طربين: بصمات مجلس الجنوب عوّضت غياب الحكومات

البقاع الغربي ـ أحمد موسى

ها قد شارف الشهر الأول من السنة الدراسية الحالية 2014 / 2015 على الانتهاء، ويوميات اللبنانيين على ما هي عليه، لا بل أسوأ. لم تنته أزمة التقنين القاسي في التيار الكهربائي، لا بل هي آخذة في التأزّم، في ظلّ التجاذبات السياسية، والأخرى بين مؤسسة كهرباء لبنان والعمّال المياومين، ما أثقل كاهل المواطن ذي الدخل المحدود وحتّى ذي الدخل المتوسّط، إذ ترتّبت عليه نفقات إضافية أرهقت ميزانيته الضعيفة.

الأقساط المدرسية، القرطاسية، الثياب الشتوية، المازوت، وتطول لائحة المتطلبات في فصل الشتاء، ليرزح المواطن اللبناني تحت نيرٍ جديد، المتمثل في فواتير أصحاب مولّدات الكهرباء… فواتير تزيد على فواتير الدولة ـ الباهظة أصلاً ـ بأضعاف.

وفي وقت تبدو فيه الحكومة اللبنانية عاجزة عن اتخاذ أي قرار إنمائي، شأنها شأن الحكومات السابقة المتعاقبة. وفي ظل التجاهل الذي احترفه النوّاب في البرلمان عن منطقتي البقاع الأوسط والبقاع الغربي، فإنّ بعض البلديات البقاعية، ومنها بلدية «لالا»، ألغت من «أجندتها» مواعيد لمراجعات ومراسلات وزارة الطاقة والمياه. واختارت هذه البلديات سبيل ما يسمى «الحكم الذاتي في الكهرباء والمياه»، كردٍّ على الاهمال الذي تمارسه الوزارة ودوائرها، وعدم مبالاتها بمطالب البلديات في الحصول على حقها في المياه والكهرباء.

في غضون ذلك، يقف ذوو الدخلين المتوسط والمحدود اليوم أمام معاناة حياتية ومعيشية يومية كبيرة، أبرزها استحقاقات كلاها أمرّ من الآخر. من التقنين في الكهرباء المرشّح إلى الزيادة في المرحلة المقبلة، والمازوت الخاضع لجشع كبار التجار والمحتكرين ومافيا السوق السوداء، وسط انفلات الرقابة وغياب المازوت الأحمر المدعوم للمواطنين، الذي فقد قبل أن يصل. إلى الأقساط المدرسية والقرطاسية الآخذة أسعارها في الارتفاع بفعل فقدان الرقابة وغياب المحاسبة الآخذة في استغلال معاناة الناس والمزايدة عليهم، في وقت أن حكوماتهم المتعاقبة، أفرغت جيوب المواطنين وأصابت القطاعات: الاقتصادي والصناعي والإنتاجي بالإفلاس وصولاً إلى الإقفال.

يأتي خيار «الاستقلالية والحكم الذاتي»، بعد سنوات من المراجعات والمراسلات التي لم تُجد نفعاً، فالمياه لا تزال مقطوعة عن قرى تختزن ملايين الامتار المكعبة ولا تستثمَر، مقابل كهرباء تتزايد ساعات انقطاعها من شهر إلى شهر، حتى وصلت إلى أكثر من 510 ساعات خلال شهر آب الماضي الذي سجّل رقماً قياسياً في معدل ساعات انقطاع التيار في اليوم الواحد، إذ تجاوز 18 ساعة في بعض الايام.

صورة كاريكاتورية

قد يغفل اللبنانيون أنهم يعانون التقنين الكهربائي منذ ما يقارب الاربعين سنة، وأنّ الأمر صار يقترب من الصورة الكاريكاتورية، خصوصاً مع استمرار عجز الحكومة واستمرار ضعف المطالبة الشعبية بتصحيح الوضع الشاذ.

