من صلاح الدين ويوسف العظمة وإبراهيم هنانو للأكراد: لا فدرالية ولا عصبيات متنافرة بل وحدة قومية
اياد موصللي
نقرأ ونسمع ونكتب كلّ ما هو تقدير واحترام عن صلاح الدين الأيوبي. وهذا التقدير الذي امتاز به هذا القائد كان عاماً شاملاً لكلّ من عاصره في الشرق والغرب، وأصبحت قصصه رموزاً للفروسية والبطولة والمروءة.
قبره موجود في دمشق في ساحة الجامع الأموي وحديقته الخلفية صلاح الدين عندما احتلّ الافرنسيون سورية ودخلوا دمشق كان اول عمل قام به القائد الافرنسي الجنرال غورو ان زار قبر صلاح الدين وخبط بقدمه على بلاط القبر.. وصرخ: «صلاح الدين نحن هنا…» تعبيراً عن انتصار حققته فرنسا وبريطانيا حيث ذاقت جيوش هاتين الدولتين الكثير من المعاناة والقهر من جيوش صلاح الدين ومهارته في معاركه ضدّ جيوش الفرنجة والجيوش الصليبية القادمة من أوروبا لاستعادة الاراضي المقدسة التي استولوا عليها في اواخر القرن الحادي عشر والتي استعادها صلاح الدين في فلسطين ولبنان والقدس بعد ان هزمهم الهزيمة المنكرة في المعركة التاريخية في ملحمة حطين…
هذه الصفحات المجيدة التي تصدّرت تاريخنا فشعرنا بالعز والفخار وشعر الأوروبيون بنتيجتها بالذلّ والقهر.. صنعها سوري كردي من العراق.. هو صلاح الدين الأيوبي الذي لُقب بالملك الناصر… ولد في بلدة تكريت في المحافظة المسماة اليوم محافظة صلاح الدين هذا القائد وحّد مصر والشام والعراق والحجاز واليمن في دولة واحدة..
كان قائداً عسكرياً فذاً أسّس الدولة الأيوبية… نقف هنا أمام هذه الصفحات المجيدة التي سطرها في تاريخنا القائد الكردي السوري من العراق صلاح الدين الايوبي.. ونسأل أنفسنا هل يعقل انّ الذين يطالبون بالفدرالية والتقسيم هم من الأكراد؟
ونستعرض في تاريخنا الحديث أسماء براقة لأكراد قادة وأفراد أمثال: يوسف العظمة قائد الجيش الشامي ابان الاحتلال الافرنسي الذي رفض أوامر الجنرال غورو بالاستسلام وحلّ الجيش فحارب حتى سقط شهيداً في موقعة ميسلون.. وينتصب له تمثال هناك..
وبعد الاحتلال وقيام الثورة على الحكم الافرنسي يبرز أمامنا اسم ابراهيم هنانو الثائر الكبير من بلدة كفرتخاريم قضاء إدلب.. ومحمد كردعلي رئيس المجمع اللغوي العربي في دمشق.. كردي.. رئيساً للمجمع اللغوي العربي.. هذا أحد أبرز براهين وحدة الانتماء.. أديب الشيشكلي رئيس الجمهورية السورية وقائد قوات الإنقاذ في فلسطين وشقيقه صلاح الدين الشيشكلي، والشاعر الأديب القومي الاجتماعي نذير العظمة.. وأمين دياب المسؤول الحزبي في مديرية الدرباسية، ومن رؤساء الوزراء محسن البرازي وحسني البرازي.. وخالد بكداش رئيس الحزب الشيوعي بدمشق، علي بوظو نائب ثم الوزير علي ظاظا وزير الداخلية والحاكم العرفي ابان عهد الرئيس حافظ الأسد، هشام الايوبي رئيس الوزراء، عبد الباقي نظام الدين وزير الاقتصاد، توفيق نظام الدين رئيس أركان الجيش السوري وزكي نظام الدين منفذ عام القامشلي في الحزب السوري القومي الاجتماعي.. وهم من أكراد الجزيرة.. مناصب ومراكز حساسة وهامة شغلها هؤلاء ولم يخطر ببال أحد ان يسأل من هؤلاء وما هي أعراقهم..
حي ركن الدين بدمشق حي عمره من عمرها.. سكانه أكراد أقحاح، وفي ركن الدين منطقة سكانها جلهم من أصول كردية هو حي شمدين آغا.. فهل سيترك هؤلاء أهلهم في دمشق ويذهبون الى الفيدرالية الكردية ذات الأصول التركية.. ومن هو أجدر وأحق منهم بالسكن في بيوتهم.
انّ الاكراد بفعل انتمائهم القومي شخصية فاعلة في مجتمعنا ومصدر غنى وقوة واعتزاز، وكما أغنى صلاح الدين الأيوبي تاريخنا بمواقف العزّ ننتظر ان يغني أكراد اليوم التاريخ كما بالأمس واليوم وغداً.
انّ الممارسات الخاطئة لا يمكن ان تبني وطناً ولا مجتمعاً قوياً متماسكاً. اننا نربأ بالأكراد ان يكونوا «جوكر» الأحداث التي تباغت أمتنا بين الحين والحين فيتحرك بعضهم كلما رأى الأجنبي انّ له مصلحة في استخدام الورقة الكردية فيكثر من الحديث عن حقوق الإنسان وحرية تقرير المصير والفدرالية الكردية، الأمر الذي انْ صحّ ان تُطالب به تركيا فلا يصحّ إطلاقاً تعميمه على أكراد سورية والعراق.
فحقوق الإنسان إذا طالب بها كردي سوري هي نفس ما يطالب به السوري واللبناني والعراقي والعربي عموماً وهو مطلب وطني.
ولا نريد تدخلاً أجنبياً يعيد اليوم تاريخ الأمس ولا نزال نذكر معاهدة سيفر عام 1920 يوم وعد الحلفاء الأكراد بوطن في كردستان العليا عندما كانت مصلحة الحلفاء في الحرب العالمية تستدعي اجتذاب الأكراد ليحاربوا معهم ضدّ العثمانيين.
وعندما قضت مصلحة الانكليز باستمالة مصطفى كمال «اتاتورك» واسترضائه ألغت معاهدة «لوزان» 1923 ذلك الوعد ولم تشترط تلك المعاهدة ايّ معاملة مميزّة للأكراد بل تحدثت عن احترام الحريات لكلّ الأقليات…
وإذا كانت معاهدة لوزان قد اعتبرت الأكراد من الأقليات فنحن والأكراد لا نعتبرهم ولا يعتبرون أنفسهم كذلك. فهم أكثرية ان لم يكن عدداً فنوعية سياسية، ثقافية اجتماعية يملكون في أمتهم إرثاً حضارياً لأكثر الحضارات إشعاعاً للإنسانية كلها.
ولا نريد ان يحدث اليوم ما حدث بالأمس ويتصرف بعض المنحرفين تصرفاً يضرّ بهذه الأمة إرضاء لأجنبي على حساب وحدة الأرض والشعب.
ونقول للأكراد الذين قدموا من تركيا وأقاموا في الجزيرة وبعض الأرياف والمحافظات السورية هرباً من الظلم والعسف التركي واستقرّوا في بلاد الشام التي ضمّتهم إلى صدرها وقبلتهم من ثغرها وردّت عنهم بزنودها.. لا تطعنوها غدراً وظلماً وان ساءكم البقاء فيها وشدّكم الحنين الى ما كنتم فيه فعودوا الى تركيا كما جئتم منها، ففي سورية كلها وبلاد الشام أساسها لا يوجد عنصر عرقي كردي بل سوريون أكراد أعطوا لبلادهم بسخاء وكانوا نسجاً أساسياً في الوحدة القومية حيث تضمحلّ العصبيات المتنافرة وتنشأ الوحدة القومية الصحيحة التي تتكفل بإنهاض الأمة.. والأكراد هكذا كانوا وهكذا عرفناهم..
يكفي ان ينتصب في ميسلون تمثال لبطل سوري استشهد في سبيل حرية وطنه ووحدته وهو يوسف العظمة الكردي السوري ليعرف الأكراد أنهم سيفنا وترسنا.