«داعش» والتكفير: الرؤية الإسلامية الصحيحة لرفض غلوّ «داعش» 2
دراسة من إعداد د. رفعت سيد أحمد
إنّ تنظيم داعش لم يكن له أن يستمرّ وينمو دونما نوعين من الدعم: دعم مالي دولي وإقليمي ودعم بالفتاوى الدينية الضالة والمضلة، التى تبرر استحلال الدم والأموال، وتضيع الأوطان باسم الدين والدين براء من ذلك. إن داعش هم خوارج هذا العصر بكل ما للكلمة من دلالات تاريخية وعقائدية، وهم حين قتلوا المسيحيين والأقليات الأخرى، واعتدوا على المسلمين الشيعة والمسلمين السنة داخل سورية والعراق، وحين ذبحوا المراسلين الصحافيين الأجانب وسرقوا، ونهبوا، وباعوا النساء فى أسواق نخاسة جديدة فى الموصل، عندما فعلوا كلّ ذلك كانوا يترجمون عملياً ما تعلّموه من فتاوى ضالة وفقه شاذ يبرر اغتيال الدنيا والدين معاً، فى هذا الفصل نقترب من ذلك المعين الزائف الذى تعلّم وتدرب فيه تنظيم داعش وأخواتها من تنظيمات الفكر المتشدّد، ونقدم أيضاً رؤى الإسلام الصحيح لمواجهة هذا الفكر التكفيري المنحرف، فماذا عن هذا جميعه؟ نجيب من خلال المحاور التالية.
أولاً: معنى الغلو والتطرف:
فى البداية دعونا نضبط المصطلحات التى تدور حول داعش وأولها مفهوم الغلو فى الدين: لا شك أن الغلو في أي شيء يتناقض مع الفطرة وذلك محل إجماع علماء الإسلام الثقاة فى كلّ المذاهب وكذلك محل إجماع شعبي عربي حيث نجد في المثال الشعبي المصري المتوارث إن زاد عن حده، انقلب ضدّه وهو مثل يعبر عن وجدان الشعوب وفطرتها وهذه الأمثال غالباً ما تتوافق مع الدراسات والأبحاث العلمية وحول مصطلح الغلوّ الغلو لغة: مجاوزة الحدّ، ومنه غلا السعر، وغلا القدر لسان العرب، مادة غلا ، والغلو اصطلاحاً: المبالغة والتشدّد في التديّن التي يلزم منها تجاوز ضوابط الدين ذاته وفي فقرة لاحقة الغلو والبدع: فالغلو آفة تصيب التدين ككسب بشري لا الدين كوضع إلهي والدليل على هذا تقارب معنى الغلو ومعنى البدعة، فالبدعة إصطلاحاً هي الإضافة إلى الدين، والمقصود بالدين أصوله لا فروعه، دون الاستناد إلى نص يقيني الورود قطعي الدلالة ، وفي فقرة لاحقة الغلو في الدين والجفاء عنه: والغلو في الدين نقيضه الجفاء عنه، حيث أنّ مضمون الأخير التساهل في التدين الذي يلزم منه التقصير في الالتزام بضوابط الدين، غير أنّ كليهما يلتقيان في المحصّلة عدم الالتزام بضوابط الدين سواء بتجاوزها أو التقصير في الالتزام بها ، وفي فقرة لاحقة يورد الدكتور «صبري» أدلة النهي عن الغلو في الدين حيث يقول أدلة النهي عن الغلو في الدين: قال تعالى: «قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل» المائدة/ 66، وقال الرسول ص «يا أيها الناس إياكم والغلو في الدين، فإنه أهلك من قبلكم الغلو في الدين» ـ رواه أحمد والنسائي وابن ماجه، واللفظ له عن ابن عباس مرفوعاً ـ وقال ص : «هلك المتنطعون» «قالها ثلاثاً»، ويقول النووي في تفسير المتنطعون المتعمّقون المتشددون في غير موضع التشديد وهذا يفيد تأكيد النبي ص على هلاك المغالين في أقوالهم وأفعالهم، وفيه ذم التكلف والتشدق بالكلام، وأن الشدة لا تأتي بخير .
