صحافة عبرية
كتب كوبي ريختر في صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبريّة:
إدارة ترامب تغيّر موقفها وسياستها تجاه «إسرائيل»، أو أنه لم يكن لها موقف قبل دخول ترامب إلى البيت الابيض وهو يبلور سياسة كهذه اليوم. علينا أن نفهم التغيير وزيادة قيمة «إسرائيل» في تسوية محتملة في ظل فهم ما هي الصفقة المتبلورة.
في محاولة لفهم الصفقة التي يعرضها ترامب على «إسرائيل» وعلى الشرق الأوسط ينبغي أن نميز قبل كل شيء بين رجل الاعمال ترامب، الذي من ناحيته الصفقة هي اتفاق في صالح الطرفين اللذان يعقدانه، وبين ترامب لاس فيغاس الذي الصفقة بالنسبة له هي مصاف الاوراق التي يوزعها الوسيط في الكازينو على اللاعبين.
ترامب، رجل الاعمال الذي يقترح عقد صفقة مع نتنياهو، سيجمع لديه «الذخائر» السياسية التي يحققها مقابل التنازلات التي يجبيها من نتنياهو. أما رجل الكازينو فسيوزع على اللاعبين في الشرق الأوسط أوراقاً تحسن للكازينو وليس بالضرورة لشعبهم.
وعليه، فإن السبيل السليم هو اجراء هذه اللعبة والمفاوضات للصفقة بأنفسنا، مع اوراقنا ومع مصالحنا ومصالح الفلسطينيين بدلاً من مصالح البيت الابيض. من هنا، فإن دولتين بمبادرة «إسرائيلية» هي منح من موقع قوة ينبغي المطالبة به، لا بل ممكن الحصول لقاءه على مقابل ما. قبول لتلك الخريطة تماماً التي يقترحها ترامب، هي استسلام من موقع ضعف لن تلقى لقاءه بالضرورة أي مقابل.
لا وضع يسمح فيه ترامب بدولة غير ديمقراطية مع عرب بلا حقوق اقتراع. هذه ليست صفقة يمكن للطرفين ان يقبلاها إذ هكذا وصف الصفقة التي يسعى اليها في لقائه مع نتنياهو. وعليه، فإننا نسير نحو حل الدولتين أو نحو الصدع مع الولايات المتحدة، التي ستكون أديبة أقلّ ومراعية أقل من أميركا أوباما. لا شك عندي في أن نتنياهو أيضاً يفهم هذا، ولهذا فإن السبب الوحيد الذي يمكن أن يكون وراء دق أعقابه في الرمل هو تفضيله أن يفرض ترامب عليه إخلاء المستوطنات ومقاطعات من البلاد على ألسنة النار من نفتالي بينيت، اذا ما قرر هو نفسه عمل ذلك.
لقد عدنا إلى وضع يكون فيه اعتبار عدد المقاعد التي ستنتقل من «الليكود» إلى «البيت اليهودي» وبين الاعتبار الاستراتيجي لجودة الصفقة التي يمكن تحقيقها للدولة، يكون بينيت هو الحاسم بسبب خوف نتنياهو من معنى الفعل السياسي الصحيح وأثره على نتائج الانتخابات.
في استطلاع جديد أجراه مركز «شتاينتس» في «جامعة تل أبيب» تبين أنه رغم أن 70 في المئة من مواطني «إسرائيل» اليهود يفضلون حل الدولتين على حل الدولة الواحدة، فإن 60 في المئة منهم، وكذا كل مؤيدي الدولة الواحدة، يعتقدون بأن مؤيدي الدولتين يشكلون أقلية. نحن، هذه الغالبية المعتدلة من 70 في المئة، علينا ان نستيقظ ونتصرف كغالبية بدلاً من أن نتنازل ونيأس كأقلية من قدرتنا على التغيير.
أنت، يا رئيس الوزراء، اذا ما تأزرت بالشجاعة، فستحصل على اصواتنا. لا نطلب رأسك بل حكمتك للوصول إلى التسوية الاعظم التي يتحدث عنها ترامب، بمبادرتنا، ونحظى بثمار التسوية الاقليمية من أجل سلامنا واقتصادنا، بدلاً من ابقاء الجائزة لموزع الاوراق من واشنطن، الذي يهمه التعاون مع العالم العربي السني المعتدل وضروري له في صالحه هو ـ وليس في صالحنا. اذا ما حرصنا على توزيع الاوراق بأنفسنا فإن آمالنا في أن نفوز في اللعبة أكبر بكثير. أما إذا تركنا الصفقة لترامب، فإنه سيوزّع الاوراق كما يريد.
بعد بضعة اسابيع، ستمر الذكرى الخمسين لحرب الايام الستة، فتعالوا نستقبلها بالانتقال من النصر إلى الحل ولا نكتفي بهبوط النصر إلى التبطل.
