العبقرية اللبنانية: العودة للستين تمرّ بجمع الفراغ والتمديد
ناصر قنديل
– تفيد اللغة التي يتداولها المعنيون حول قانون الانتخاب الجديد بلاءات تتقدّم بقوّتها ونبرتها على اللاءات التي تبدو مسلمات نظرياً، فاللا للستين واللا للفراغ واللا للتمديد تبدو ممنوعات أقلّ وزناً من اللا للنسبية الشاملة التي يعلنها الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية، ولو أيّد أحدهما التمديد أو الستين كبديل، وأيد الآخر الفراغ أو الستين كبديل مقابل، والمختلط خرق للدستور وفقاً لحزب الله، سواء بصيغته الاشتراكية أو الصيغ السابقة التي تقدّمت. والبديل هو النسبية الشاملة وإنْ تعذّرت فلا للفراغ والستين تتقدّم على اللا للتمديد، وعند رئيس مجلس النواب وحركة أمل النسبية الشاملة أو المختلط بديل واقعي للستين، لكن لا للتأهيلي المخالف للدستور، واللا للتمديد يمكن تخطيها عندما يصير الفراغ خطراً داهماً، وتيار المستقبل يقبل بالنسبية ولا يرفض التأهيلي ولا يمانع بالمختلط، كي لا يرفض ولا يقبل، لكنه يمشي بالتمديد إذا صار الفراغ حاضراً، ولو بتوزع نوابه على التصويت بما لا يُحرجه مع كلّ من رئيسَيْ الجمهورية والمجلس النيابي.
– الحصيلة الطبيعية للاءات الجدّية والقطعية التي يتبنّاها كلّ طرف هي حصر الخيارات واقعياً بين ما هو قائم، طالما أنّ القيامة التي مرّ عيدها بسلام على لبنان لم تحمل معها قيام قانون جديد، والخيارات القائمة واقعياً هي التمديد الذي دُعي المجلس للتصويت عليه، وليس على أيّ قانون وترك اللاءات تفعل فعلها في التصويت. والبديل الثاني واقعياً هو الفراغ إذا لم ينجح التمديد بنيل الأصوات اللازمة، أو إذا فاز بالتصويت وردّه رئيس الجمهورية وفقاً للدستور، وأعاد المجلس بعد تسلّم الردّ بالتصويت بالأغلبية المطلقة وأقرّه وبقي شهراً من دون أن ينشره رئيس الجمهورية وصار نافذاً قانوناً، لكن من دون اعتراف رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، والبديل الثالث واقعياً هو قانون الستين القائم بصفته القانون النافذ.
– الانقسام حول البدائل الثلاثة والمعلن رسمياً بصفتها لاءات ثلاث، يطرح السؤال حول طبيعة ما سيجري أمام التجاذب الحادّ في الخيارات، وما قد يعنيه من فرضية دخول لبنان السيناريو التالي، بقاء العجز وتقاذف كرة الفشل بتداول المشاريع وسقوطها وصولاً لجلسة الخامس عشر من أيار وإقرار قانون التمديد للمجلس النيابي، تحت شعار أنها تفتح الباب لمواصلة السعي للوصول لقانون جديد، وتمنع الفراغ، ترافقها حملة مواجهة مع التمديد في الشارع يقودها التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، ودستورياً يعلنها رئيس الجمهورية ويمارس بوجه التمديد ما بين يديه من سلطة دستورية تتضمّن سلاحَيْ الردّ وعدم النشر، ولاحقاً عدم الاعتراف بشرعية الناتج الممدّد. وهذا يعني دخول البلاد أزمة دستورية وسياسية كبرى تبلغ ذروتها بعد العشرين من حزيران ونهاية الولاية الممدّدة للمجلس النيابي، فيقع التمديد والفراغ معاً، فريق يرى التمديد شرعياً ودستورياً، وفريق يعتبر أنّ الفراغ قائم، والانقسام سيكون كفيلاً بعدم إمكانية اجتماع المجلس الممدّد له لإقرار قانون جديد بالتوافق والتراضي، لكنه سيعني بالنسبة لفريق الفراغ واجتهاداته الدستورية، الذهاب لانتخاب مجلس جديد خلال ثلاثة شهور، لكن وفق أي قانون؟
– ستدعو الحكومة بعد التمديد والفراغ المتجاورين سياسياً والمتناقضَيْن قانونياً ودستورياً، للانتخابات وفقاً للقانون النافذ، وهو قانون الستين، وسيكون ذلك بالنسبة لجماعة الفراغ، انتصاراً برفض الاعتراف بشرعية التمديد، وسيكون بالنسبة لجماعة التمديد منعاً للفراغ، قبول السير بالانتخابات وفقاً لقانون الستين إثباتاً بأنهم لا يريدون التمديد للتمديد، بل بصفته كان بوليصة تأمين لمنع الفراغ، ريثما تتمّ الانتخابات للمجلس الجديد، وفقاً لأيّ قانون، وسيتنفّس اللبنانيون الصعداء، لأنّ الأزمة انجلت عن صدورهم، ولو أنهم سيعيشون أياماً قاسية اقتصادياً ونفسياً خلال صيف كانوا يأملون أن يكون فسحة تنفس وفرصة إنعاش، ولا يعود مهماً على أيّ قانون تمّت الانتخابات، بقدر ما يكون المهمّ تجاوز الخطر الأكبر بالانقسام الطائفي الذي سيكون في ذروته، وسيتكفل ذلك بشدّ الناخبين لإعادة إنتاج العصبيات وعبرها استيلاد المجلس نفسه، بكلفة غير عالية على الزعامات، خصوصاً أنّ التوتر الطائفي سيريح الزعامات القلقة على شعبيتها من فتح صنايق المال لاسترداد هذه الشعبية،
– إذا صحّ هذا السيناريو… كلّ انتخابات وأنتم بخير.