نماذج من الفتاوى التكفيرية التى تمثل مرجعية دينية لتنظيم داعش وأخواتها:
يمتلئ تاريخ الفكر المتشدد بالفتاوى الشاذة التى تبرّر التكفير ورفض الآخر والتعصّب المذهبي، وهى فتاوى مثلت المعين أو المرجع لكل تنظيمات العنف وفى مقدمتها القاعدة وداعش.
إنّ المتجول فى كتب شيوخ التشدد وهم أساتذة ومعلمو داعش يكتشف كماً هائلاً من السبّ والقذف والطعن في حق علماء الأمة ومفكريها قديما وحديثا، فلم ينج أحد من شتمهم بدءاً بأبي حنيفة ومالك مروراً بابن حجر والنووي وأبي حامد الغزالي والفخر الرازي والبيهقي والقاضي عياض وابن الجوزي وابن حزم والترمذي وأبو الوليد الباجي وأبو بكر العربي وابن عقيل والقرطبي والسيوطي فهؤلاء الأئمة بمقاييس المتشدّدين ليسوا من أهل السنة والجماعة كما قال أحدهم في حق ابن حجر والنووي «ليسا من أهل السنة والجماعة» في كتاب لقاء الباب المفتوح ص 42، وإذا وصلنا إلى العصر الحديث فكلّ رجال الإسلام ودعاة النهضة مبتدعين وعلى ضلالة بدءاً من الشيخ رفاعة الطهطاوي والأستاذ الإمام محمد عبده والكوثري والمراغي ومحمود شلتوت وأبو زهرة والغزالي والشعراوي وخالد محمد خالد وعلي جمعة والشيخ أحمد الطيب إلخ.
مما يؤكد أنّ شتم وطعن علماء الأمة خلق أصيل فيهم وليس أخطاء فردية من بعضهم كما يدّعي البعض. وما فعله ويفعله المتشدّدون من أمثال تنظيم داعش والقاعدة والنصرة وأنصار بيت المقدس وغيرهم فى بلادنا، هو عين ما يريده أعداء الأمة وما كان يفعله المستشرقون وأجهزة الاستخبارات الغربية بأنفسهم قديماً، وذلك لإماتة الأمة لأنّ العلماء والمفكرين هم عقلها المفكر وقلبها النابض وقد كفاهم مؤونة ذلك هؤلاء المتشددون وبذلك يبقى للأمة الروؤس الجهال فيتولون قيادتها فيفتون بغير علم فيَضلّون ويُضلّون كما حذرنا صلى الله عليه وسلم.
المذاهب الفقهية
إنّ المتشددين وأتباعهم لا يعيرون المذاهب الأربعة أي إجلال أو تقدير، ولنتأمّل:
موقفهم من الأشاعرة:
هو المذهب الذي تم اعتماده كمذهب أهل السنة والجماعة في العقيدة وهو مذهب الأزهر الشريف وقد تم اعتماده من قبل العديد من فقهاء أهل السنة والحديث ودعم بشكل عام آرائهم وفلسفتهم ومن كبار هؤلاء الأئمة: البيهقي والنووي والغزالي والعز بن عبد السلام والسيوطي وابن عساكر وابن حجر العسقلاني والقرطبي والسبكي والبغوي وابن كثير وغيرهم.
ـ يمثل الأشاعرة الغالبية العظمى من المسلمين، وهم – بالإضافة للماتريدية – يكوّنون القسم الرئيسي من أهل السنة والجماعة
ـ قال الإمام الحافظ الزبيدي في الإتحاف: «إذا أطلق أهل السنة والجماعة فالمراد بهم الأشاعرة والماتريدية»
ـ قال الإمام ابن حجر الهيتمي في الزواجر: «المراد بالسنة ما عليه إماما أهل السنة والجماعة الشيخ أبو الحسن الأشعري وأبو منصور الماتريدي»
ـ قال الإمام الحافظ ابن عساكر في تبيين كذب المفتري: «وأكثر العلماء في جميع الأقطار عليه وأئمة الأمصار في سائر الأعصار يدعون إليه»
فماذا قال المتشددون من أساتذة وشيوخ داعش وأخواتها فى حق مذهب أهل السنة والجماعة؟! تعال معا لنعرف:
1 الدكتور سفر الحوالى: قال عنهم « أنهم أكبر فرق المرجئة والغلاة وهو تيار بدعي يُراد له اكتساح الأمة أهل بدع وضلالات خارجون عن مذهب أهل السنة والجماعة مذهب متناقض تكفيري، فرقة من الفرق الضالة الاثنتين والسبعين» كتاب منهج الأشاعرة فى العقيدة ص 2، 5، 25.
