هنا دمشق… لن تمرّوا! صواريخ ترامب واحتفالات الذئاب!
نصار إبراهيم
العدوان الأميركي السافر على مطار الشعيرات في سورية فجر الجمعة 7 نيسان 2017 هو إعلان بالنار عن طبيعة الحلف الذي تواجهه سورية ويواجهه الشعب السوري… هذا العدوان يكشف وبحركة واحدة جوهر وأهداف وأطراف الحرب الدائرة في سورية منذ ست سنوات.. يكشف وفي لحظة واحدة مَن هو العقل والقائد الذي يدير ويوجّه هذه الحرب…
على إيقاع العدوان الأميركي المحسوب على مقاس غطرسة ترامب بدأ فوراً حلف الإرهاب العالمي على سورية بتنظيم رقصات الفرح: «إسرائيل» – تركيا آل سعود وقطر وعربان الخليج فرنسا بريطانيا وأمامهم داعش وجبهة النصرة وكل حثالات الإرهاب في سورية العروبة.
وأنا أتابع كلمات أعضاء مجلس الأمن في 5 نيسان 2017 حول جريمة الكيماوي المروّعة في خان شيخون… شعرت وكأنني أمام قطيع من الذئاب المسعورة التي كانت تنهش الفريسة وهي حية بلذة ومتعة، ولكنها مع ذلك كانت تبكي وتذرف الدموع… كان دمنا البريء مجرد أداة تافهة في أفواه سادة القتل…
استمعت إلى مندوب فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة… كان أمراً يثير الغثيان.. أن يقف هؤلاء ليتاجروا بدمنا… فبعد أن أوغلوا في دم الضحية نصبوا خيمة عزاء وراحوا يندبون براءة… هم ذاتهم من يستبيح دمنا في فلسطين واليمن.. هم ذاتهم مَن دمّر العراق وقتلوا أكثر من مليون عراقي.. هم ذاتهم مَن قتل أكثر من مليون ونصف جزائري… يكذبون ويكذبون ويكذبون.. ويبكون بصفاقة «عاهرة»…
جاءوا إلى مجلس الأمن بقرار جاهز في الموقف والممارسة… ولكن للحقيقة ما كانوا ليقوموا بتمثيل هذا المشهد المسرحي الهابط لولا أدوات رخيصة وسافلة تقدم لهم أجساد أطفالنا المتشنجة لتكون مجرد وسيلة إيضاح لإنسانية ذبحوها ويذبحونها كل يوم من الوريد إلى الوريد… لقد كلمات مندوبي فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة في مجلس الأمن عملية اغتصاب شاملة للوعي والفضاء فجعلوا من جريمة خان شيخون ليمارسوا على وقع أهوالها «إنسانيتهم» السادية…
ما جرى في «مسرحية» خان شيخون الدامية والمؤلمة والعدوان الأميركي على مطار الشعيرات هو السيناريو ذاته الذي جرى قبل سنوات في العراق حين تداعت الذئاب المسعورة ذاتها تحت كذبة أسلحة الدمار الشامل لتدمر العراق وتقتل وتشرد وتيتم الملايين..
بالطريقة الفاضحة ذاتها وقفت مندوبة الولايات المتحدة بالأمس وهي تعرض صور ضحايا خان شيخون بحركة تمثيلية مدروسة بعناية تذكّرنا بحركة كولن باول وهو يُمسك بأنبوب اختبار ويلوّح به في مجلس الأمن كدليل قاطع على أسلحة الدمار الشامل في العرقز وقتها كان كولن باول يرتعش من الأهوال التي سيعيشها العالم إذا لم يتم غزو العراق…
ثم سريعاً انكشفت كذبة أسلحة الدمار الشامل واختفى أنبوب اختبار كولن باول… وبكل ما يتصف به القاتل من نذالة وخسة وقف ليعترف أنه قد تعرّض للخديعة من قبل وكالة الاستخبارات الأميركية… هذا الاعتذار وهذا الاعتراف لا يقدمان ولا يؤخران شيئاً، فقد نفّذت الجريمة وانتهى الأمر بتدمير العراق وإبادة العراقيين، كما حصل في ملجأ العامرية في بغداد وكما حصل في الفلوجة وغيرها… الخسة والنذالة ذاتهما كرّرها التاجر توني بلير حين اعترف بعد سنوات أنه خدع أيضاً… يا سلام… مليون شهيد عراقي لأن حضراتهم في البيت الأبيض ولندن وباريس.. قاموا بفرض كذبتهم على العالم… لقد أصبح الأمر أشبه بلعبة قذرة وسافلة.. اتهام كاذب وتصنيع رواية.. ثم قتل وتدمير وذبح وبعدها يقولون.. أخطأنا.. ألم نتعلّم الدرس!؟
اليوم الرواية ذاتها والممثلون الاستعماريون ذاتهم.. يبكون على أطفال سورية.. هم ذاتهم مَن يسلّح ويتدخّل ويدمّر ويقتل ويدعم مجاميع القتلة باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان… يهيئون مسرح الجريمة كاملاً ثم يتهمون الجيش السوري ثم يتقدّم الكابوي ليطلق النار…
تبكي مندوبة الولايات المتحدة وترفع الصور، وكأنها لا تنام الليل من هول ما يتعرّض له أطفال سورية فيما طائراتها قبل أيام تبيد مئات المدنيين في سورية وتدمّر الجسور والبنى التحتية… يتباكى مندوب بريطانيا ومندوب فرنسا وهم ذاتهم من يسلّح ويحتضن أكلة القلوب وحارقي البشر وذابحي الأطفال والرجال… كلّ ذلك ويريدوننا أن نصدّق بأنهم يعملون ليل نهار هم وآل سعود وقطر وتركيا من أجل حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية في سورية..
