الرفيق «أبو أدونيس»… ذاب في قوميته حتى لحظات الرحيل الأخيرة
وفاء المقهور
عندما دُعيت إلى منبرك، تقاذفتني مشاعر ثلاثة جعلتني في حيرة من أمري. الأول وهو شعور الفخر والاعتزاز بأن تسنح لي فرصة الحديث عن رفيق مناضل لم يخلف موعداً مع الحياة، في صراعه ضدّ ألوان التخلّف الاجتماعي كلّها، من أجل إرساء مفاهيم قيم الخير والحقّ والجمال السورية القومية الاجتماعية فكراً وعملاً، ولم يخلف موعداً مع الموت متى كان الموت طريقاً للحياة.
والشعور الثاني هو الخوف من عدم القدرة على أن أفي رفيقي أبا أدونيس نجيب الخطيب حقّه بالتعريف، لأن حياته أغنى من مفردات الأبجدية. أما الشعور الثالث فيتجلّى في هذا الحزن العميق من فقدان رجالات لنا، ممّن وقفوا في وجه السرطانات التي غزت أمتنا، فحاربوها وانتصروا عليها بكلّ صلابة وعزيمة، لكن عندما تسلّل إلى أبدانهم قاتلوه تمرّدوا عليه وتجاهلوه في بعض المرّات، لكن في النهاية نال من أجسادهم، أما نفوسهم فقد فرضت حقيقتها على هذا الوجود.
والرفيق نجيب وهذا ما كان يطرب لسماعه لم يكن يعنيه من الألقاب إلا لقب الرفيق أبو أدونيس، بما يحمل من مضامين عميقة في مفهوم الانتماء إلى أمة آمن دوماً بأن مصلحتها فوق كلّ مصلحة. فتراه مزهواً في كلّ مناسبة بقوميته، التي كان لها الفضل بأن حوّلته من إنسان بسيط عاديّ إلى إنسان متعلّم ومثقّف بعد خروجه من السجن، بعد محاولة الانقلاب مطلع ستينات القرن الماضي.
نعم، لقد كان رفيقاً ذائباً في قوميته حتى لحظات الرحيل الأخيرة. فقبل يومين من وفاته وهو على فراش الموت، رفع يده زاوية قائمة قائلاً: «لتحيا سورية وليحيا سعاده… اُخرجوا وبلّغوا الجميع أن البقاء للأمة… لقد توفي الرفيق نجيب الخطيب». ولما نادته حبيبة القلب إلهام، لم يُجبْها، وتمتم «البقاء للأمة ولتحيا سورية».
لقد استمهل الموت بضعة أيام من آذار، متعمشقاً سلّم الألم في ذاك الجسد التعب، وبسحر ساحر حوّل الوجع فرحة أخيرة في الأول من آذار، إنّما من دون طاولة ومن دون كأس يرفعها نخب مجد لسورية… سوريانا.
لقد رحل الرفيق نجيب ـ أبو أدونيس ـ في الثامن من آذار وعاد إلى بلدته الهرمل، التي شهدت طفولته وشبابه، فأحبّها وأحبّته.
وعند مدخل الهرمل اجتمع رفقاء من منفذيات الهرمل، البقاع الشمالي، والعاصي إلى جانب الأهل والأقارب، فكان لقاءً حزبياً زغردت فيه الرايات الحزبية زوابع، ولُفّ بالعلم الحزبيّ، وجاب الموكب شوارع الهرمل حتى جبّانة العائلة في منطقة النبي موسى.
أخيراً، أقول لك اُعذرني يا رفيقي، لأنه من الصعب أن تجمع سيرة نضال وكفاح في سطور وكلمات.