روسيا وإيران وسورية وحزب الله لقواعد مواجهة مختلفة مع الأميركيين: قواتكم احتلال تخطّيتم الخط الأحمر سنردّ بقوة نتابعكم بدقة
كتب المحرّر السياسي
رسم البيان الصادر عن غرفة العمليات المشتركة التي تضمّ سورية وروسيا وإيران وحزب الله، للمرة الثانية بعد بيان الحسم العسكري في حلب، في بيان جديد قواعد جديدة للمواجهة، بعد العدوان الأميركي، يبدو واضحاً أنه جاء ثمرة تشاور مكثّف وشامل على مستوى القيادات السياسية والعسكرية، جرى خلاله درس الموقف وتقدير الأخطار، وحساب الاحتمالات والسيناريوات المتوقعة، ليأتي البيان معلناً ما يشبه النفير العام، في حالة حرب مفتوحة، يضع فيها معايير جديدة، يكون فيها للمرة الأولى الوجود الأميركي ضمن القراءة الروسية، ومثله التحرّكات الأميركية في سورية، خارج نطاق أيّ شرعية، وتعامَل كقوات احتلال، وتحذير من مغبّة أيّ عبث أميركي أو لـ«أيّ كان». والواضح أنّ هذا يستهدف الأتراك و«الإسرائيليين» بصورة خاصة. وهما للمرة الأولى أيضاً يتمّ وضعها بصفة «أيّ كان»، في دائرة التحذير من خرق السيادة السورية. والتحذير مرفَق بتهديد بالردّ بقوة على كلّ انتهاك، وعدوان وخرق للخطوط الحمراء، وتذكير بالمقدّرات التي يعرفها المعنيون، وبالتتبّع والمراقبة بدقة.
ما قبل البيان ليس كما بعده، هكذا تقول روسيا وإيران وسورية وحزب الله، بينما أميركا أرادت أن تقول إنّ ما قبل عدوانها ليس كما بعده، وبين المعادلتين سترتسم صورة شرق أوسط جديد سَعَت كلّ من واشنطن وموسكو، قبل حماقة العدوان الأميركي الأخير، إلى رسم صورته من دون التورّط بمخاطر التصادم السياسي والعسكري.
تشبه الضربة الأميركية الغارة «الإسرائيلية» قبل عامين على منطقة القنيطرة، رداً على خطاب للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن قواعد الاشتباك الجديدة، وما رافقها مع استشهاد أحد القيادات الميدانية للمقاومة في سورية الشهيد جهاد مغنية، من كلام «إسرائيل» عن خط أحمر أمام المقاومة في الجولان السوري، ليأتي ردّ المقاومة في عملية نوعية في مزارع شبعا، ترتّب عليها إعلان «إسرائيلي» عن تقبّل القواعد الجديدة وعدم الذهاب لاختبارات القوة.
قرار روسيا برسم القواعد الجديدة توضحه البيانات الصادرة عن وزارة الدفاع الروسية بتسليم سورية شبكات صواريخ مضادّة للصواريخ والطائرات تمكّنها من التصدّي لكلّ عدوان على أراضيها وانتهاك أجوائها وسيادتها. وهذا سيعني موازين جديدة بوجه «إسرائيل» وتركيا، كما يعني مواصلة تدحرج المواجهات والانتصارات على المساحة السورية بوجه الجماعات المسلّحة التي تقودها جبهة النصرة، بينما يفتح الباب لسقوط طائرات أميركية تحلق في الأجواء السورية، يضع واشنطن بين خيارَيْ الذهاب للحرب الشاملة أو قبول المعادلات الجديدة والعودة من موقع الضعف إلى دقّ أبواب موسكو. وهذا يبدو ما أرادت موسكو أن يكون في حسابات وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون الذاهب إلى موسكو بعد غد، مثقلاً بخيبات الأمل.
