«ونجا»… وثائقيّ أعدّته وأخرجته منار صبّاغ وتعرضه «الميادين»
عبير حمدان
حين نسعى إلى تدوين التاريخ في بلد يتأرجح على حافة الطائفية ويبرع أسياد الحرب فيه بتدوير الزوايا وفق مصالحهم، نجد روايات ملغومةً كثيرةً، ويصبح البحث عن الحقيقة أكثر صعوبة. ما يحثّنا على التحدّي كي نثبت لأنفسنا بالدرجة الأولى أننا نملك المقدرة على توثيق الواقع كما هو، ونمنح بالدرجة الثانية الأجيال التي لم تعرف من تاريخ وطنها إلا ما قرأته في الكتب المدرسية عن «دولة لبنان الكبير» ووهم الاستقلال ومعاركه الأسطورية.
زمن لا يستهان به يفصل بين حقبة «الاستقلال» ومرحلة الدخول في أتون الحرب الأهلية التي يرى كلّ طرف فيها أنه على حقّ، وأنه ناضل لأجل القضية، وخلال البحث عن مفهوم القضية يتم التمييع على هوية العدو الفعليّ الذي تحالف معه جزء من أبناء الوطن الواحد من دون أي شعور بالذنب. لا بل أكثر من ذلك، إذ لم يخجل مَن صافح «الإسرائيلي» وصفّق له حين اجتاح بيروت، من البطش بسيفه لتصبح بطاقة الهوية سبباً مشروعاً للذبح، ويصبح فعل التصدّي ولو بالكلمة مصدر قلقٍ للعدوّ المدعوم من دول القرار، فتعمد هذه الأخيرة إلى تجنيد عملاء الداخل ليكونوا القتلة المأجورين، ولا يرفّ لهم جفن حين يضغطون على قابس التفجير المدموغ بختم أموال المملكة العربية السعودية.
يوم الجمعة 8 آذار عام 1985، اهتزّت الأبنية المتلاصقة في ضاحية بيروت الجنوبية، وتحديداً في منطقة بئر العبد. الهدف كان اغتيال العلّامة السيد محمد حسين فضل الله، الذي كان يوصف بالمرشد الروحي لحزب الله آنذاك. فشلت عملية الاغتيال، لكن عدد الضحايا من المدنيين والمصلّين جعل من العملية البشعة مجزرة كاملة العناصر.
هذه الجريمة تستفزّ أيّ باحث على توثيقها بما فيها من خيوط، ليتم وضعها في سياقها التاريخي الصحيح، فهي بالتأكيد ليست مجرّد جريمة مرتبطة بالحرب اللبنانية، ببعدها الطائفي كما تمّ تصويرها، بل هي جزء لا يتجزّأ من الصراع بين المقاومة وأعدائها. مجزرة بئر العبد كانت الثالثة من بين أربع محاولات اغتيال تعرّض لها فضل الله.
قد يتبادر إلى أذهان من يعنيهم الأمر بشكل مباشر لناحية تمسّكهم بمبدأ المقاومة أن الإعلام الناطق بِاسمهم والساعي إلى نقل حكاياتهم وهتافاتهم قد أتى متأخّراً بعض الشيء، ولكن أن تأتي متأخراً خيرٌ من ألا تأتي أبداً. من هنا، يمكن لشعب المقاومة وجمهورها التعويل على فعالية الصوت والصورة في تظهير ما كان مغيّباً لأسباب متعدّدة، لعلّ الأبرز شعارات «التعايش» و«عدم الإساءة» إلى مملكة شُيِّدت على أسس رملية واتفاقات سرّية، وحملت راية الدين وهي منه براء.
«ونجا»، وثائقيّ أعدّته الزميلة منار صبّاغ، وأنتجته وتعرضه «الميادين» مساء الأحد المقبل. ولا يغيب عنه البعد الإنساني للمشهد في لسان أحد أهالي الضحايا. كما أنه يؤكد في مكان ما أن التاريخ يعيد نفسه ولو تبدّلت ساحات القتال، يبقى العدوّ عدوّاً، وتتطوّر أساليبه وأدواته، وينسحب هذا التطوّر على الجهات المتورّطة معه كلّها.
يبقى الوجه الأبرز في الوثائقي للسيدة التي حيكت حولها الروايات والتي بفضلها نجا السيد فضل الله من الانفجار، فقد كبرنا على حكاية حملت خلفية روحانية، حيث قيل في ذلك الحين إن هناك سيدة ظهرت قبيل الانفجار وطلبت من السيد أن يصغي إليها وبإصرار قويّ. وبعدها تناقل الناس الرواية بشكل قارب الخرافة، ومنهم من قال إنها اختفت ولم يعرفها أحد، ومنهم من اقتنع أنها «ملاك» تجسّد بهيئة بشرية لينجو السيد الذي جمع حوله الناس حبّاً بأفكاره ورؤيته وهزّ عرش الدولة العظمى من على منبره، فخطّطت على مدى سنة كاملة لعملية الاغتيال تحت ذريعة أنه المسؤول عن العمليات التي تنفّذها المقاومة ضدّ الوجود العسكري الأميركي في بيروت في تلك الحقبة التي حملت فعلياً صفة العصر «الإسرائيلي» وما يتبعه من ذيول زادت من عزيمة المقاومة وحفّزتها على التصدّي والصمود.
وبعيداً عن البعدين الإنساني والروحي، يضمّ الوثائقيّ شهادات ذات قيمة تاريخية، إذ يتحدّث للمرّة الأولى مسؤول الحماية الشخصي للراحل فضل الله، ويكشف معطيات جديدة ومن ضمنها دور الشهيد عماد مغنية في تلك المرحلة. الفيلم يكشف أيضاً محاضر تحقيق سرّية لجهاز أمن المقاومة مع المتورّطين في محاولة الاغتيال. وسيعرف المُشاهد ـ وللمرّة الأولى ـ سرّاً عن السيد فضل الله وقيادة حزب الله خلال عدوان تمّوز 2006 على لبنان.
يرافق الوثائقيّ تميّزٌ موسيقيّ من توقيع الفنان زياد بطرس، والمنتج المنفذ له شركة «Discreet»، أما الشخصيات التي ستظهر في الفيلم فهي:
أبو حسن ـ مسؤول حماية السيد فضل الله.
السيد علي فضل الله ـ نجل السيد فضل الله.
سركيس نعوم ـ كاتب سيرة السيد فضل الله ومعاصر له.
الصحافي مصطفى ناصر ـ مستشار السيد فضل الله لعشر سنوات، وسيكشف عن حادثة مهمة مرتبطة بالمجزرة.
الشيخ نعيم قاسم ـ نائب أمين عام حزب الله.
رتشارد مورفي ـ مساعد وزير الخارجية الأميركي في عهد دونالد ريغان وقت حصول المجزرة.
أحد أبناء عوائل شهداء المجزرة.
زينب الشامي ـ المرأة التي تسبّبت بتأخير السيد فضل الله يوم التفجير ما أدّى إلى نجاته.