عشرات السنين مضت على اللبنانيين في ظل نظام التقنين الكهربائي، حتى أن أجيالاً لبنانية ولدت وشبّت وشاخت في ظل التقنين الكهربائي. والدولة تبدو غافلة وغير مستعجلة إزاء هذه الحقيقة والواقعة التاريخية التي لا مثيل لها بين دول العالم وعلى مرّ التاريخ المعاصر.

وتقترب هذه الواقعة لتصبح مهزلة تاريخية لا سابقة لها. ويبدو أنّ الخروج من هذه الأزمة ما زال دون أفق مستقبلية محددة. فالدولة التي ارتفع حجم دينها العام ليتجاوز 63 مليار دولار، تبدو عاجزة حتى اليوم عن المعالجة أو السيطرة على هذه الأزمة.

وفي حين يتعايش اللبنانيون مع ظاهرة التقنين الكهربائي، تبقى المطالبة الشعبية في تحسين وضع الكهرباء شبه غائبة أو مغيبة. ويقترب حجم الدعم الذي تقدمه الدولة اللبنانية لشركة الكهرباء من الملياري دولار سنوياً، ما يثقل كاهل الخزينة من دون أن يشفي غليل المواطنين. في حين نرى أن ظروف إنتاج الكهرباء في لبنان تعتبر صعبة جداً وتقترب من الخط الاحمر، أي، المزيد من التقنين.

«لالا» تستغني

أما تأمين الكهرباء البديلة على مستوى مولّدات الكهرباء، فصار يثقل بدوره كاهل المواطن العادي لارتفاع الكلفة الشهرية إلى مستويات يصعب تحمّلها من الشريحة العظمى من اللبنانيين. وكان اللبنانيون بدأوا بالمعاناة من انقطاع الكهرباء منذ انطلاق الحرب الاهلية عام 1975، ولم تستقم الامور على مدى السنوات الـ39 التي مرّت منذ ذاك التاريخ. وترتفع كلفة دعم الكهرباء على الخزينة العامة مع كل ارتفاع أسعار النفط. هذه الأسعار الآخذة في الارتفاع إلى مستويات متقدمة تجاوزت الـ126 دولاراً للبرميل الواحد مقارنة مع 70 أو 80 دولاراً أميركياً قبل سنة تقريباً. فهل فعلت الدولة واجبها إزاء ملفات ملحّة كالكهرباء، كما فعلت بالنسبة إلى ملفات أخرى غير مستعجلة كتمويل «المحكمة الدولية» وتجديد البروتوكول مع المحكمة الدولية واستبدال وزير؟ من البديهي ان الوضع يبدو اكثر صعوبة نظراً إلى حجم التمويل الكبير المطلوب.

يندم رؤساء البلديات البقاعية على كل الاموال والتكاليف الباهظة التي صرفت على مراجعات عمرها سنوات طويلة مع المؤسسات الرسمية، ولم تؤدّ يوماً إلى معالجة واقعهم الحياتي المرير. فالمياه لا تزال مقطوعة في قراهم، والكهرباء لا تصل إلى البقاعيين سوى ساعات قليلة تتناقص من يوم إلى آخر، عدا الأعطال المتكررة في شبكة مؤسسة كهرباء لبنان ومحوّلاتها المحترقة التي تحرق معها أعصاب البقاعيين.

ثمّة بلديات حزمت أمرها وشطبت من قاموسها اسم «مؤسسة كهرباء لبنان»، أقله في مرحلة اليأس من حضور التيار الكهربائي، والتقنين الذي أثقلهم، وأقسمت على عدم التواصل مجدداً مع مؤسسة كهرباء لبنان، فلا الزيارات والمناشدات أوصلت التيار إلى المنازل وخطوط الجر التي تآكلت بفعل السرقة، ولا الاعتصامات امام مؤسسة كهرباء لبنان انتهت بوصول التيار إلى القرى التي تعاني تقنيناً لم تشهده من قبل.