لبنانياً، شكّلت تطوّرات مخيم عين الحلوة عسكرياً عنوان أحداث اليومين الماضيين، وصولاً لقرار الحسم العسكري الذي اتخذته قيادة حركة فتح لإنهاء المربع الأمني لجماعة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة في المخيم، بينما وضعت وحدات الجيش اللبناني والقوى الأمنية في حال جهوزية تحسّباً لأيّ طارئ في مناطق الجوار. وليلاً كانت الجماعات التابعة لبلال بدر قد خسرت الكثير من مواقعها وخسرت تغطية عصبة الأنصار وجماعة الشيخ جمال خطاب، اللتين انضمّتا إلى المطالبين بتسليم بدر وجماعته لأنفسهم، بينما يجري التداول بصيغة التواري لبدر وعدد من رموز جماعته، تسليماً بالهزيمة وبحثاً عن بديل للمخيم، ربما يكون بالتوجه نحو سورية للانضمام إلى جبهة النصرة هناك، وسط تساؤلات عن كيف يتمّ التواري؟ وهل سيكون بصفقة تغاضٍ أم بنجاح في الهروب، أم بتأمين الانتقال؟
على ضفة قانون الانتخاب يبدأ اليوم مجلس الوزراء بحث الأفكار التي يجب أن يتأسّس عليها قانون جديد للانتخابات، وفقاً لتعهّد رئيس الحكومة سعد الحريري أمام مجلس النواب، بينما أُشبعت الصيغ درساً بالنسبة لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي واكب مناقشات لمشاريع وزير الخارجية جبران باسيل، والتقى بحضوره وفداً رفيعاً من حزب الله ليل أمس، ضمّ نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد والمستشار السياسي للأمين العام الحاج حسين خليل ورئيس وحدة الارتباط والتنسيق الحاج وفيق صفا، وتمّت مناقشة خيارات المشاريع المتداولة، وفرضيات الفراغ والتمديد. وعلمت «البناء» أنّ توافقاً تمّ على بذل كلّ الممكن لتفادي الفراغ وتفادي تمديد تقني لا يسبقه إقرار قانون جديد، وعدم التمسك بالمشاريع التي جرى تداولها كأساس للبحث عن هذا القانون مع توافق على اعتبار النسبية بنداً حاكماً لكلّ قانون جديد.
هدوء حذر في عين الحلوة وبدر إلى الإقامة الجبرية
طغت حماوة الاشتباكات التي ارتفعت وتيرتها يوم أمس، في مخيم عين الحلوة على حماوة المشهد الانتخابي، مع تحوّل محور الطيرة جبل الحليب ساحة حرب حقيقية استخدمت فيها أنواع الأسلحة كافة لا سيما قذائف الهاون والـ «آر بي جي» التي أصابت بعضها أطراف المخيم وجواره، ما يطرح تساؤلات عن كيفية وصول هذه الأسلحة لمجموعة الإرهابي بلال بدر ومَن هي الجهات التي نقلتها الى المخيم؟
وما بين المهل الدستورية المتعلقة بالاستحقاق النيابي والمهلة التي أعطتها القوة الأمنية المشتركة في المخيم للإرهابي بدر ومجموعته لتسليم أنفسهم قبل وقف إطلاق النار، يزداد المشهد الأمني والسياسي في لبنان غموضاً. فهل هناك قرار خارجي بتفجير أمني في الداخل ونقل المعركة من عين الحلوة إلى بوابة الجنوب، كما هدّد بدر في ظل دخول البلاد في أزمة سياسية في حال وقوع الفراغ التشريعي مع عجز القوى السياسية عن التوصل لقانون جديد؟
وبعد معارك متواصلة دامت ثلاثة أيام، تمكنت القوة الأمنية المشتركة وقوات حركة فتح من احتواء الموقف الذي أنتجه سلوك بدر ومجموعته واستعادت 40 في المئة من المساحة التي سيطر عليها، وتم تعزيز القوة الفلسطينية المشتركة بعناصر من خارج المخيم ما رجّح الكفة لصالح فتح التي وجّهت رسالة قوية لبدر، بأنه لا يستطيع الصمود أمام تقدم القوة المشتركة. ولهذا السبب يبدو أن قراراً اتخذ على أعلى المستويات في فتح بحسم الوضع في المخيم ولن تقبل الحركة، بحسب ما قالت مصادرها لـ«البناء» بسحب الملف الأمني في المخيم من يدها وأن قرار الحسم وضع على طريق التنفيذ.
وأظهرت التطورات الميدانية وسياق المعارك في المخيم مساء أمس، أن هناك تصميماً فتحاوياً بالتنفيذ الفعلي لقرار الحسم التي اتخذته القيادة العليا. الأمر الذي أدركه بدر ومَن يدعمه في المخيم وتحسّس خطورة الموقف وبدأ يطلق التهديدات بنقل المعركة إلى خارج المخيم للتغطية على خضوعه لشروط فتح ما يعكس حالة التخبّط والإرباك التي أصابته.
وعقب انتهاء مهلة الست ساعات، التي أعطتها القيادة السياسية الفلسطينية الموحّدة، في اجتماعها أمس، كي يسلّم بدر ومجموعته أنفسهم للقوة المشتركة، أفضت المفاوضات بوساطة الشباب المسلم التي كانت تتواصل مع بدر والقوة المشتركة ولجنة الفصائل الإسلامية، الى النقاط التالية: قبول بدر انتشار القوة المشتركة في شوارع حي الطيرة كلّها.
