جبهتان متناقضتان مستهدَفتان من الإرهاب…
محمد شريف الجيوسي
يمتاز الغرب الأوروبي ومعلمه الأميركي وصنيعتهما المدللة «إسرائيل» والنُدّال الصغار من رجعيين عرب وعثامنة.. وصنائعهم من الأقزام إرهابيين ومرتزقة ـ بأنهم قادرون على إبداع الكذب وتصنيع الجريمة وتنفيذها والدفاع عنها وتزيين ارتكابها حيناً أو اتهام الآخر بارتكابها حيناً آخر، واستثمارها، كلٌ وفق دوره وحجمه.
مجزرة خان شيحون واحدة من تلك الجرائم التي رسمت خطتها الإدارة الأميركية واتهمت الدولة الوطنية السورية بارتكابها، لتبرير الانتقام من مطار الشعيرات السوري الواقع في منتصف المسافة تقريباً بين مدينتي حمص وتدمر وعلى مقربة من حقول النفط السورية، المحرّرة التي كانت عصابة داعش الإرهابية قد استولت عليها لبعض وقت.
ومن مطار الشعيرات انطلقت الصواريخ التي أسقطت طائرة «إسرائيلية» قبل أسابيع قليلة وأصابت أخرى.. ومنه انطلقت العديد من الطائرات والصواريخ التي هزمت عصابات الإجرام والإرهاب وحرّرت مناطق سورية في أكثر من ناحية.
وبالتزامن اعتدت العصابات الإرهابية على دور عبادة كنسية قبطية بمصر، استجداء لفتنة واسعة، في محاولة لإعادة إخضاع مصر بالكامل لإرادة أعدائها، وللحيلولة دون دخولها في تحوّلات ولو جزئية تجاه قضايا الأمة سواء في سورية أو ليبيا، ولإجبارها على الإنخراط كلياً ضدّ اليمن، كما مطلوب التساوق مع كلّ الرغبات المناهضة لمصالح الشعب المصري في الحرية والاستقرار واستقلالية القرار والوحدة الوطنية والتنمية والعدالة الاجتماعية الجامعة.
إن المصالحة المصرية السعودية التي قيل إنها تمّت على هامش قمة البحر الميت، وقرار محكمة مصرية لصالح اعتبار الجزيرتين المصريتين سعوديتين، وانعقاد القمة المصرية الأميركية، لم يحل دون استمرار استهداف مصر، ما يضعف موقفها ويتيح استصغارها، على ما بين الإرهابيين المنفذين الصغار والمعلمين الكبار من تنسيق وتواطؤ واتساق ومصالح صغيرة وكبيرة.
فالمطلوب أن تقطع مصر أيّ تنسيق لها مع سورية بما في ذلك وقف التنسيق الأمني معها بمواجهة الإرهاب وهو التنسيق الذي يخدم مصر أيضاً، والمطلوب الحيلولة دون استعادة العلاقات المصرية السورية، وأن لا تشكل مصر مع أيّ عاصمة أو عواصم أخرى محوراً لاستعادة الدولة الوطنية السورية لمقعدها في الجامعة العربية ولدورها الإقليمي الذي هو عملياً تتوفر عليه دون هذه الجامعة بل بأكثر منه.
إنّ الفشل المتتالي الذي تعاني منه العصابات الإرهابية في غير دولة عربية، وما يترافق معه من عجوزات اقتصادية لدى الدول والأطراف الداعمة للإرهاب في هذه الدول.. يفقدها فضلاً عن فقدانها لشرف المواطنة والانتماء القومي العروبي ومشاعر الإيمان المتنوّر الصحيح التوازن، باتجاه مزيد من التطرف والفكر التكفيري الفتنوي الجهالي الإخواني التابع، فتتصرف بمنتهى الحمق، ما يرتدّ عليها فشلاً أشدّ وأوسع، يزيدها ذاك التاجر الكبير الذي بات رئيساً لأحد أكبر الدول في العالم، حماقات باتت تعصف ببلاده بحسب الأميركان أنفسهم، ما لم يعد مجهولاً أو مستوراً أو قابلاً للتصويب.
ولكن هذا التطرف الغبي والعدواني معاً، يستدعي إقليمياً، الدول والأطراف المتضرّرة من الإرهاب في سورية والعراق واليمن ومصر وليبيا وتونس والصومال، والجزائر التي يعدّ لها بليل، لإدخالها في مناخ الفوضى والفتنة ما استطاعوا.. أن تتوافق على مشروع كامل لمجابهة الإرهاب فكراً وإعلاماً وتربية ومناهج وإيماناً وعقيدة قومية جامعة لكلّ مكوّنات الأمة دون استثناء لأيّ منها.. بحيث لا تترك ثغرة يمكن أن ينفذ منها شياطين التكفير والوهابية والإخوانية وما يسمّى السلفية الجهادية.
