أميركا من حيث لا تدري… تُعمّم مشروع العام 1985؟

حسن شقير

تُثبت التطورات الميدانية والسياسية الأخيرة في ما يتصل بالحرب على سورية، أنّ الموقف الصهيوني المستجدّ منها، لا يزال يشكّل العقبة الكأداء، في مقابل أيّ طروحات جدية، من الممكن لها أن تشكل كوة في جدار الأزمة الممتدّة فيها منذ أكثر من ست سنوات، وذلك يظهر باستمرار من خلال إشهار خطوط الكيان الحمراء، والتي يرفعها نتنياهو بين الفينة والأخرى في كلّ عاصمة يجوبها في العالم.

لم يعد خافياً على أحد أنّ هذا الأخير، يريد تجسيد نظرية أطلقها أحد منظّريه في بدايات ما سمّي بالربيع العربي، والتي تمحورت حول ضرورة «استقرار الطوق» المحيط به، مستعرضاً فيها رؤيته الاستراتيجية الفضلى لتحقيق الأمن للكيان الصهيوني على المدى البعيد، بحيث يدعو إلى نظرية أمنية، ترتكز على الانطوائية ضمن حدود آمنة، منطلقاً فيها من ضرورة تطويق الكيان بطوق أولي مستقرّ إن كان ذلك عن طريق «اتفاقات سلام»، أو حتى لو اقتضى فرض هذا «الاستقرار» عن طريق «الحرب»! توصيات المستشار الإستراتيجي الصهيوني، المدعو حاييم أسا في مقالة نشرها في التاسع من كانون الأول من العام 2011، في صحيفة يديعوت أحرونوت، تحت عنوان «ها هي التوقعات في الشرق الأوسط» .

ما زاد الطين بلّة لدى نتنياهو، ما كانت أوردته وسائل الإعلام الصهيونية بعد عودته من آخر زيارةٍ له إلى موسكو، بحيث أكدت المعلومات – غير المنفية من أحد – بأنّ الرئيس بوتين، رفض طلبه المتعلّق «بضمان إخراج الجيش السوري وحلفائه الإيرانيين وحزب الله» من المنطقة التي يتواجدون فيها حالياً في الجولان المحرّر، والمقدّرة بحوالي 18 كلم، على تماس مع الجولان المحتلّ في شمال محافظة القنيطرة…

ما هو مؤكد أنّ خطة ترامب في سورية تتدرّج في مراحل ثلاث وراثة إرهاب، تجميد العمليات العسكرية وإقامة مناطق استقرار فيها بحماية أميركية رمزية لجماعاتها المسلحة والتي ستملأ فراغ الإرهابيين، ومن ثم التهديد بحرب وكلاء جديدة في حال عدم امتثال الدولة السورية للشروط الأميركية في ما يتعلق بوجه سورية المستقبلي ، والذي – بلا شك – تبتغيه أميركا، وفقاً للرؤية الصهيونية لنتنياهو.

من الواضح بأنّ هذه الاستراتيجية الصهيوأميركية، يِراد منها أن تصبح جزءاً من الخطة التي كان قد أعدّها أوباما لمنع قيام نماذج لحزب الله في المنطقة؟ وذلك لضرب هذه النماذج بالميليشيات التي ستعمل أميركا على إقامتها، وذلك تحت مسمّيات وحجج مختلفة… وهذا ما عاد وأكده مؤخراً، وزيرا الخارجية والحرب الأميركيان ريكس تيلرسون وجيمس ماتيس، ليكشف هذا الأخير في جولته في المنطقة مؤخراً جانباً من هذه الاستراتيجية، وذلك ليس فقط في الميدان السوري، إنما في اليمن، والعراق، وكافة المناطق التي يعتبرها ماتيس بأنها مناطق نفوذ إيرانية.