– لا مانع عند بدر من مشاركة أيّ عنصر من الفصائل، بعدما كان مشترطاً الانتشار في نقطة محدّدة، بمشاركة عناصر من حماس وأنصار الله والعصبة.
– رفض بدر تسليم نفسه وجماعته رفضاً قاطعاً، واعداً بأنه سينسحب ويتوارى عن الأنظار.
وبحسب ما علمت «البناء» فإن نتيجة المفاوضات أفضت الى وقف إطلاق النار، بناءً على طرح القيادة الفلسطينية العليا وفرض انسحاب المسلحين الى خارج الطيرة ووضعهم تحت تصرّف القوى الإسلامية واستكمال انتشار القوة المشتركة في حي الطيرة من دون فيتو من أحد، وأن بدر لا يزال في الطيرة بانتظار تنفيذ بنود الاتفاق كي ينسحب الى منطقة أخرى خاضعة لسيطرة القوى الإسلامية.
كما علمت «البناء» أن الارهابي المطلوب شادي المولوي انتقل من حي الطوارئ الى الطيرة للمشاركة في الاشتباكات الى جانب بدر.
وبحسب مصادر لـ«البناء» من داخل المخيم، فإن فتح طالبت بتسليم بدر وإعلان إنهاء حالته بمربعه الأمني وتسليم مطلقي النار على القوة المشتركة الى القوة وإذا تعذّر ذلك يبقى مطلوباً ومتوارياً عن الأنظار.
وبعد اجتماع جرى بين الشباب المسلم والقوى والفصائل التي تضمّ حماس والجهاد وحزب التحرير وعصبة الأنصار، أكد الشباب المسلم للفصائل أن بدر وافق على انتشار القوى المشتركة بمكاتب الصاعقة وأنه سيتوارى عن الأنظار، لكنه لن يسلّم نفسه ولن يقوم بعمل عكسري ضد أي جهة، ورفعت الفصائل المبادرة الى القيادة السياسية العليا، خصوصاً فتح التي وعدت بدرس المبادرة، لكن بقيت موضع انقسام داخل فتح، حتى وقت متأخر من ليل أمس، فجهة تؤيد المبادرة وترى بأن استمرار القتال عبث وتدمير وتهجير المخيم وهذا موقف القوى والفصائل الفلسطينية التي تخوّفت من أن يؤدي استمرار القتال الى دخول أطراف أخرى على الخطّ وإشعال كامل محاور المخيم، وجهة ثانية تريد استمرار المعركة حتى تسليم بدر ومجموعته أنفسهم. الأمر الذي أدى الى تجدّد الاشتباكات بعد الهدنة.
وتوقعت المصادر أن توافق فتح على المبادرة وستحاول حتى الفجر أن تحقق تقدّماً ميدانياً وتسيطر على مناطق جديدة قبل إعلانها الموافقة على المبادرة ووقف إطلاق النار. واستمر سقوط القذائف والرشقات النارية حتى منتصف ليل أمس.
واستبعدت مصادر أمنية لبنانية أن «تؤدي المفاوضات الى ممر لانسحاب بدر ومجموعته الى منطقة خارج المخيم، كما حصل مع أمير تنظيم فتح الإسلام شاكر العبسي في نهر البارد»، متخوفة أن «تلجأ بعض الخلايا الارهابية الى عمليات أمنية خارج المخيم»، لكنها أوضحت لـ«البناء» أن هذه العمليات إن حصلت لن تغيّر في الواقع العسكري.
وفي حين ارتفع عدد الضحايا خلال الاشتباكات الى 6 قتلى وثلاثين جريحاً، استبعدت مصادر أمنية أن تتطور الاشتباكات الى خارج المخيم. وشدّدت لـ«البناء» على أن وظيفة الجيش اللبناني خارج المخيم بمنع أي محاولة لنقل المعركة الى مناطق الجوار ويترك الأمر للقوى الفلسطينية.
وأوضحت أن «اندلاع الاشتباكات تأتي نتيجة قرار تفجير الوضع في لبنان بأمر من داعش في إطار المخطط القديم الجديد لتفجير المخيم والسيطرة عليه وكفّ يد فتح والتمدد الى خارج المخيم وقطع طريق الجنوب». موضحة أن «الهجوم المباغت الذي شنته فتح والقوة المشتركة جاء بعد ضغوط من الجهات اللبنانية الرسمية وضعتهم أمام مسؤولياتهم، لذلك كان التحرك».
