حزب الله… حتى آخر مسيحي في لبنان

فارس فتوحي

إنّه الخطاب الطائفي يعود من جديد، وطبول الحرب الأهلية تُقرَع، بالأمس كانت الشراكة والانتخابات الرئاسية، واليوم زمن القانون. لعبة الغرائز تبقى الوصفة الضامنة لزيادة منسوب التعاطف الشعبي، عاد إليها بعض المسيحيين في زمن قد يكون مستقبل رجل سياسي قائماً على صوتٍ تفضيليٍ واحد.

دُقَّ ناقوس الخطر على الوجود والدور والهوية، ليُصيب بعضاً من شظايا المكوّن الشيعي بشكلٍ عام، والمقاومة بشكلٍ خاص، فثمّة مَن يحاول لسببٍ أو لآخر وضع حزب الله في مواجهة سياسية مع المسيحيين.

في عودة سريعة إلى وقائع الحرب الأهلية، يصعب على المؤرّخين الارتكاز إلى سابقة واحدة، شهدت على مواجهة بين حزب الله والمسيحيين بشكلٍ عام، ربما اقتصر الأمر على مقاربات متباعدة لم تصل إلى حدّ التراشق المدفعي أو حتى الإعلامي، تناقضات شهدناها داخل الصف الواحد، لا بل الحزب الواحد، لنستخلص أنه منذ تاريخ تأسيس حزب الله عام 1982 حتى تاريخ انتهاء الحرب الأهلية، لم تُسجّل مواجهة عسكرية واحدة بينه وبين أيّ من الأفرقاء المسيحيين.

في العام 2000، عام التحرير، وجدت عشرات من القرى نفسها بين ليلةٍ وضحاها محرَّرة، لينتظر سكانُها المسيحيون، لا سيما عناصر جيش لحد وأهاليهم، ردّات فعل انتقامية على سنواتٍ دامية من المواجهات العسكريّة والأمنيّة، فكانت المفاجأة دخول حزب الله هذه القرى من دون التعرّض لأيّ من المتورّطين، وجاءت مراعاة المسيحيين وطريقة التعامل معهم ومع ذويهم لتكشف تعليمات صارمة من قيادة الحزب بالتعامل بشرف المنتصر وشهامة الحريص على السلم الأهلي والعيش الواحد.

عام 2006، ردّ المسيحيون التحيّة مستضيفين أبناء الجنوب الذين تركوا قراهم ومنازلهم جراء القصف «الإسرائيلي» الوحشي، ومساندين المقاومة كما السواد الأعظم من اللبنانيين.

في الخامس من أيار من العام 2008، أصدر مجلس الوزراء القرارين الشهيرين المتعلّقين بالمقاومة، الأول قضى بإقالة رئيس جهاز أمن المطار وفيق شقير، والثاني بوضع يد الدولة على شبكة حزب الله للاتصالات السلكية، فكان السابع من أيار، وتوزّعت الرسائل على المكوّنين السنّي والدرزي المشاركين في الحكومة، مع العلم أنّ فريق 14 آذار يضمّ مكوّناً مسيحياً وازناً وفاعلاً متمثلاً بحزبَيْ القوات والكتائب، والمفارقة أننا لم نرَ يومها أيَّ هجوم من جانب حزب الله على مراكز تلك الأحزاب المنتشرة في العاصمة بيروت وعلى بعد أمتار من مواقع الاشتباكات، كما لم تدخل عناصر حزب الله إلى أيّ من الأحياء المسيحية، فالأوامر كانت واضحة بعدم الاحتكاك بأيّ فريق من المسيحيين، فلماذا هذا التمييز؟ ألأنَّ للحزب حليفاً مسيحياً لا يودّ إحراجه؟ نظرية لا تبدو مقنعة، فللحزب حلفاء أساسيون من الطائفة السنية والدرزية، لم يأبه بإحراجهم تحت شعار «السلاح لحماية السلاح».

أما المبايعة الكبرى فتجلّت بوقوف حزب الله إلى جانب المسيحيين في معركتهم لاسترداد حقوقهم التمثيلية في القانون الانتخابي، ليتبنّى القانون الأرثوذكسي القائم على التصويت الطائفي، متنازلاً عن خطابه الوطني لأجل أن يختار المسيحيون 64 نائباً، لتأتي رصاصة الرحمة في الدقيقة الأخيرة من القوات اللبنانية، متراجعة عن تأييد هذا القانون لأسباب باتت معروفة.

بعد اندلاع الحرب في سورية، وجد اللبنانيون أنّ حدودهم الشرقية وقعت تحت نفوذ جبهة النصرة وداعش، لم نكن لنُفاجَأ لو رأينا شباناً مسيحيين متّجهين إلى الحدود لحماية القرى اللبنانية المتاخمة وتحديداً المسيحية منها، فالعقل المسيحي يحتوي على منسوبٍ عالٍ من الجينات السيادية والوطنية والخوف على لبنان من أيّ اعتداء أو خرق من جانب مجموعة إرهابية، لكن حزب الله لم يعطِ وقتاً للتفكير والدراسة، فهو لبس زِيَّ المقاومة المسيحية وتوجّه نحو الحدود متوغلاً داخل الأراضي السورية لإبعاد الخطر، ومؤازرة الجيش اللبناني الذي ربّما كان لاقى مصير الجيش العراقي والجيش السوري أمام هذه المجموعات المتوحّشة، نقول ربما لكي لا نقلل من عزيمة وثبات جيش وطني أثبت جدارته وتماسكه باعتراف الجميع، ولكن حماية الحدود كاملة أمام نوع كهذا من المقاتلين، تتطلّب أعداداً مضاعفة من الجنود اللبنانيين، فضلاً عن العتاد والذخيرة والأمور اللوجستية المختلفة.

فَعَلَها حزب الله، ولنمتلكِ الجرأة ونقُل إنها أتت نيابة عن المسيحيين وعن كلّ لبناني أياً كانت طائفته أو انتماؤه السياسي، فنظرية تأثر لبنان بالأزمات الإقليمية سقطت أمام الواقع المفروض بقوة السلاح، مئات آلاف الضحايا والنازحين في دولة مجاورة، كان تأثيرها فقط بعض الخروق الأمنية في الداخل اللبناني.

وبقيت أولوية حزب الله في الداخل، الوقوف على خاطر حلفائه المسيحيين، وجاءت أزمة الفراغ الرئاسي لتُثبت ذلك، بقي الحزب ثابتاً بوجه التشكيك، فكان أول مَن نادى بانتخاب الرئيس القويّ، أيّ الأقوى في بيئته المسيحية، لتنضمّ إليه لاحقاً قوى مسيحية أخرى، كلٌّ على طريقته، محاولين إقناع جماهيرهم بأنهم الأوائل في تثبيت نظرية المسيحي الأقوى.

قد نذهب بعيداً في التحليل، لكن الثابت أنّ حزب الله يخوض معارك نيابةً عن المسيحيين، والمسيحيون يخوضون معارك وهمية ضدّ أعداء وهميّين، إنه اللعب بالنار في ظلّ شرق أوسط متفجّر تدفع فيه الأقليات ثمن وجودها الحرّ، وفي ظلّ غياب استراتيجية ناظمة، تبقى حقوق المسيحيين معرّضة للخسارة النهائية، فتارةً يُشكل قانون الـ 60 عودة الحق لأصحابه، وطوراً يتصاعد الدخان الأبيض من بكركي عن نسبيّة شاملة بـ 15 دائرة، ثم خطاب طائفي يذكّر بزمن لم يخسر المسيحيون فيه حقوقهم وحسب، بل خسروا خيرة شبابهم وفلذات أكبادهم في نعوش بيضاء من أجل بقاء عدد من القادة والمسؤولين، فمتى يأتي «القائد الحقيقي» الذي يُعيد لهم حقوقهم الطبيعيّة من وظائف وفرص عمل وضمان شيخوخة وإنترنت سريع وكهرباء… تلك هي حقوق المسيحيين، وما عدا ذلك يبقى في خانة الكذب والمتاجرة.

رئيس الحزب اللبناني الواعد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى