شكراً روسيا… شكراً بوليفيا

راسم عبيدات ـ القدس المحتلة

للمرة الثامنة تسقط روسيا بـ«الفيتو» في مجلس الأمن الدولي مشاريع قرارات أميركية وأوروبية غربية وخليجية «عربية» حول سورية، يُراد منها الانتقاص من سيادة سورية واستباحة الأرض السورية والتعدي على سيادتها وشرعية قيادتها، وتوجيه اتهامات للجيش السوري باستخدام وامتلاك أسلحة كيماوية، والتي كان آخرها مسرحية ما يسمّى كيماوي «خان شيخون» في ريف حمص الجنوبي، مسرحية جاءت بعد فشل غزوة ما يسمى بـ«النصرة» لشرق دمشق وريف حماة، حيث عمدت دول وقوى المحور المعادي لدمشق، على رأسها بريطانيا وفرنسا وتركيا ومشيخات النفط والكاز الخليجية ودولة الكيان الصهيوني الطامحة إلى تقسيم وتفتيت سورية على أُسس مذهبية وطائفية، وإنتاج سايكس ـ بيكو جديد على المستوى العربي والمنطقة، إلى شنّ حملة إعلامية وسياسية على النظام السوري، في أكبر محاولة لتزييف الوعي، وخلق رأي عام عربي وإقليمي ودولي مؤيد لخطواتها العسكرية، وما ستُقدم عليه من أعمال بلطجة وانتهاك لسيادة الدول، كما حدث إبان غزو العراق واحتلاله تحت ذريعة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل، ليثبت فيما بعد أنّ تلك الحجج والذرائع، لم تكن سوى حجة لتدمير العراق واحتلاله والسيطرة على خيراته ومقدراته ونهبها، وقتل شعبه وتفكيك جيشه وتقسيم جغرافيته.

الحجج والذرائع نفسها استُعملت لتبرير استباحة الأرض السورية واحتلالها وتفكيك جيشها ومؤسّساتها وتغيير قيادتها، بما يفكك جغرافيتها على أسس مذهبية وطائفية، وينتج قيادة سورية مأجورة فاقدة لإرادتها وقرارها السياسي، ومرتبطة أمنياً بأحلاف مع دولة الاحتلال الصهيوني، حفظ أمنها هدف مركزي من العدوان علي سورية، ناهيك عن تغير هوية الدولة السورية، وبان تكون حجراً أساسياً في التطبيع والتحالف مع دولة الاحتلال الصهيوني، وقد سعت الولايات المتحدة في عهد رئيسها السابق باراك أوباما إلى غزو سورية تحت هذه الذريعة والحجة، ولكن جرى سحب الذرائع والحجج الأميركية، ما اضطر الإدارة الأميركية للتراجع عن غزوها لسورية، وهذا لم يرُق لمن يحرضون على سورية، كما لم يرق لهم بقاؤها في محور المقاومة والممانعة، وخارج المظلة الغربية الاستعمارية والتركية و«الإسرائيلية» والخليجية النفطية.

المشروع المعادي بعد استعادة الجيش السوري حلب، والتدخل المباشر من قبل روسيا والقوى الرديفة لصالح النظام السوري بدأ بالتراجع والانحسار والانهيار، ما يجعل هذا المشروع الذي ضخت عليه الدول المعادية مئات المليارات من الدولارات في مهب الريح، بالإضافة إلى خسارة تلك الدول نفوذها في سورية، خصوصاً أنّ أطماعها قائمة على اقتسام الجغرافيا السورية والسيطرة على خطوط النفط والغاز والمرافىء.

ومن أجل إنعاش هذا المشروع وحمايته من الانهيار، كان لا بدّ من مسرحية جديدة تضاف إلى المسرحيات السابقة في حلب وغيرها، فالقيادة السورية أخطرت على لسان قائد الدبلوماسية السورية بامتياز بشار الجعفري، في تسعين رسالة المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيماوية، بامتلاك الجماعات الإرهابية أسلحة كيماوية من أجل استخدامها لضرب الشعب والجيش السوري، ولكنّ هذه التحذيرات والرسائل لم تجد آذاناً صاغية.

وجاءت قصة كيماوي «خان شيخون» المفبركة، لتكون الذريعة والحجة لضرب سورية، بوجود رئيس أميركي لا يعرف سوى لغة الصفقات والتجارة، وهو القادم من صلب الاحتكارات الريعية، التي لا هم لها سوى جشعها وطمعها، فكان القرار الأميركي بضرب سورية بصورايخ «توماهوك» بذريعة أنها استعملت السلاح الكيميائي، قبل أن تجري تحقيقات دولية تثبت من استعمل هذا السلاح، وقبل أن يتخذ أي إجراء حسب الأصول الدولية، ووجد من يطبّل له ويزمّر من أولئك الذين اعتادوا على البلطجة والعنجهية من الدول الأوروبية. أراد دونالد ترامب أن يشنّ حرباً نفسية أكثر مما هي عسكرية فذهبت أحلامه في الهواء ووجد إرادة حازمة مصمّمة على مجابهة وردّ العدوان.

القرار الأميركي ـ البريطاني ـ الفرنسي الذي سعوا إلى تمريره في مجلس الأمن الدولي يحمل معاني ومضامين خطيرة جداً، لو قيض لها النجاح لكان مصير سورية كمصير العراق، فبموجب القرار على الحكومة السورية التعاون مع لجنه التحقيق الدولية من خلال السماح لها بالتحقيق مع ضباط سوريين. ويحقّ للجنة التحقيق دخول القواعد والمطارات العسكرية السورية والكشف عن الأسرار العسكرية ونوعية الأسلحة الموجودة فيها .

السيناريو نفسه استُخدم في العراق ولكن بطريقة تتناسب مع الوضع السوري، لذلك استخدمت روسيا الفيتو ضدّ هذا القرار الخطير وليس كما يروجه الإعلام الغربي والعربي وبعض المترجمين عن الإعلام «الإسرائيلي» والذين يجتزئون الجمل والعبارات لإيهام القارىء بأنّ سورية وروسيا ترفضان التحقيق بجريمة الكيماوي.

إنّ المواقف الروسية المبدئية هي التي حمت سورية من أن يكون مصيرها كمصير العراق، وهي أيضاً تدافع عن وجودها ودورها ومصالحها وأمنها، فقسم كبير من الجماعات الإرهابية التي تقاتل في سورية، هو من الجمهوريات الآسيوية على حدود روسيا، وبالتالي عودة هؤلاء إلى بلدانهم تشكل تهديداً لأمن واستقرار روسيا.

أما بوليفيا الدولة الفقيرة والصغيرة، والتي تمتلك خيارها وموقفها وقرارها وإرادتها السياسية المستقلة، فقد وقفت ضدّ تجريم وإدانة سورية دون وجه حق، وقالت لا للمواقف الأميركية والبريطانية والفرنسية، في حين وقفت دولة عربية كمصر، كان يراهن عليها في قيادة الأمة والدفاع عن مصالحها وأمنها القومي إلى جانب مشروع القرار الأميركي البريطاني الفرنسي بغير حقّ، وهي تدرك تماماً أنّ الإرهاب الذي يضربها، ليس بعيداً عن الأصابع الأميركية و«الإسرائيلية».

نحن نقول شكراً روسيا … شكراً بوليفيا… شكراً الصين… شكراً لكلّ الذين يقفون ضدّ البلطجة الأميركية وتعدياتها على سيادة الدول، بحجج وذرائع واهية الهدف منها خدمة مصالحها وحماية دولة الاحتلال «الإسرائيلي».

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى