انطلاق «جائزة الموسيقى العربية» بحفل متواضع على «mtv»
جهاد أيوب
أن نطلق جائزة على مستوى العالم العربي في هذه الظروف المحرجة والمتشتّتة والمنقسمة مغامرة كبيرة. وأن يُعلَن عن جائزة على مستوى العرب وللعرب من لبنان إشراقة جميلة في زمن القحط العربي، والتقوقع الذي أصاب الجميع. لذلك، وبعيداً عن التنظير، والنقد التعجيزي، والتجريح المباشر، ورفض أيّ مبادرة ما لا تتفق مع مصالحنا، وتكسير أجنحة جائزة في دورتها الأولى، لا بدّ أن نحترم الفكرة والانطلاقة والمغامرة، ولملمة الشمل في زمن عربي محرج وموجع، وكل ما فيه مصالح تجارية تبيع الكرامة، وغايات جنسية غرائزية تبرّر الخيانة، وجنون شهرة ترفض الوطنية، وتبرّر بيع الذات فكرياً وإنسانياً وجسدياً.
من الواضح أنّ هذا الحفل المتواضع بتوقيع جهاد المر، انطلاقة للإعلان والإعلام والإشهار ليس أكثر، والسبب تواضع الانتاج، فقر الحضور، غياب النجوم، غياب الإعلان قبل وبعد، وتقنين الإعلاميين والمشاركين، وتواضع العنصر الاستعراضي الذي شارك في فقرات الفنانين المغنّين.
وبعيداً عن ملاحظاتنا الكثيرة، وتحديداً حول مستوى من نال الجوائز، ومستوى بعض الأعمال الفقيرة، لا بدّ من الاعتراف أن حفل «جائزة الموسيقى العربية» الأول كان متواضعاً، ولكنه جميل من حيث الفكرة كما أشرنا آنفاً، وجاء إعداد القليل من فقراته لا بأس، وبعضها الكثير شبه ارتجال، طريقة إعلامية بصرية فقيرة جداً لم نعتدها من قناة «mtv».
توزيعات المسرح لم تكن مدروسة بما وصلتنا، وأزعجت فريق التقديم، والرقص، ومن صعد وخرج من الفائزين ومعلني الجوائز، وكما كان لنقل الصورة مساحة ضيقة لالتقاط زوايا وإضاءة وافتعالات منها ما هو عفوي، ومنها لدواعي نجومية ساذجة من قبل المفتعل.
غالبية الفقرات الفنية التي قدّمت كانت مربكة، ومن الواضح غير مرتجلة لكنها مشربكة فيها مساحة من الفوضى المزعجة، وقد تمر على المشاهد والمتابع، أو يمرّرها، ولكن أن تحدث في «mtv» فهذا غير مقبول. وأحياناً شعرنا أننا أمام هواة.
وبما أن الجائزة في دورتها الأولى لا بدّ أن نسأل إيماناً بأن تبقى، وتكبر، وتتميز، وتنال مصداقية تكاد تكون مفقودة في كل مهرجانات العرب: على أيّ أساس تُمنح الجائزة؟ ما هي معايير المشاركة؟ من يرشّح الأعمال، وهل لديه خبرة ومصداقية؟ لماذا يشارك بعض الأعمال ولا يشارك غيرها؟ ما هي معايير الفوز، وهل هي جمالية أو فكرية أو فنية؟ ما هي مصداقية الإذاعات العربية الخاصة؟ لماذا غالبية الفائزين غابوا؟ وهذا خطأ في الإعداد، ولا يعطي الجائزة انطلاقة قوية، ويسجنها في المحسوبيات والمصالح الشخصية.
نأمل في أن يكون هنالك لجنة سرّية ذات مستوى نقدي وفني وثقافي مسؤول… وأن يجهز للحفل الثاني بجدّية وبعناية ودراية، وبمشاركة النجوم وبالأخص من نال الجائزة … حتى أسرة الراحل ملحم بركات لم تكن حاضرة لتستلم جائزة أبي مجد، وقيل إنها لا تعلم بالجائزة.
غياب النجوم الفائزين أضر بالحفل، وقد يضع علامات استفهام كثيرة من حيث غياب الجدية، وتواضع الإدارة، وغباء المشرفين.
ناصيف زيتون في أميركا، تامر حسني في الطائرة، وفلان لا يدري، وعلان في الحمّام… قول كلام كهذا لتبرير الغياب أفقد الجائزة بمن فيها، وبمن حولها المصداقية.
عدم صعود المطرب وائل جسار إلى المسرح واستلام جائزته، وتبرير ذلك بغيابه، وتعذّر وجوده مع أن الكاميرا صوّرته عشرات المرات جالساً في الصالة الفارغة من الحضور، لا بل المصيبة أن إليسا أكدت من على المسرح أنها تجلس قرب وائل، لكن هذا الأخير خرج من الصالة الفارغة منزعجاً.