من بين قرى البقاع الغربي، أعلنت بلديات استقلالها عن مؤسسة مياه البقاع، واختارت التزام عملية تأمين المياه كاملة، بعد أن تكبدت في السنوات الماضية مصاريف إصلاح الاعطال، التي تحجم عن إصلاحها المؤسسة، بحجة عدم دفع الاهالي قيمة فواتير المياه، فيما يؤكد رئيس بلدية لالا حسين طربين لـ«البناء»، أنّ الاهالي غير ممتنعين عن الدفع وكل ما هو متوجب عليهم من فواتير للمياه والكهرباء دونما متأخرات، ولكن يريدون مياهاً وكهرباء مقابل الرسوم التي يدفعونها ويسددونها.

تعنّت وحرمان

أمام تعنّت مؤسسة كهرباء لبنان، وفق توصيف طربين، اختارت البلدة بكل فاعلياتها ومغتربيها، وفي مقدّتها البلدية، الانتفاضة لكرامتها والحصول على حقوقها ووقف كلّ التواصل والمراجعات مع المؤسسة والمباشرة بتأمين البديل، عبر إيجاد لجان مشتركة مع الاهالي أفضت إلى خريطة طريق، أوصلتها في نهاية المطاف إلى تأمين البديل عن الكهرباء، عبر المولدات لكل الوحدات السكنية، بعد ان أخذت البلدية على عاتقها مد شبكة كهربائية لتغذية منازل البلدة كاملةً بالتيار الكهربائي ومن دون استثناء وتوزيعها على المنازل.

وأمام ارتفاع أسعار المازوت وارتفاع ساعات التقنين وفواتير المولدات الخاصة، التي تجاوزت 325 ألف ليرة كبدل اشتراك بقوة «5 أمبير»، لجأت بلدية «لالا» إلى ما أسمته «الحكم الذاتي في الكهرباء».

طربين

استقدم رئيس بلدية لالا حسين طربين، بقرار من مجلس البلدية، وبالتعاون مع فاعليات البلدة ومغتربيها، مولّدين لتوليد الطاقة، قوّتهما 1000 KVA ، ورُكّبت شبكة داخلية وصلت كلّ المنازل مع تركيب عدادات، وأقفل نهائياً على باقي المولّدات الخاصة وعملها «المافياوي» والاحتكاري، مع تحوّل 99 في المئة من الاهالي إلى الاشتراك بمولدات البلدية، التي تتراوح فاتورتها ما بين 400 ليرة إلى 500 ليرة عن كل كيلوواط والموضوع قيد الدراسة لتخفيضها تبعاً لبورصة فاتورة المازوت ، ومع مضاعفة قوة الاشتراك تتضاعف القيمة المالية، إلا انها تبقى أقل بضعفين أو ثلاثة أضعاف عما تستوفيه المولدات الخاصة، إذ إنها تستوفي شهرياً 250 ألف ليرة عن كل منزل مشترك بـ«5 آمبير»، و500 ألف ليرة عن كل «10 آمبير»، وفق ما قاله المواطنون في من أبناء بلدة «لالا».

ويؤكد طربين أن المولدات تشتغل بحدود الحاجة المطلوبة لتأمين التيار الكهربائي لأهلنا في البلدة، أي 24/24 والتي قد تصل أو تتجاوز الـ550 ساعة في الشهر، وفقاً لما يقتضيه ظلم كهرباء لبنان و«غيمة» التقنين، التي استفحلت في شرورها على أهلنا والمنطقة.

اختيار «الحكم الذاتي» لتأمين الكهرباء في البقاع الغربي أو بعضه، لم يكن بعيداً عن عشرات القرى البقاعية الاخرى ما بين البقاعين الاوسط والغربي، إذ يسجل «استنساخ» هذا الحل في قبّ الياس والصويري وكامد اللوز والقرعون وراشيا.

