نحو «انفجار اجتماعي»… متى يوعز الحريري للتنسيق مع سورية رأفة بلبنان؟
روزانا رمّال
يبدو رئيس الحكومة اللبنانية «الشيخ» سعد الحريري بعيداً كل البعد «عملياً» عمّا يجري في الشارع بين أبناء بلده لبنان وجارته سورية، أؤلئك الذي نزحوا اليه هرباً من الحرب، رغم اعترافه أمام المجتمع الدولي بأن لبنان مقبل على انهيار بسبب النزوح السوري إليه.
ربّما يعتقد الحريري أن الوقت يحتمل دراسة خطط «بديلة» قادرة على احتواء الأزمة أو يتسع أيضاً لتوصيفها بدلاً من المسارعة لحلول وخطوات جدية للسيطرة على الأمور، فرغم أنه بدا مهتماً منذ مساعيه تشكيل الحكومة اللبنانية بتخصيص وزارة لشؤون النازحين اختار من فريقه مَن يشرف عليها معين المرعبي لأول مرة على رأس وزارة من هذا النوع، إلا أنه وحتى هذه اللحظة لا يبدو أن هناك خطوات واقعية من قبل فريقه أنتجت سياقاً جديداً لمعالجة أزمة النزوح حتى بات اعتبار أن حل الملف مؤجل لحين انتهاء الحرب في سورية ورسو المفاوضات على برّ واضح من السياسات والاصطفافات الإقليمية الدولية هو المرجّح.
لا يكفي تركيز الحريري على العموميات بين مديونية وتكاليف الأزمة على كاهل لبنان من دون الدخول في جزيئات خلافات خطيرة المعالم «تستعر» بين الأزقة والشوارع في هذه الأيام، فنظرة عن قرب في الساعات الماضية كفيلة ليدقّ الحريري ناقوس الخطر والمسارعة الى الإنجاز. هذا ورغم محاولاته استطلاع أمر الناس والشارع اكثر من مرة عبر النزول إليهم بمواقف «محببة» تركت أصداء إيجابية إنسانية تتماشى مع الموجة العالمية نحو المزيد من الشعبوية.. وهذا أيضاً يوضع في إطار «الشكليات» مجدداً.
مؤخراً كانت هي المرة الأولى ربما التي يخطب فيها الحريري امام المجتمع الدولي في مؤتمر بروكسل للمانحين أوائل الشهر الجاري، محذّراً من انفجار اجتماعي بالقول «الوضع الحالي في لبنان قنبلة موقوتة.. الأزمة استمرت أكثر مما توقعنا واحتمالات عودة السوريين بشكل آمن «غير أكيدة»، وحان وقت تأمين حلول طويلة الأمد، ولم يُظهر أي بلد الكرم الذي أظهره لبنان والأردن»، معرباً عن خشيته من أنه «ليس باستطاعة لبنان استمرار تحمل عواقب استقبال مليون ونصف نازح من دون خطة جديدة.
كلام الحريري يقيناً يؤكد إدراكه حجم المشكلة، لكن خطواته عملياً تؤكد أنه جزء لا يتجزأ منها بسبب التزامات قطعها منذ بداية الأزمة السورية تنسجم مع ارتباطاته الخارجية.
يقول الحريري إنه «غير أكيد» إذا كانت عودة السوريين الى سورية آمنة، وهو يدرك تماماً كما يدرك كل المتابعين لسير المعارك على الارض، أن هناك جزءاً كبيراً من الأراضي تحرّر من يد الإرهاب وبإمكان النازحين العودة إلى مساحات شاسعة للسكن في بلدهم ليتبيّن أن مشكلة الحريري مع النظام أكبر من خوفه على أمن لبنان ومصلحة شعبه.
أين سيقطن النازح السوري؟ هل سيقطن في أرض تابعة للمعارضة المسلحة أو ضمن أراضي الدولة أي النظام؟ هل أصبحت هذه الاسئلة هواجس الحريري بل مشكلة الحريري؟ هل باتت قضيته المركزية منع النازح من العودة للسكن ضمن الأراضي الواقعة تحت سيطرة الرئيس السوري بشار الأسد وشكّل الانتقال مصيره داخل بلاده؟
يبقى إذاًً على الحريري أن يعترف للبنانيين بالتالي:
اولاً: اعتقد وكرئيس حكومة أن السوريين باقون في لبنان إلى أجل «غير مسمّى» ونحن أمام حلين أحلاهما مر اولهما ان ينتقل النازحون للعيش في الرقة وإدلب ودير الزور وما تبقى من مناطق خاضعة للإرهاب وداعش، وهذا مستحيل. وثانيهما أن يذهبوا للعيش في مناطق واقعة تحت سيطرة النظام السوري أي منظومة الدولة المركزية في دمشق وحلب وحمص وطرطوس واللاذقية وغيرها حتى عودة الأهالي لمناطقهم الأصلية داخل الأرض السورية. وهذا مستحيل لغياب التنسيق ايضاً!
ثانياً: لست قادراً على «ارتجال» حلّ شجاع يخرج عن الإجماع العربي الذي يجسّد موقف المملكة العربية السعودية في القطيعة مع النظام السوري إرضاء للرياض على حساب لبنان، ولو كانت مسألة التنسيق غير مباشرة عبر قوى ومنظمات مختصة تتعاون بتشكيل لجنة مشتركة من البلدين.
ثالثاً: لا أعد اللبنانيين بالأمان في المدى المنظور وأنا مثلهم أتفرّج على هذا الانفجار الاجتماعي الذي حذرت منه في مؤتمر بروكسيل، وأعترف فيه أمام العالم بالتالي عليهم أن يحذروا من اي اشتباك اهلي شوارعي او مناطقي يحصل في قراهم أو بلداتهم ويتوقعوا أيّ شيء ويحترسوا وهم الذين لم ينسَوا حتى الساعة احداثاً مأساوية وقعت بينهم وبين النزوح الفلسطيني وكيف أن المجتمع الدولي غذّى نار الحرب الأهلية بين كل القوى على الأرض اللبنانية يوماً!
تخصيص وزارة لشؤون النازحين والتي تشبه وزارة «طوارئ» تعني العمل الجدي والسريع لإرساء حلول عملية تتعاون فيها أجهزة الأمن اللبناني والسوري معاً من أجل تنظيم ملف النزوح رأفة بلبنان لا في سورية.
معيب ذكر تفاصيل المشاكل بين القرى والبلدات وأهلها مع النازحين من إقفال المحال التجارية والاعتراض على توظيف سوريين أو لبنانيين بين أبناء الشعبين ومعيب أيضاً رمي التهم على النازح أو على المواطن اللبناني، فهما ضحيتا سياسات القهر التي شرّدت السوري خارج وطنه واللبناني داخله ولا يزال الحريري يتمسّك بشكلياتها…
التنسيق مع سورية اليوم قبل الغد يا «دولة» الرئيس وبالطريقة التي تراها مناسبة رأفة بلبنان!