عراقياً، يبدو أنّ هذه الرؤية، قد بُدئ بتنفيذها منذ تعيين الجنرال الأميركي المتقاعد جون ألن، منسّقاً عاماً لقوات التحالف ضدّ داعش، صاحب الباع الطويل في استراتيجية الولايات المتحدة في مرحلتها الأخيرة في حربيها بكلّ من أفغانستان والعراق، وتحديداً لغاية الاعتماد على القوات المحلية الصحوات في ضرب أعداء أميركا… وذلك كان من خلال تكثيف التواصل مع العشائر العراقية في الأنبار، ناهيك عن بعض المجاميع الأخرى، والتي كانت تُحسب على النظام البعثي السابق… حيث تمّ تسليحها – بحجة محاربة الدواعش وطردهم من العراق – وذلك كتمهيد لتسليمهم المنطقة الشمالية والغربية منه، والتي توحي التطورات الميدانية اليوم في محافظة الأنبار، بأنهم سيتكاملون ويتلاقون عند الحدود مع سورية مع أقرانهم من الذين تعمل أميركا على تدريبهم فيها، تحت عنوان المعارضة السورية المعتدلة.. حيث سيُعمل على حقن هؤلاء في تلك البقعة من الحدود العراقية – السورية، والحجة في ذلك محاربة الدواعش بعد حشرهم في سورية…

رؤية المشهد من بعيد، تُظهر بأنّ تلك الحدود ستكون بمثابة منطقة عازلة، لها بُعد طائفي معيّن، وستعمل كسيف مصلت، لها وجهتان، وأيضاً وجهان سياسي وعسكري في آنٍ معاً والتي يعمل ترامب على وضعها تحت الرعاية والحماية الأميركية والبريطانية الرمزية، وذلك من خلال القواعد العسكرية التي أقيمت في تلك المناطق.

سورياً تكتمل استراتيجية المناطق العازلة والمدجّجة بالسلاح، ابتداءً مما ذكرناه سابقاً، من منطقة الحدود مع العراق، وصولاً إلى منطقة الحدود السورية مع الأردن لناحية درعا، والتي يُعمل على تمدّدها، لتلاقي اكتمال نظيرتها عند منطقة الفصل في الجولان المحرّر، بحيث أنّ المنطقة العازلة، والحزام الأمني الصهيوني – بحلته الجديدة ذات الصبغة الأميركية ربما – يكاد يرتسم واقعاً هناك، وأضحى عنصراً أساسياً في حماية الكيان الصهيوني، وذلك «صوناً» لخطوط نتنياهو الحمراء في تلك المنطقة، كمسعى استباقي لإفشال الثلاثية الذهبية هناك، والتي كان قد تحدث عنها الرئيس الأسد في أكثر من مناسبة، هذا فضلاً عن الدور الإضافي لهذه المجاميع الإرهابية في استنزاف وإشغال الجيش السوري وحلفائه وتشتيت قواهم العسكرية، وذلك في المرحلة الثالثة التي يؤسّس لها ترامب في سورية.

خلاصة القول، وبعد تلميحات أميركا حول خططها الجديدة في المنطقة، وذلك في مرحلة ما بعد وراثة الإرهاب، بأنها سترتكز على ما أعلنه جيمس ماتيس في جولته الأخيرة، بمنع «تعميم نموذج حزب الله في المنطقة بأكملها»، وذلك ربما يكون من خلال التخطيط لضرب الثلاثيات والنماذج المقاوِمة، عبر الأحزمة المُستنزِفة والمحمية أميركياً هذه المرّة…

يكمن استشراف كيفية تعاطي محور الممانعة مع هذه الاستراتيجية الجديدة في إقامة الأحزمة الآمنة، ذات الحُلة الأميركية والأهداف الجديدة على حدّ سواء، بما ذكره الرئيس الأسد حول توصيفه للغزو الأميركي والتركي، بأنها قوات احتلال، والتعامل معها سيتمّ كما تمّ التعامل مع الإرهاب، والذي أكد عليها بيان غرفة عمليات الحلفاء المشتركة، والذي لم تعارضه روسيا في هذه الجزئية، فضلاً عما يصرّح به على الدوام قادة الحشد الشعبي وموقفهم من التواجد الأميركي والإرهابي في كلّ من سورية والعراق على حدّ سواء.

بكلمة أخيرة، لربما غفلت إدارة ترامب أو تغافلت، عن الفترة الممتدّة في لبنان من العام 1985، حتى العام 2000، وبروز نجم المقاومة في لبنان في الالتفاف على ميليشيا لحد، واستنزاف العنصر البشري الصهيوني بشكل مباشر، أو لربما أيضاً اعتقد هؤلاء وهماً، بأنّ «الانغماس الأميركي المُقنن» هذه المرّة، سيكون كفيلاً بأن يكون مغايراً في نتيجته لما حلّ بعسكر أميركا في العراق بين عامي 2003 و 2011! ولكن هل يضمن ترامب ذلك…؟

باحث وكاتب سياسي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى