ما بعد تحرير الموصل
حميدي العبدالله
واضح أنّ تحرير محافظة نينوى، بما في ذلك عاصمة المحافظة مدينة الموصل ثاني أكبر المدن العراقية، سيقود إلى نتائج وتداعيات بدأت من الآن بإثارة ردود فعل باتجاهات مختلفة. اليوم تسعى الولايات المتحدة وحلفائها للضغط على الحكومة العراقية من أجل تحقيق ثلاثة أهداف أساسية:
الهدف الأول، انتزاع موافقة الحكومة العراقية على بقاء وجود عسكري أميركي دائم، أي إقامة قواعد عسكرية داخل العراق، وتجنب ما حدث عام 2011 بعد الانسحاب الأميركي شبه الكامل، حيث خرجت دينامية تشكيل السلطة من تحت السيطرة الأميركية، وهو الأمر الذي تتطلب الاستعانة بداعش لإعادة تشكيل السلطة في العراق وأبعاد الرموز المستقلة المعارضة السيطرة الأميركية، ومن ثم عودة الوجود العسكري الأميركي من جديد إلى العراق بذريعة المساعدة في مكافحة الإرهاب.
الهدف الثاني، الحؤول دون مشاركة الجيش العراقي إلى جانب الجيش السوري في مطاردة داعش في المنطقة الواقعة على الحدود المشتركة السورية العراقية، ومعروف أن داعش بات يركز وجوده في المنطقة الممتدة من شرق دير الزور باتجاه صحراء الأنبار التي تبلغ مساحتها حوالي 100 ألف كيلو متر مربع. كل هم الولايات المتحدة هو منع قيام تنسيق وتعاون فعال بين سورية والعراق، وإبقاء الحدود مغلقة بين البلدين، حتى لو تطلب الأمر بقاء داعش في هذه المنطقة عشرات السنين.
تخشى واشنطن أنه ما أن يتم تحرير الموصل حتى تبدأ القوات العراقية وقوات الحشد الشعبي عملياتها قرب الحدود السورية، وربما مطاردة داعش داخل الأراضي السورية، وهذا من شأنه أن يقود إلى تعزيز التعاون والتنسيق بين سورية والعراق، والذي ظهرت ملامحه في الآونة الأخيرة عبر الغارات الجوية العراقية على مواقع لداعش في البوكمال بعد تنسيق بين الحكومتين السورية والعراقية.
الهدف الثالث، تركيز الحملات السياسية والدعائية ضد النفوذ الإيراني في العراق، وذلك خدمة للسياسة الأميركية التي تضع في المقام الأول الوقوف في وجه إيران والعمل على تقليص نفوذها ليس في العراق وحده، بل في المنطقة كلها، وأكثر ما تخشاه الولايات المتحدة أن يتم الاتصال بين الجيشين السوري والعراقي وفتح الطرق البرية بين البلدين، لأن من شأن ذلك أن يوفر حالة جيوسياسية تمتد من روسيا مروراً بإيران والعراق وانتهاءً بسورية، وترى الولايات المتحدة أن هذه الحالة الجيو سياسية تؤثر سلباً على مصالحها.
هذه الأهداف هي التي تفسر تزايد الضغوط على الحكومة العراقية مع قرب تحرير الموصل والتي تجلت برفع العلم الكردي على كركوك، والطلب الأميركي من الحكومة العراقية الموافقة على وجود أميركي دائم في العراق.