المجزرة الكبرى أن يطلب من الكبير والأهم في الحفل صباح فخري الغناء وهو في هذا الوضع الصحي، وأن يغني ابنه بجانبه ولا هذا غنى ولا ذاك فهمنا على غنائه.
وصعود السياسي إيلي الفرزلي لتقدم الكبير صباح فخري اعتبرناها التفاتة جيدة، لكننا صدمنا بطريقة تقديم الفرزلي كما لو لم يحضر كلامه، مع أن الفرزلي يشهد له حسن اختيار مفرداته.
الطريقة السوقية التي تم خلالها سحب المغنّي الطفل غادي بشارة من قبل أحد العاملين من على المسرح معيبة ومخجلة ومقرفة.
نيل عبد الفتاح القريني جائزة عن أغنيته العالمية التي انتجتها «MBC» من أغرب ما يكون، خصوصاً أن الأغنية غير منتشرة، ولم يسمع بها أحد.
من المستغرب أيضاً أن تشارك أغنية واحدة في أكثر من فئة، ومنها أفضل ديو، وأفضل أغنية مصرية لتخسر في واحدة وتربح في الثانية.
تقديم كوكتيل مذيعات مربكات تائهات في التقديم من دون إعداد أو تجهيز من أسوأ ما شاهدناه.
تعمّد تصوير الصالة فارغة من الحضور، والمعازيم، والوجوه الجماهيرية باستثناء من جلس في الصفوف الأمامية غاية بالفشل والجهل التسويقي.
التطاول على الزملاء المصورين من خلال رفض إدارة الحفل بالسماح لهم بالتقاط الصور، والاكتفاء بالجلوس كان سبباً لترك الصالة من قبل الزملاء، ودليلاً آخر على عدم معرفة بأصول تقديم المهرجانات.
نيل إليسا أربع جوائز حالة مستغربة جداً يضرّ بسمعة الجائزة، ويؤكد المحسوبيات خاصة أن الكل في الإعلام وفي محطة «mtv» يعلمون بصداقة إليسا مع أصحاب المحطة وبعض العاملين فيها.
من حق إليسا أن تنال الجوائز، إنّما أربع جوائز في حفل واحد حالة مضحكة ولا تبشّر بمصداقية الجوائز.
كما تعمد إليسا تغييب الملحن والشاعر لأعمالها أقلها أن تشكر مروان خوري حيث تكبر بمشاركتها معه لا العكس، وتهجّمها على رزان بهذه الطريقة، ونكش الماضي ليس في مكانه، ويقدّم إليسا بصورة سلبية كانت بغنى عنها، ونهمس لها ولغيرها أن غالبية الجوائز مدفوعة إما من قبل المغني أو من قبل أصدقاء المغني، وبعضها تصفية حسابات.
وأيضاً، كان المقصود والمتعمد أن تكون إليسا نجمة المهرجان لكثرة صعودها إلى المسرح، فقد تاه عنها التاريخ الذي علّمنا أننا «فينيقيين» وأبدلته بالجغرافيا.
على المسرح كانت فقرة المغنية مايا دياب جميلة، ومتقنة ورشيقة، ولكن مايا بعد ذلك كانت مجرّد وجه حاضر، والتقاط الكاميرا لها كان لرفع العتب.
وجود باسم فغالي بلباس امرأة غريبة الشكل لم يكن مبرّراً، خصوصاً أنّ باسم لم يكن له أيّ دور على المسرح، وفي حفل الجائزة.
قدّم الحفل الشاب محمد قيس، والمخضرمة رزان مغربي، وانسجامهما كان واضحاً، ولم يتسابقا على إلغاء بعضهما كما يفعل غيرهما، ولم يتنافسا على الثرثرة، ولكن محمد تاه أكثر من مرة، ورغم بدلياته الكثيرة، وتعثره بالكلام كان حضوره أنيقاً وجميلاً غير مزعج، ويحتاج إلى جدّية أكثر، ومعرفة بأنه في حفل جوائز، لا في تقديم حفل زفاف.
رازان مغربي لا تزال متألقة، وردّ فعلها على ما صدر من إليسا بحقها كان رائعاً، وصبّ في صالحها، رزان سريعة البديهة والنطق والتواصل من دون جهد وإرباك، عودتها مشرقة وحماسية بحضورها الغني، واثقة، ومع ذلك آثار الزمن واضحة على الوجه، والحزن أوضح رغم الابتسامة الذكية… هي نكهة الحفل الجائزة أحببتها أو لا.
تحية لهذه الجائزة، وأمل المصداقية، ثمّ المصداقية في الاختيار، والابتعاد عن البزنس والمصالح الشخصية والغرائزية… بصراحة، أُنهِكنا من كذبة ودجل وخواء وهبل جوائز مهرجانات تكريمية تخريبية.