جَمْعٌ في زمن الطَّرح

د. محمود أبو خليل

في البدء كان الحرف مركباَ يعبّ البحار، شراعه النجم وربانه المعرفة. قدموس أحدث الفرق، رصف الحروف، وابن بلاده حنّون قد زرع، واقليدس الصوري قد جمع، فكانت أمة بمواهبها هادية للأمم وأنا التلميذ في مدرسة سعاده وعلى غير عادتي أصابني رهاب هذا الموقف وأنا المعتاد على المنابر، ولكن لوقفتي اليوم طعم آخر إذ شرّفني رئيس الحزب السوري ألقومي الاجتماعي الوزير علي قانصو بتكليفه لي إلقاء كلمته بالنيابة عنه في هذه المناسبة، وقد أراد التواجد بيننا ولم تسعفه الإرادة، أما أنا وبعد طول تجوال بعد الحرف والكلمة وبين الفكرة والمعنى، أسعفني التواجد في هذا الصرح حيث يُستطاب الكلام، فأنت على أرض الجنوب المسيّج بالقلوب تجاورك هياكل عزة، شمخت لتستوي مع معالم قبر أحيرام. أنت في الجنوب إذاً أنت أقرب الى الله من حبل الوريد، ومن كل طارف وتليد. أنت في الجنوب الذي يبعث الخير في كل المواسم ويردّ الحيف عن أغلب العواصم، فجنوبنا مستودَعُ محبة نتقاسمه حبّة حبّة: عامل يزرع في الأرض قلبه، ومعلم يستثمر في الأجيال جهده، ومقاوم يروي التراب بدمه.

أنت في صور، حيث ترى القارعين بالأجراس على أبواب المساجد حراساً، والمؤذنين على أرواح أخوانهم مؤتمنين، فيا لقسوة الموقف وأنا الآن مؤتمن على حسن اختيار الكلمات، التي يجب أن تعبّر عن مكنونات مَن أؤتمن على حزب النهضة، تجاه صديق ائتمنته على وحيدي.

أستاذ قاسم الماثل اليوم بيننا، مثال من بين أقرانه الذين امتطوا الريح وتأبطوا الحلم وزرعوه في بلاد الاغتراب، ليثمر بعد طول معاناة وحلول القطاف لأهلهم، حيث جذورهم ضاربة في أرض وطنهم، لم نفاجأ بهم، ونحن نعلم أن من أسرار نشأتهم إتقانهم معنى الأمانة والوفاء.

أستاذ قاسم أفرد راحتيك واقرأ خطوط كفيك البيض اللتين شيّدتا للتعليم صرحاً بهيئته التعليمية قل نظيره وهمزة الوصل بين الخطوط. عطاء مكّنك من أن تحلّ على بلدتك رئيساً مزكّى ومن خلال موقعك الجديد تكون قد اقتربت من العمل السياسي، فسهلت علينا مهمة التحدّث في السياسة، ولما كانت السياسة بمفهومنا هي فن خدمة المصالح الوطنية والقومية نجدّد الدعوة للحكومة والمسؤولين وأصحاب الاختصاص، للعمل على توحيد مجتمعنا واللبنة الأولى تكون بتوحيد المناهج الدراسية وكتاب التربية الوطنية، بما يتناسب مع حجم عطاءات شعبنا وتضحياته وحقه في مصارعة عدوه بعد تحديده. والتحديد شرط الوضوح.

وبالرغم من التلطّي خلف تلك اللوحة الفسيفسائية بتلاوينها الطائفية التي تتقارب قطعها بحسب مصالحها، ولكنها لن تتّحد إلا إذا أمّنت لها مقوّمات التجانس على قاعدة وحدة الحياة ووحدة المصير، ولا يؤسّس لذلك إلا بنسف هذا النظام السياسي البغيض القائم على المحاصصة وقوانين انتخابية، مفصلة على مقاسات الإقطاعيين على اختلافهم، العشائري والمالي والطائفي، نعم نريد التغيير فلا التمديد ولا الفراغ يخدم أمننا السياسي والاجتماعي والاقتصادي، والمطلوب من كل القوى السياسية المعنية والمجلس النيابي تجنيب بلدنا في هذا الظرف الدقيق أي خضات نحن بغنى عنها. والفرصة اليوم سانحة خاصة بوجود قامة وطنية رأس السلطة التشريعية، والذي يشكل الضمانة وصمام الأمان نتشارك وإياه القناعة مع كل حلفائنا بأن سن قانون انتخابي يراعي صحة التمثيل وصوت العقل، هو القادر على نقل لبنان إلى بر الأمان ونحن لا نراه إلا قانوناً قائماً على النسبية والدائرة الواحدة خارج القيد الطائفي، ويمكن الالتجاء الى المادة 22 من الدستور والتي تنص على إنشاء مجلس شيوخ يحدّ من هواجس بعض الطوائف والمذاهب، حتى اذا اقتتلوا على السماء فلا نفقد بدورنا الأرض التي ما زلنا نذود عنها جيشاً وشعباً ومقاومة.

أما بالنسبة للمسلسل المُضحك المُبكي، فقد أصبحت أدوار ابطاله ممجوجة لا تسمن ولا تزبد، فلن تساعدهم في أدوارهم القفشات الإعلامية، ولا المزايدات الانتخابية فإقرار سلسلة الرتب والرواتب حق لأصحابها، ولا حاجة لتمويلها من جيوب الفقراء، فمكامن الهدر والفساد معروفة فردّ القليل، مما سُلب عينياً ومادياً يكفي ويزيد، وحذار اللعب على وتر التناقضات وازدواجية الخيارات الولاءات ، فلبنان لن يكون للإرهاب ممراً ولا مستقراً فضرب الاستقرار السياسي والأمني مرفوض، وعلى كل القوى الفاعلة والممثلة بالحكومة أن تكون على مستوى التحديات، فاللعب على المصطلحات وإثارة الحساسيات لن يثنينا عن التمسك بحقنا في درء الأخطار عن الوطن، بكل الطرق المناسبة، والشكر كل الشكر للسان حالنا فخامة الذهب بعد أن ولّى عصر الخشب.

وعود على بدء، فلسطين أنت قبلة الأحرار، فمن كان معك هو إلى جانبنا ونحن إلى جانبه، ولذلك ندفع مع الشام هذه الأثمان الباهظة لاحتضاننا مقاومتك ومقاوميك، وأملنا أن نرى كل فصائلك وحركاتك على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقهم، فوحدة الصف واعتماد خيار المقاومة هو السبيل الوحيد للتحرير والعودة، فمن ضعف منكم وقيناه بأجسادنا ومَن جبن وحاول جعل المخيّمات بؤراً للفساد والفوضى، أقصيناه عنا والقوي نسير معه الى النصر الأكيد.

وأخيراً: الشكر للحاج حسن عكنان فهو الجامع في زمن الطرح سُدِّدت خطاك.

ألقيت في الاحتفال الذي اقيم برعاية رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الوزير علي قانصو تكريماً لرئيس بلدية حناويه قاسم كفل، وقد مثله منفذ عام صور في الحزب د. محمود أبو خليل وألقى الكلمة باسمه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى