورية التوافق على القانون».
وأكد المصدر أن «اقتراح باسيل لا يزال قيد النقاش والبحث كما النسبية الكاملة، والأمر مرتبط بالحوارات الجارية والتي تستكمل في الحكومة مع عودة رئيس الحكومة والوزراء من الجولة الأوروبية».
بري: الفراغ جدّي وأفضّل التوافق على التصويت
ونقل زوار رئيس المجلس النيابي نبيه بري عنه لـ«البناء» تخوّفه الجدي من الفراغ وعدم ارتياحه حيال مآل الأمور والتوصل الى صيغة توافقية للقانون، وأشار الزوار الى أن الرئيس بري أكد «ضرورة بحث موضوع اتخاذ إجراءات سريعة لضمان عدم الوقوع في الفراغ»، ولفتوا الى أن «بري يفضل التمديد التقني ولفترة قصيرة، لكن الأمور غير واضحة حتى الساعة»، كما نقلوا عنه رفضه لـ«التصويت على قانون الانتخاب في مجلسي الوزراء والنواب وتفضيله التوافق».
مخطّط لاستدراج الفراغ
وتخوّفت مصادر مطلعة من «خطة تقف خلفها بعض الجهات المحلية والخارجية للاستدراج المتعمّد للفراغ النيابي وتحميل رئيس الجمهورية وزر هذا الفراغ، ووضع رئاسة الجمهورية مقابل الثنائية الشيعية التي ترفض الفراغ في الرئاسة الثالثة بشكلٍ مطلق مهما كانت الأثمان».
ولفتت المصادر لـ«البناء» الى أن «الفراغ النيابي وارد وخطر جدي، رغم عدم وجوده في الدستور، فعرقلة إجراء الانتخابات عبر عدم توقيع رئيس الجمهورية مرسوم دعوة الهيئات الناخبة وعدم التمديد للمجلس الحالي، سيؤدي الى الفراغ حكماً. وهذا يشكل كارثة مميتة في ظل الظرف الإقليمي الذي ينذر بالعودة الى الحرب الأهلية».
وحذّرت من «وضع لبنان أمام خيارين اثنين، إما قانون يناسب بعض الثنائيات ويمكنها من السيطرة على المقاعد المسيحية وإما عرقلة إجراء انتخابات للوصول الى الفراغ والتفرد في الحكم، ما يؤدي الى أزمة سياسية وميثاقية جدية قد تؤدي الى اضطراب الوضع الأمني من جديد وتوتر طائفي». وأوضحت أن «فرض قوانين معلبة تفصح عن نتائج الانتخابات مسبقاً، لن تحقق التمثيل إذ لأول مرة في التاريخ يختار النواب مَن ينتخبهم بدلاً من أن يختار الناخبون النواب الذين ينتخبونهم».
وتوقعت المصادر أن يجتمع المجلس النيابي في وقت قريب ويصوّت على التمديد منعاً للفراغ بتوافق جميع المكونات، إذ لا يمكن لرئيس الجمهورية تعطيل الانتخابات»، موضحة أن «معركة القانون ستكون في المجلس النيابي وليس في مجلس الوزراء، الذي يملك الرئيس عون أكثرية الثلثين فيه لإقرار القانون، لكن الأكثرية في المجلس النيابي مرتبطة بموقف المستقبل الذي يريد التمديد وليس الانتخابات».
وتتحدّث المصادر عن اتفاق بين المستقبل والتيار الوطني الحر و«القوات» ضمن التسوية الرئاسية على التمديد للمجلس، وكل ما يجري مناورات وتضييع للوقت وإسقاط تدريجي للمهل لإيجاد المخرج المناسب للتمديد، مشددة على أن «لا قانون في الأفق ولا انتخابات، لأن الأمر مرتبط بالوضع في سورية».