ويفترض أن تشمل هذه القاعدة العريضة المناهضة للإرهاب من الدول العربية، بلداً كـ سلطنة عُمان، لم يتورّط بحال في مسلسل الإرهاب، وكذلك المقاومة اللبنانية ممثلة بحزب الله وأنصاره من اللبنانيين، وثورة البحرين السلمية، وما تبقى من المقاومة الفلسطينية التي لا تأتمر بمكتب الإرشاد العالمي الإخواني.. وغيرها إنْ وجد.
كما يفترض أن تكون لهذه الدول العربية، قاعدة دول صديقة فاعلة كـ روسيا وإيران بدرجة رئيسة فـ الصين وكوريا الديمقراطية وكوبا وفنزويلا وبوليفيا ودول أخرى في أميركا الجنوبية وغيرها،
ومثل هذه الجبهة العريضة، يفترض أن تواكب بتحالف شعبي عربي واسع حزبياً ونقابياً مهنياً وعمالياً وتعاونياً وإعلامياً ومؤسسات مجتمع أهلي غير ممولة أجنبياً، ويشارك نواب مناهضون للإرهاب في هذا التحالف.
ويكون لهذا التحالف العريض، تحالفاته الدولية في الدول الصديقة ومع المعارضات في الدول المحايدة والمعادية، بما يفعّل تأثيره إقليمياً وعالمياً وفي كلّ المنظمات الدولية القائمة والتي ستقام.
لقد أنجزت مجزرة خان شيخون والعدوان الأميركي على مطار الشعيرات والعمل التفجيري على دور عبادة في مصر، نتائج غير ما كان متوقعاً إمبريالياً ورجعياً وإرهابياً، فقد اتسعت وتماسكت وتجوهرت أكثر الجبهة المناهضة للإرهاب، وتعمّقت الشقة بين القوى المناهضة له وبين تلك القوى الرمادية والمنافقة والإنتهازية والتي تضع قدماً هنا وأخرى هناكـ او تعمل نهاراً ضدّه وليلاً معه، من تحت الطاولة.
قلت سابقاً إنّ من الحكمة والحصافة وحسن البصيرة، أن تلحق دول وأطراف نفسها، فتتوقف عن لعب أدوارٍ انتهازية غير ثابتة أو محدّدة المعالم وإنما وفق بارومتر المتغيّرات المتقلّبة المتسارعة، فتتصالح مع نفسها ومع الدول والجهات المناهضة للإرهاب قولاً واحداً، في كلّ الظروف والأوقات، وتحجز لها مكاناً في المتغيّر المنتصر الوحيد الآتي، المتصادم مع الإرهاب.
ولكن ومنذ ان أسقط الجيش السوري طائرة إسرائيلية وأصاب أخرى، دون أن يتلقى تهنئة يستحقها، ثم ما استتبع من كذبة خان شيخون واعتبار الرواية الأميركية لها مقدسة وأكيدة، ثم قصف مطار الشعيرات واعتبار قصفه ضرورة أو ما شابه، لم تعد المراجعة ممكنة، فقد قطعت جهيزة قول كلّ خطيب وأرى أنها أغلقت الأبواب أمام ذاتها، لعبور الخلل وتجاوز الخطيئة، وأتاحت هامشاً للإرهاب للتقمّص باتهام الآخر، وضربت مصالح الشعب وأمن الوطن في العمق، وهو الأمن الذي لم تنفع معه تطمينات وزيارات كبار العسكريين الأميركان والغربيين وما زوّدوا من أسلحة ومعلومات استخبارية، كما لم تنفع الخدمات الكبيرة التي يقدّمها الإسرائيليون للعصابات الإرهابية لضمان عدم المساس بالأمن القومي.
الدول المستهدفة بالإرهاب والأردن، والدول المحايدة والداعمة له، وكذلك الجماعات والجمعيات وأجهزة الاستخبارات الإقليمية والدولية كلهم مهدّدون بالإرهاب، ولكن وفق فصول وقتية ولغايات وكيفيات متباينة، فلا يظنن أحد أنه في مأمن، لكن البعض يدفع الثمن دفاعاً عن وطنه وشعبه وقراره المستقلّ ومستقبله ومصالحه وعرضه، والبعض يدفعه راكعاً دفاعاً عن سواه عن أميركا والغرب، والفرق عظيم بين «البعضين» الأول باق رغم حجم الخسائر والدمار الهائل، والآخر زائل بذلة…
m.sh.jayousi hotmail.co.uk