«طريق «الجلجلة» مع مؤسسة كهرباء لبنان و«العذابات» من جراء التقنين القاسي، أثرا سلباً على أبناء البلدة التي حرم أهلها من المياه، بسبب عدم تزويد البئر الإرتوازية الوحيدو التي تدفق المياه على القرية، بالتيار الكهربائي، لأنها بحاجة إلى محطة، وتزويدها بخطوط تغذية بالتيار الكهربائي لتشغيلها»، وفق ما قاله طربين الذي مدح مجلس الجنوب كثيراً بشخص رئيسه الدكتور قبلان قبلان، فقال: «لمجلس الجنوب بصمات ناصعة في تنمية البقاع الغربي وراشيا، إن في التنمية ورفع الحرمان، أو في أي شأنٍ آخر. وبلدتنا لالا حظيت بتلك البصمات، بعد أن غابت الدولة وحكوماتها المتعاقبة عن فعل ذلك، فكان لمجلس الجنوب يد في تأمين محطات كهربائية وأعمدة وشبكة جرّ لجزء كبير للبلدة سابقاً، ولا تزال البلدة ومع التوسع العمراني الذي رافقها، بحاجة إلى محطات كهرباء وأعمدة وشبكة جر لتغذية الجزء المتبقي من أحيائها ومنازلها الجديدة، والتي هي بأمسّ الحاجة إلى ذلك، وبذلك يكون مجلس الجنوب قد أوفى البلدة حاجتها من الكهرباء، مع الأخذ بعين الاعتبار، تزويد البئر الإرتوازية بمحطة ومستلزماتها، لتشغيلها وإرواء أبناء البلدة من مياهها.

مواطنون

حسين صفا، مواطن من «لالا»، وجد في مشروع البلدية ولجنة المسجد وأهالي البلدة وفاعلياتها ومغتربيها في توفير مولدين للطاقة الكهربائية 24/24 ساعة، بالخطوة الجيدة والممتازة، في ظلّ معاناة عمرها عشرات السنين. وقال: «كنا قابعين تحت ظلم التقنين القاسي وتحكّم أصحاب المولدات. ونطالب الدولة بإعطائنا الحق في الكهرباء أسوة بالقرى المجاورة التي تحصل على وقتٍ أطول من الكهرباء، كون لالا أعطت مثلهم من أراضيها لليطاني».

ويعلّق «أبو خالد» الذي يملك دكاناً صغيرةً يعتاش منها وأفراد أسرته الخمسة، فيقول: «بسبب هذا التقنين القاسي، أصحاب المولدات لا يشغلون مولداتهم بعد الثانية عشر ليلاً، وفي النهار تتوقف ساعتين، من الرابعة عصراً حتى السادسة، في هذه الاوقات، نضطر لتشغيل مولّدنا الخاص»، ليرفقها بعبارة عتب على الدولة التي كلما تقدّمت السنون، كلما تفاقمت الأزمة: «العالم تتطوّر ووصل للمريخ وعنّا بدل ما يتحسّن وضع الكهربا عم يتراجع»… ما جعله يختصر من المواد الغذائية والفواكه، والبوظة ضمن الاستهلاك اليومي، خوفاً من فسادها في ساعات الليل نتيجة انقطاع التيار.

كهرباء زحلة

وفي ظل الواقع المأساوي الذي تعيشه منطقة البقاع الأوسط، يؤكد مدير عام «شركة كهرباء زحلة» المهندس أسعد نكد أنّ الشركة قادرة على حلّ أمّ المشاكل في البقاع، أي التقنين، وتأمين التيار الكهربائي لكافة المناطق والقرى التي تتغذى من كهرباء زحلة حالياً، وذلك في فترة سنة ونصف السنة، مع التوفير في الأكلاف المالية بنسبة تتجاوز 30 في المئة عما يتكبده المواطن البقاعي، الذي صار ضحية جشع أصحاب المولدات الخاصة، في ظل تقنين مفروض من كهرباء لبنان، تجاوز 18 ساعة يومياً وما يزيد.

مهما كانت الأسباب السياسية والمناطقية والمالية والمادية والمصلحية، التي أدّت إلى توقيف معامل، وحرمان كل لبنان من 40 في المئة من الطاقة الانتاجية 430 ميغاوات ، فإن النتيجة واحدة: تطبيق الشعار المستحكم بالشعب اللبناني منذ الحرب اندلاع الاهلية وحتى اليوم. افتداء الخلافات السياسية إما بالمال العام، وإما على حساب تحميل المواطن، إلى أيّ طائفة انتمى، النتائج والأعباء الاضافية حتى تحقيق المطالب التي لا يعرفها إلا أصحابها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى