«التحالف و«داعش»… وفخّ الصمود السوري
خالد العبّود
أمين سرّ مجلس الشعب السوري
البعض ينظر إلى «التحالف» الذي تقوده الولايات المتحدة ضدّ «داعش» على أنه تحالف مستحدث أو أنه تحالف جديد، له أهداف جديدة وتطلعات جديدة، لحماية مصالح لم تكن سابقاً، ويرى هذا البعض أنّ هذا «التحالف» شكّلته الأحداث ولم يكن من صلبها، بمعنى أنّ هناك فرقاً كبيراً بين أن يكون «التحالف» ناتجاً من الصعود في مشهد المواجهة، وبين أن يكون رئيسياً في استراتيجية العدوان على المنطقة، وسورية تحديداً.
إذ إنّنا نعتقد أنّ هناك فعل قطع متعمّداً بين اللحظة التي تحكم مشهد المواجهة وبين مراحل ولحظات سابقة من عمر المواجهة ذاتها، كوننا لا نفصل ولا نقطع مع ما فهمناه وما ذهبنا إليه منذ اللحظة الأولى للعدوان على سورية، باعتبار أنّ شيئاً في عنصر التحالفات التي حكمت خريطة المواجهة لم يتغيّر، فقد ظلّت هذه الخريطة ناظمة لعنصر التحالفات القائمة، ولم يتبدّل شيء على هذا الصعيد وهذا المستوى، غير أنّ مكوّنات في ذات «التحالف» الذي قاد العدوان هي التي تشكو من بعض ما ذهبت إليه «غالبية» مكونات «التحالف» الأخرى، وهو ما يمكن اعتباره نتيجة موضوعية وحقيقية لانقسامات صاعدة وجديد،ة كون الأهداف الرئيسية الجامعة للتحالف ذاته لم تتحقق، في المرحلة الجديدة من عمر التحالف الرئيسي، وبالتالي فإنّ الجامع آنفاً لم يعد جامعاً الآن، وهو ما يمايز الموقف «التركي والقطري» عن باقي مواقف عناصر التحالف الأخرى، الأمر الذي يستدعي إعادة إنتاج الجامع الجديد الذي يقوم بالتأثير إيجاباً على مكونات هذا «التحالف».
لقد أدركت الولايات المتحدة أنّ أهدافاً صاعدة جديدة لأدوات تشكلت على الأرض نتيجة «سيل النار» الذي وفّرت له رئيسياته ووضعت له أهدافه، قد أضحت تشكل واقعاً موضوعياً وحقيقياً له، كون عناصر تشكّله تلك التي بالغت بها الولايات المتحدة، جعلت كتلة ناره مهيئة لالتهام جغرافيات ومناطق ومصالح وأهداف خارج تلك التي تطلعت لها وأعدّته من أجلها!
إنّ هذا المشهد الجديد والمرحلة الجديدة من عمر المواجهة لم يكونا قد تشكلا عبثاً، كون أنّ هناك طرفاً وتحالفاً آخر كان يعد استراتيجيته لمواجهة العدوان عليه، حيث تعامل مع هذا العدوان ومع أدواته بطريقة أخرى مختلفة تماماً، جاءت مغايرة عمّا حسبته وأعدّت له الولايات المتحدة، إذ كانت تظنّ أنها قادرة على التحكم بتلك الأدوات وهذا الحريق، وكانت تظنّ أيضاً أنّها الأقدر على السيطرة الكاملة على الأهداف التي تريد لهذا الحريق أن يلتهمها، ولم تضع في حسبانها أنّ هناك استراتيجية مواجهة كانت تعدّ من قبل الطرف الذي قادت العدوان عليه!
من هنا نرى أنّ عناصر «التحالف» الذي قاد العدوان على سورية والمنطقة لم يتغيّر، وأنّه بدلاً من استعمال أدواته التي أعدّها في هذا العدوان يقوم الآن بنفسه للملمة بقايا هذه الأدوات وأجزاء غير مسيطر عليها من قبله، إذ إنّ معلومات دقيقة لديه تؤكد أنّ مناطق وأهدافاً أخرى تشكل له أولوية مصالح سوف يقترب منها «سيل النار»، وربما يقوم بالتهامها، الأمر الذي دفعه إلى إعادة السيطرة على أدواته التي أضحت ليست في يده بشكل كامل…
نعتقد أنّ هذا الفخ الكبير الذي اقتيد له «التحالف» كان نتيجة صبر هائل واشتغال واسع في الميدان والاستخبارات، وكان نتيجة قدرة فذة على إدارة مختلفة للمواجهة ذاتها، ونتيجة استراتيجية تجاوزت المتَخيل وضعت من قبل «تحالف» آخر كان يواجه العدوان ويدير فعل المواجهة معه…
ونعتقد أنّ «داعش» أداة ميدان استخباراتي تجاوز حدود قدرة التحكم به، وهذا أمر طبيعي في ظلّ استراتيجية مواجهة له تجاوزت عناصر الاستنزاف والمكاسرة، إذ قامت هذه الاستراتيجية على مبادئ أخرى لها علاقة بعناوين مثل الاستجرار والمشاغلة والالتفاف والاختراق وامتصاص تقدمه بحركة ميدانية أثارت شهيته على التقدم والانتصار، وهو الأمر الذي لم يكن في حساب «التحالف» الرئيسي الذي أعدّه من أجل العدوان وتفتيت الدولة السورية، وتكريس وترسيخ تقسيم العراق، فقد اعتقد هذا «التحالف» أن «داعش» لن يتجاوز المجال الحيوي الذي أعدّه من أجله.
في تقديرنا أنّ هذا «التحالف» الذي شنّ العدوان منذ اللحظة الأولى، هو من يتقدم اليوم ليس من أجل أن يحارب «الإرهاب»، وإنما من أجل أن يعيد السيطرة على تجاوزات المجال الحيوي الذي أعدّ من أجله هذا «الإرهاب»، ما يفرض عليه جملة احتمالات لا يمكن أن يتجاوزها، فهو مبدئياً لا بدّ له من أن يذهب لمواجهة «داعش» وأخواته، أملاً في إعادة السيطرة عليها جميعاً، وهو احتمال بسيط جداً، ونعني به احتمال السيطرة، كون «التحالف» ذاته يدرك جيداً أنّ عناصر أخرى فاعلة دخلت على خطوط المواجهة لا يمكن لها أن تعيد تنظيم تلك الأدوات، أو تعيد السيطرة الكاملة عليها، الأمر الذي يدفع باتجاه وضع احتمالات أخرى، وهي احتمالات ليست بعيدة في رئيسياتها من إعادة إنتاج «تحالف» موقت جديد، وهو ما أطلقنا عليه اسم «التحالف السلبي»، من خلال الاشتغال على «داعش» باعتباره عنوان تسوية يمكن أن يتم الذهاب إليه!
نعتقد أنّ هذا الفخ السوري الذي رُتّب على نار هادئة جداً كان يحتاج إلى عقول باردة، على رغم نيران المواجهة وطقس الصيف الحار، ونعتقد أنّه الفخ الذي دفع «التحالف» كي يتواجه علانية مع أدواته التي أراد من خلالها هزيمة الدولة السورية وتفتيتها!