وشدّد قائد الجيش العماد جوزف عون خلال تفقده الوحدات العسكرية المنتشرة في جرود عرسال ولقائه الضباط والعسكريين على «مواصلة ضرب تجمّعاتهم وأوكارهم، والتصدّي الفوري بمختلف أنواع الأسلحة لأي نشاط أو تحرّك يقومون به»، لافتاً إلى «تلازم مهمة الدفاع عن الحدود الشرقية في مواجهة التنظيمات الإرهابية مع مهمة الدفاع عن الحدود الجنوبية في مواجهة العدو الإسرائيلي، لأنهما ينعكسان مباشرة على مهمة حفظ الأمن في الداخل»، وأشار إلى أن «احتدام الأزمات الإقليمية بفعل صراع الإرادات وتشابك المصالح الدولية فوق أرض المنطقة، يحتّم على الجيش البقاء في أعلى درجات الجهوزية»، مؤكداً أن «أولوية الجيش في هذه المرحلة الدقيقة هي حماية الاستقرار الوطني، وسيتصدّى بكل حزم لأي إخلال بالأمن». وأشار إلى أن «الوضع على الحدود تحت السيطرة الكاملة للجيش».
جلسة انتخابية للحكومة
وعلى وقع انفجار الوضع الأمني في عين الحلوة، ينعقد مجلس الوزراء اليوم في جلسة عادية مخصصة لمناقشة قانون الانتخاب، وإذ من المفترض أن يبدأ مجلس الوزراء بمناقشة مشروع انتخابي أعدّته وزارة الداخلية، فإن أي قانون لم يُقدَّم من الوزير نهاد للمشنوق ولذلك فإن الاتجاه في جلسة اليوم البدء بمناقشة مشروع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
وأوضح وزير البيئة طارق الخطيب لـ«البناء» أن «الجلسة ستبحث قانون الانتخاب، لكن لم يُوزّع جدول أعمال يتضمّن أي مشاريع قوانين ستُبحث، لكن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سيحثّ خلال الجلسة مجلس الوزراء على إقرار قانون جديد وإحالته إلى المجلس النيابي». وأشار الخطيب الى أن وزارة الداخلية يجب أن تُعدّ مشروع قانون وتقدّمه لمجلس الوزراء، لكن في حال كان لديها اي مشروع قانون ستقدمه الينا، لكننا لم نتبلغ ذلك حتى الآن».
وشدد الخطيب على أن «الرئيس عون حريص على أن تقر الحكومة قانوناً جديداً، وهو يؤيد كل الوسائل التي تسهل ذلك، كما أن جميع الصيغ والاقتراحات التي تؤدي الى صحة التمثيل قابلة للنقاش»، ولفت الى أن «النسبية الكاملة أصبحت في المبدأ أساسية في أي قانون، لكن النقاش في جلسات الحكومة سيدور حول تقسيمات الدوائر، وربما يطرح قانون ميقاتي على الطاولة لكونه أقرّ في السابق، ما يسهل الاتفاق عليه وإقراره في الحكومة»، ورجح الخطيب أن تتمكن الحكومة بعد جلسات عدة من إقرار القانون الجديد.
وتوقعت مصادر وزارية أن يُعقد المجلس النيابي جلسة الخميس المقبل للتمديد للمجلس الحالي، لكنها أكدت لـ«البناء» أن «رئيس الجمهورية ليس بصدد الموافقة على التمديد، إلا إذا اقترن بإقرار قانون جديد وبالتالي سيمارس حقه الدستوري في ردّ القانون الى المجلس النيابي».
وعقد لقاء أمس في بعبدا بين الرئيس عون ووفد من حزب الله ضمّ نائب الأمين العالم للحزب الشيخ نعيم قاسم والمعاون السياسي للأمين العام للحزب حسين الخليل ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد ومسؤول وحدة التنسيق والارتباط وفيق صفا بحضور الوزير جبران باسيل.
وعلمت «البناء» أن «اللقاء عُقد بعيداً عن الإعلام ودام نحو نصف ساعة وشكّل قانون الانتخاب محور البحث الأساسي وقدّم الوفد لرئيس الجمهورية ملاحظاته على صيغة التي قدّمها الوزير باسيل في ما يتعلق بالصوت المقيّد بالقضاء وتقسيمات الدوائر التي يعتبرها حزب الله مجحفة بحق بعض القوى، لا سيما رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، وفي ما خصّ الانتخاب الطائفي وفق الأكثري».
وعُلِم أن الاتجاه نحو إقرار قانون انتخابي يُقسِم لبنان الى دوائر متوسطة على أساس النسبية، بما يعني اعتماد مشروع حكومة ميقاتي القائم على تقسيم لبنان الى 13 دائرة على أساس النسبية معدلاً. ورجحت مصادر الذهاب الى قانون يقسم لبنان 15 دائرة.