2 الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين: يقول عنهم أن مذهب الأشاعرة لديهم الإيمان مجرد التصديق، ولا يدخلون فيه أعمال الجوارح قالوا: وإن سميت الأعمال في الأحاديث إيماناً فعلى المجاز، لا الحقيقة.
موقفهم من التصوف:
التصوف منهج أو طريق يسلكه العبد للوصول إلى الله عز وجل و«الصوفية» كما عرفها الإمام المحاسبى تعتمد على مقام الإحسان المذكور في السنة المطهرة وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك، وكما عرفها أبو الحسن الشاذلي بأنها منضبطة بالكتاب والسنة، ولذلك فهناك نوعان من التصوف: صوفية سنية وصوفية فلسفية، وغالبية علماء الإسلام المعتبرين مدحوا الصوفية السنية ورفضوا الصوفية الفلسفية. وكذلك عوام المسلمين، فالتصوف عندهم هو الزهد وحسن العبادة.
ولكن المتشدّدين رفضوا وطعنوا وكفروا التصوف بلا تفريق بين النوعين وهذا من غلوهم المعهود. فماذا قالوا:
1 عبد الرحمن الوكيل: «إنّ التصوف أدنأ وألأم كيداً ابتدعه الشيطان ليسخر معه عباد الله في حربه لله ولرسله، إنه قناع المجوس يتراءى بأنه رباني، بل قناع كل عدو صوفي للدين الحق. فتش فيه تجد برهمية وبوذية وزرادشتية ومانوية وديصانية، تجد أفلاطونية وغنوصية، تجد فيه يهودية ونصرانية ووثنية جاهلية». ص19 مصرع التصوف.
هذا ويرى المشتددون أنّ أعلام التصوف السيد البدوي، إبراهيم الدسوقي، أبو العباس المرسي، ابن عطاء الله السكندري، أبو الحسن الشاذلي وغيرهم فى العراق وسورية التى نسفت أضرحتهم ما هم إلا عملاء شيعة باطنيين وأنهم يؤمنون بوحدة الوجود وأنهم أئمة ضلال انخدع بهم كثير من الناس «أنظر شبكة الدفاع عن السنة، بوابة الرد على الصوفية».
ويتهمهم الدكتور سفر الحوالي قائلا: «كان كثير منهم له غرض واضح فى إقامة دولة مجوسية شيعية، والبعض الآخر لم يفكر فى ذلك أو لم يستطع أن يفعل ذلك لكنه أكتفى بغرض هدم الدين وإخراج المسلمين عن الصراط المستقيم» موقع د. سفر الحوالي، التوحيد الحلقة الثامنة . ويطعن عبد الرحمن عبد الخالق فى الإمام عبد الوهاب الشعراني قائلا: «يجمع فى كتابه «الطبقات الكبرى» كل فسق الصوفية وخرافاتها وزندقتها فيجعل كل المجانين والمجاذيب واللوطية والشاذين جنسياً والذين يأتون البهائم عياناً وجهاراً فى الطرقات، يجعل كلّ أولئك وينظمهم فى سلك العارفين وأرباب الكرامات وينسب إليهم الفضل والمقامات «كتاب فضائح الصوفية» ص 16.
أما الدكتور محمد جميل غازي فيصيح قائلا: «كلّ هذا الكتاب الطبقات الكبرى للشعراني يحتاج إلى حرق وإعدام لأنها تشوّش بل تفسد عقيدة المسلم «شريط الصوفية» ج.
ولذلك كانت الترجمة المباشرة لمثل هذه الفتاوى المتشددة، قيام تنظيم داعش والقاعدة والنصرة وأخواتها بعملية تدمير واسعة لأضرحة الصوفية ولقتل الشيعة وكل من يخالفهم فى الرؤية الضيقة حتى من أهل السنة داخل العراق وسورية، كما سبق وأسلفنا فى الفصول السابقة.
جـ العداء للأزهر:
إن متشددي داعش وأخواتها بلا استثناء يحملون ضغينة للأزهر الشريف، وهذا واضح جلي لكلّ من يعرف فكرهم جيداً، فهم ينتقدون العقيدة الأشعرية التى يدرسها الأزهر من ألف عام، وينتقدون طريقة تدريسه للفقه القائمة على تعدّد المدارس الفقهية، ينتقدون احتضان الأزهر لجميع المذاهب الفقهية بلا تعصب أو غلو. ولذلك له غصة في حلوق المتشددين جميعاً فهذا شيخهم ومرجعيتهم فى ديار الشام محمد ناصر الألباني ينتقد الأزهر قائلا: «إنّ الأزهر ليس له عناية بتدريس علم الحديث دراية ورواية، وأكبر دليل على ذلك أننا لا نرى فى هذا العصر محدثا معروفاً مشهوراً بآثاره ومؤلفاته تخرج من الأزهر الشريف «كتاب تحريم آلات الطرب ص 6. وما قاله الألباني في حق الأزهر يوافقه فيه جميع شيوخ التطرف مثل مقبل الوادعى اليمنى والحوينى المصري.
فتاوى شيوخهم ضدّ المسيحيين
إنّ قتل داعش لمسيحيّي العراق وسورية له أسبابه العقائدية وليس السياسية فحسب، فهؤلاء المنحرفون دينياً تتلمذوا على أيدى شيوخ يكرهون المسيحيين ويكفرون الآخر الديني والمذهبي، وسنأخذ مثالاً لهم من متشددي مصر وفتاويهم وهى عينها الفتاوى السائدة لدى داعش فى العراق وسورية. ولولا لطف الله بمصر وشعبها ولولا ثورة 30/6/2013 لكان حال مصر الآن مثل حال العراق وسورية وليبيا، ولكان مصير مسيحيي مصر هو عينه مصير مسيحيي العراق من خطف وقتل ونهب واستحلال دم، فماذا تقول فتاوى متشددي مصر عن المسيحيين والتى تمثل مرجعية لدى كل المتشددين الإسلاميين سواء فى العراق أو سورية أو مصر:
تحريم بناء الكنائس
فى هذا المفهوم ورغم أنه يتصل بقضية خاصة بالدولة فإن لقادتهم آراء مخالفة ولنتأملها:
أبو إسحاق الحويني يقول: «فى ميثاق عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه إذا هدمت كنيسة وسقطت لا ينبغي لها أن تجدد» ويسخر ممن يقول: إن من حق النصارى التبشير بدينهم فى الفضائيات ويقول إن هذا من علامات آخر الزمان» قناة الحكمة برنامج مدرسة الحياة مقطع منشور على اليوتيوب.
أما المدعو فوزى عبد الله فيقول: «يجب عليهم الامتناع من إحداث الكنائس والبيع، وكذا الجهر بكتبهم وإظهار شعارهم وأعيادهم في الدار لأنه فيه استخفافا بالمسلمين. وهذا ما عاهدهم عليه عمر -رضي الله عنه- في كتاب عبد الرحمن بن غـُنم الذي اشتهر بالشروط العمرية». أنظر موقع صوت السلف بتاريخ 13 آب 2008 والموقع بإشراف المدرسة السلفية بالإسكندرية.
فرض الجزية
فى هذه القضية، قضية فرض الجزية نجدهم يصرّون عليها رغم اختلاف الزمان وأسباب النزول، وها هو قائد سلفية الإسكندرية المدعو ياسر برهامي يقول «اليهود والنصارى والمجوس يجب قتالهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون وصاغرون أي أذلاء». أنظر كتابه «فقه الجهاد» ص 29. وها هو أبو إسحاق الحويني يقول بكلّ عجرفة: «يجب أن يدفعها المسيحي يقصد الجزية – وهو مدلدل ودانه» بنص كلامه – شريط «الولاء والبراء».
أما المدعو فوزى عبد الله فيقول «يجب عليهم أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون في كل عام» أنظر موقع صوت السلف بتاريخ 13 آب 2008 والموقع بإشراف المدرسة السلفية بالإسكندرية.