نتنياهو يجب أن يخلي كرسيّه
كتبت كارولينا ليندسمان في صحيفة «هاآرتس» العبريّة:
أوضح بنيامين نتنياهو هذا الاسبوع بأن لديه سياسة. «أنا لست مستعدّاً لأن أقبل التنقيطات»، قال في نقاش حول تقرير «الجرف الصامد» وكان يقصد على ما يبدو انه غير مستعد لأن تتعرّض «إسرائيل» لإطلاق النار او الصواريخ من غزة من دون ردّ. «علينا ان نجدّد الردع، وشحنه بالوقود». اذا كان الغزّيون يتلقون العصا على كل تنقيط للعدوان العسكري من جانب حماس، أفليس جديراً منحهم جزرة على كل تنقيط للبراغماتية السياسية؟
منذ بداية الشهر تنشر أنباء عن أن قريباً سيصدر ميثاق معدل لحماس، تعرب فيه عن موافقتها على قبول دولة فلسطينية على أساس حدود 1967، تميز نفسها عن «الاخوان المسلمين»، تعرّف نفسها «حركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية إسلامية»، تتراجع عن الخط اللاسامي الذي ميز الميثاق الاصلي وتميز بين اليهود شعب الكتاب واليهودية كدين وبين المشروع الصهيوني العنصري والعدواني . فهل أرسل آفيغادور ليبرمان لتقشير بعض الجزر؟ هل يجدر برئيس الوزراء ان يتعاطى بإيجابية مع هذا التغيير؟ ومع ذلك، ميثاق حماس هو ورقة قوية في يد اليمين هل قرأتم ميثاق حماس؟! ، الذي يحاول أن يثبت بأنه ليس هناك مع من يمكن الحديث لأن الفلسطينيين لا يريدون إلا إبادة اليهود.
لقد أوضح المحللون القلائل الذين تعاطوا مع التغيير في الميثاق بأن هذه تغييرات طفيفة، وأن حماس لا ترى في الدولة الفلسطينية في حدود 1967 نهاية لمطالبها، وأنها ملتزمة بمواصلة القتال في سبيل تحرير كل الارض الفلسطينية وأنها لا تعترف بدولة «إسرائيل». وقد نجد لديهم جميعهم تفسيرات براغماتية للتغييرات: «التصريحات المعتدلة لحماس، والرامية إلى عرضها كحركة سياسية مجدية أيضاً لتطلعها للسيطرة ليس فقط على غزة بل وعلى المناطق التي تحت سيطرة السلطة»، كتب أساف جبور في موقع «معاريف». «حماس تريد أن تكون لاعباً سياسياً اقليمياً»، شرح جلعاد شير في موقع «يديعوت». والتغييرات تأتي لتحقيق شرعية دولية، كما أوضح.
إن التجاهل في القدس، حتى قبل النشر الرسمي للميثاق هو استمرار للخط الرفضي الذي يقوده نتنياهو. اما الاعتراف بأيّ تغييرات في حماس فسيقضي على الصورة التي عمل لسنوات على ادخالها في وعي العالم: لا فرق بين السلطة الفلسطينية وحماس وبين حماس و«داعش» وكلهم حيوانات مفترسة. اما توقع الاعتدال السياسي من جانب الفلسطينيين فهو كمثل الوقوف أمام قرد وانتظار عملية النشوء والارتقاء أمام ناظريك ليتحول إلى إنسان.
إن مشروع حياة نتنياهو هو طمس الفوارق بين الفلسطينيين المعتدلين والفلسطينيين المسلحين والإسلام المتطرّف المخيف، والاثبات بأنه ليس هناك ولم يكن ابداً مع من يمكن الحديث، لأنهم لا يتحدثون وإن الامكانية للوصول إلى اتفاق سياسي مع حماس هي أمر هاذٍ مثل التفكير في تسوية مع سورية أو «داعش». ومن يهمه ان كل المحللين يتفقون على أن المحاولة لتحقيق شرعية دولية هي التي تشرح اعتدال الميثاق وأن منظمة معنية بالشرعية الدولية، من حيث التعريف، ليست قابلة للمقايسة مع «داعش».
إن سهام الغضب التي وجهها الاهالي الثكلى نحو رئيس الوزراء في البحث في «الجرف الصامد» منذ أيام في «الكنيست»، اعترضت بالألاعيب بحيث تصيب دافيد بيتان وميكي زوهر. ومرّة أخرى ينجح في الخروج باحترام نسبي، والسماح بالمجرفة الأخلاقية أن تقع على الشرقيين الدوريين، بالضبط مثلما يتسخ حرس الحدود ولواء «كفير» بجرائم الاحتلال فيما أن الطيارين هم صفحة صافية.
هذا خطأ. من المهم تركيز النقد على رئيس الوزراء. هو المسؤول عن ان «الإسرائيليين» يتعاطون مع الحرب في غزة كأمر موسمي. هو المسؤول عن الاحساس بأن غزة هي مستعمرة مصابين بالجذام، وأن من يدخل اليها يموت وحتى سكانها لا أمل لهم في أن يخرجوا منها أحياء. هو المسؤول عن الاحساس بأن لا امل في التغيير. هو الذي يجب أن يخلي كرسيه في صالح احد ما يكون مستعداً لأن يقاتل بنفسه وأن يقلب كل حجر من اجل مستقبل افضل، بدلاً من أن يتطوع بمواطنيه كي يعرّضوا حياتهم للخطر في الحرب من اجل الحفاظ على حكمه.