هم ذاتهم الذين يستميتون في تغطية حروب «إسرائيل» ومجازرها بحق شعب فلسطين منذ مئة عام، تحت عنوان «حق إسرائيل في الدفاع عن النفس».. فيما يصفون شعب وأطفال فلسطين «بالقتلة والإرهابيين»… هم ذاتهم الذين يدمّرون ويرتكبون منذ سنتين كل يوم مجزرة في اليمن… ومع ذلك لا نرى مندوبة الولايات المتحدة ترفع صور أطفال اليمن أو أطفال غزة وتبكي… بينما تقف لنصف دقيقة وهي تعرض كبائعة محترفة ضحايا الكيماوي في خان شيخون…
إنّهم لا يأبهون ولا يستمعون ولا يحترمون الحد الأدنى من الوعي… فما دام الهدف هو تدمير وتمزيق سورية وإخضاعها إذن فكل شيء مباح بما في ذلك حماية الإرهابيين أي تلك المطية التي ستحملهم إلى دمشق…
لا أحد يقف ليفكر لثانية كيف للدولة السورية التي تخلت قبل أربع سنوات تقريباً عن آلاف الأطنان من الكيماوي أن تقدّم وبكل بخفّة، وعلى وطبق من ذهب، فرصة لإطلاق العنان للذئاب المسعورة!؟ لماذا تقوم سورية بمثل هذه الحركة الغبية وهي عسكرياً في حالة تقدّم وسياسياً في حالة تفكيك لتحالفات العدوان من حولها؟
لا أحد يفكر لماذا لم يستخدم الجيش السوري تلك القذائف حين كان ستة آلاف إرهابي يزحفون نحو دمشق قبل أسابيع، وعشرة آلاف يجتاحون أرياف حماة.. ومع ذلك تراجع الجيش السوري ولم يستخدم الكيماوي المزعوم… لكنه و«بغباء» يقوم باستخدام بعض القذائف بعد أن صدّ تلك الهجمات وأصبح في موقع المبادرة الهجومية!؟
لقد أصبحت اللعبة مكشوفة وسمجة وسخيفة… لكنها لعبة باهظة الثمن.. آلاف الشهداء… والهدف هو تدمير الدولة السورية وتمزيق سورية وإخضاع الشعب السوري وجلبه للحظيرة… وفي سبيل ذلك لا يتردّد القتلة في ارتكاب وفبركة المجازر المروعة.
هذه اللعبة ذات تجري الآن في سورية أحياناً باسم الكيماوي وأحياناً باسم حقوق الإنسان وحماية المدنيين.. وقبلها جرت في العراق باسم أسلحة الدمار الشامل، وبعدها في ليبيا لمواجهة الديكتاتور وتجري الآن في اليمن باسم الدفاع عن شرعية الأبله عبد ربه منصور هادي… وتجري منذ عقود في فلسطين باسم «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها» في مواجهة الشعب الفلسطيني.
الآن تتقدم الولايات المتحدة وتقود حلف الإرهاب العالمي علناً وبوضوح… وذلك رداً على انهيار الأوهام بإمكانية هزيمة سورية وحلفائها… بل وكنوع من محاولة لوقف انهيار عصابات ومجاميع الإرهاب وايضاً لشدّ عصب الدول التي تدعم الإرهابيين التي راحت تهتزّ وتتداعى تحت وقع صمود سورية والضربات الساحقة التي توجهها للمجموعات الإرهابية وتبيدهم بالآلاف…
لقد قامت الولايات المتحدة بعدوانها، وبطريقة مسرحية، في محاولة منها لمنع الانهيار والتعويض عن الهزائم المتلاحقة لحلف العدوان على سورية… فرقص الصغار من حولها فرحاً… ولكن… لننتظر… وسنرى… إذ سيضحك كثيراً من يضحك أخيراً…
هنا دمشق… لن تمرّوا!