انفراج جزئي… ومخارج متّفق عليها وقانون انتخاب قيدَ التوافق
هتاف دهام
شكّل يوم أمس الأربعاء يوماً «انتخابياً» طويلاً. سبقه يومُ جمود انتخابي غلب عليه طابع الحركة بلا بركة. حيث احتار مَن شارك من الوزراء في اجتماع اللجنة الوزارية بالطابع الشكلي للجلسة التي تضمّنت دردشات وحكايا و»نكات» بعيدة عن قانون الانتخاب. أشّر ذلك من ناحية إلى عمق العقبات التي حالت دون الوصول لقانون انتخابي توافقي، ومن ناحية أخرى إلى أنّ المداولات الفعلية حول قانون الانتخاب كانت تجري خارج اللجنة الوزارية المعنية.
يوم أمس، انشغلت القوى السياسية جميعها بجلسة التمديد التي دعا إليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري. «الأستاذ» أبلغ زوّاره حرصه على العهد أكثر من بعض أهل العهد أنفسهم، خصوصاً أنّ ما يجري إساءة من هذا البعض للعهد قبل أيّ أحد آخر. وفي الوقت نفسه، توقفت المشاورات الرباعية التي جرت مساء الاثنين نتيجة مسألتين لم يتمكن أعضاؤها من تجاوزهما وبقيتا عالقتين:
النقطة الأولى تتعلق بالاختلاف بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل على عدد مَن يُفترض أن يتأهّلوا في المرحلة الأولى من الاقتراع الطائفي الأكثري على مستوى القضاء، حيث تمسك التيار البرتقالي بأول مرشحين فيما أصرّ التيار الأزرق على أول ثلاثة.
النقطة الثانية التي فاجأت الجميع ترتبط بانتقال وزير الخارجية جبران باسيل للمطالبة بالاتفاق على تشكيل مجلس شيوخ على أن يكون تشكيله جزءاً من التفاهم الشامل، لكن على قاعدة التفاهم على رئاسته، وصلاحيته، وتوفير الضمانات اللاحقة للاتفاق على تشكيله.
خيار التمديد كان محبوكاً جداً في عين التينة. ذهب إليه الرئيس بري واثقاً من نفسه ومن الكتل المؤيدة لهذا التمديد. ضمن موافقة حزب الله، الأحزاب المنضوية تحت اسم 8 آذار، النائب ميشال المر، تيار المستقبل، وضمن حضور حزب الطاشناق، رغم معارضته التمديد. وضَمَن بري توفر النصاب القانوني لعقد الجلسة، وتوفّر نصاب القوى المؤيدة لاقتراح التمديد، ومشاركة مسيحية واسعة توفر له الغطاء ميثاقياً.
كان لتاريخ 13 نيسان عند رئيس البرلمان حساباته الخاصة. حسابات زانها بميزان من ذهب. أخذ بحسبانه إقرار المجلس النيابي اقتراح التمديد تحت عنوان معجّل مكرّر وإحالته إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وردّه خلال فترة 5 أيام. وأخذ أيضاً احتمال أن يقدم الرئيس العماد على استخدام صلاحياته الدستورية في تعطيل أعمال المجلس النيابي مدة شهر وفق المادة 59 من الدستور. مما يعني أنّ المهلة المتبقية لرئيس المجلس لإعادة تأكيد القانون هي المهلة الممتدة من 20 أيار إلى 31 منه، وهي الأيام العشرة التي يحتاجها لمواجهة أيّ طارئ ولإقرار قانون التمديد.
اللعبة انقلبت. وجد رئيس التيار البرتقالي ورئيس حزب القوات سمير جعجع نفسيهما في زاوية ضيقة، عنوانها سير القوى الأخرى بالتمديد كخيار أمر واقع.
تردّدت أصداء التمديد على صورة انفجارات كبيرة في أوساط معراب والرابية اللتين رفعتا من سقف خطابهما السياسي، وهدّدتا باستخدام الأدوات الدستورية والشعبية والديمقراطية كلها.
ذهبت القوات بعيداً الى حدّ القول بالتهديد بقطع الطرقات على النواب لمنعهم من الوصول إلى البرلمان وعقد الهيئة العامة.
في هذه الأثناء نشطت الاتصالات بعد ظهر أمس الاربعاء عقب لقاء عين التينة على كلّ مستوى. تولى رئيس الحكومة سعد الحريري جانباً أساسياً ومهمّاً منها. جرت اتصالات مع حزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي والتيارالوطني الحر والرئيس بري والقوى المعنية كلها.
الحركة حصلت على خطين متوازيين:
الخط الأول يدفع باتجاه أن يصدر رئيس الجمهورية رسالة يستخدم فيها صلاحياته الدستورية بتعطيل المجلس لمدة شهر منذ يوم أمس، وقبل انعقاد الجلسة على أن يكون هذا الأمر بالتوافق مع القوى السياسية. وهذا ما حصل فنال موافقة الرئيسين بري والحريري وحزب الله.
الخط الثاني يتعلّق بالاجتماعات المكثفة التي حصلت بين الوزير باسيل ومدير مكتب الرئيس الحريري نادر الحريري لمعالجة النقاط التي كانت لا تزال عالقة بينهما، في ما يتعلق بقانون الانتخاب. هنا دخل «الاشتراكي» على الخط بهدف إدخال تعديلات يراها «بك» المختارة ضرورية له.
كان ثمّة رهان على تذليل هذه العقد، لأنه في حال تحقق هذا كانت رسالة الرئيس بحكم المؤجّلة، وتُعقد الجلسة العامة اليوم ويقرّ القانون الذي يتمّ الاتفاق عليه ويتمّ التمديد تقنياً في ظلّ توافق وطني، إلا أنّ استمرار الاجتماعات من دون أن تلوح في الأفق إمكانية الوصول سريعاً إلى النتيجة المرتجاة، دفع الرئيس عون إلى إصدار رسالته قرابة الساعة الثامنة والنصف مساء. علماً أنّ رئيس الجمهورية تفرّد مجدّداً باستخدام المادة 59 للمرة الأولى في تاريخ لبنان منذ العام 1929 لتجنيبه مأزقاً قد ينزلق بالبلد إلى هاوية طائفية تكرّر مأساة 13 نيسان 1975 بـ 13 نيسان 2017!
وفي حين استمرّت المشاورات الثنائية والثلاثية والرباعية بهدف تذليل العقد القائمة، لم يكتف الرئيس بري بتأجيل الجلسة، إنما لجأ بخطوة شديدة الرمزية إلى تحديد موعد جديد لها في 15 أيار المقبل. موعد أراد من خلاله تأكيد أنه إذا لم يتمّ الاتفاق على قانون انتخابي خلال الفترة الفاصلة عن تاريخ الجلسة، فسيكرّر السيناريو نفسه ويمرّر التمديد. لكن المعلومات تشير إلى أنّ التفاهم قد يحصل خلال الأيام المقبلة على قانون انتخابي يقوم على التأهيل طائفياً على أساس القضاء والانتخاب النسبي على أساس دوائر وسطى.