تحريم إلقاء السلام على المسيحيين
فى هذه القضية يقول الداعية السلفى محمود المصري: أفتى بأنه لا يجوز بدأهم – يقصد غير المسلمين- بالسلام ولا حتى القول لهم أهلا أو سهلا لأن ذلك تعظيم لهم أنظر كتابه «تحذير الساجد من أخطاء العبادات والعقائد».
أما محمد اسماعيل المقدم فقد أخذ يلفّ ويدور في تبرير الحديث الصحيح السند الشاذ المتن المخالف للإسلام وأصوله والذى يقول «لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام وإذا لقيتوهم فى طريق فاضطروهم إلى أضيقه» مبرّراً حرمة بدء غير المسلمين بالسلام بأنّ هذا لبيان عزة المسلمين وذلة الكفار». شريط أدب التعامل مع الكفار: عدم تهنئة الأقباط بأعيادهم: فى هذه القضية يقول المدعو صفوت الشوادفي: الشريعة قد حرمت علينا أن نشارك غيرنا فى أعيادهم سواء بالتهنئة أو بالحضور أو بأي صورة أخرى، وجاءت الأثار تنهى غير المسلمين عن إظهار أعيادهم بصفة خاصة أو التشبه بالمسلمين بصفة عامة ومن أشهرها ما ثبت عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه بسند جيد ثم أورد ما يسمى «بالشروط العمرية» – وذلك رغم ضعف سندها ونكارة متنها ومخالفته للقرآن الكريم والسنة الصحيحة بل ويصف هذه الشروط بأنها «وثيقة ثابتة» توضح بجلاء مقدار الفجوة الواسعة بين مسلمي اليوم ومسلمي الأمس.
– أعياد الميلاد الخاصة من البدع المنكرة وعلى المسلمين ألا يقيموها أو يشاركوا فيها أو يرضوا عنها أو يقرّ بعضهم بعضا عليها مجلة التوحيد التى تصدرها جمعية أنصار السنة، وهي جمعية تمثل أحد ركائز السلفية المتشددة فى مصر – العدد 8 صـ 6 المجلد 24 تحت عنوان « أعياد الميلاد «.
أما أبو محمد بن عبد الله بن عبد الحميد الأثري فيقول: لا يجوز أبدا أن تهنّئ الكفار ببطاقة تهنئة أو معايدة ولا يجوز لك أيضاً أن تقبل منهم بطاقة معايدة بل يجب ردها عليهم ولا يجوز تعطيل العمل فى هذا اليوم – يقصد عيدهم -! مجلة التوحيد العدد 8 صـ 20 المجلد 23 تحت عنوان «الاحتفال برأس السنة ومشابهة أصحاب الجحيم».
أما مصطفى درويش فيقول: «إن تهنئة النصارى بأعيادهم حرام، ويستشهد على ذلك بأقوال لابن تيمية وابن القيم»، وبعد ذلك يوجه سؤالاً للمفتي: «هل يحق لمسلم أن يذهب إلى النصارى فى كنائسهم مهنئا لهم بأعيادهم هذه وما يعتقدونه فى هذه الاعياد؟!» – مجلة التوحيد العدد 9 صـ62 المجلد 28 تحت عنوان «سؤال فى رسالة إلى فضيلة المفتي «بقلم: مصطفى درويش.
أما علي عيد فينتقد مسئولي الأزهر والأوقاف وذلك لتوجيههم التهاني للأقباط بمناسبة «عيد القيامة المجيد». وأن ذلك يخالف العقيدة الإسلامية ومحرم شرعاً وينال من سلامة العقيدة الإسلامية. مجلة التوحيد العدد 9 ص 30 تحت عنوان «عيد القيامة المجيد.. ومسائل العلماء» بقلم: علي عيد.
تحريم الوظائف الهامة عليهم
جاء بموقع صوت السلف لسان حال الدعوة السلفية بالإسكندرية وبإشراف د. ياسر برهامي بتاريخ 22 آب 2009:
– أجمع العلماء على أن غير المسلم لا يجوز له أن يتولى الولايات العامة مثل: قيادة الجيش ولا حتى سرية من سراياه ولا يجوز أن يشتركوا فى القتال ولا يتولوا الشرطة ولا أي منصب فى القضاء ولا أي وزارة.
– المساواة المطلقة بين مواطني البلد الواحدة قول يناقض الكتاب والسنة والإجماع.
فقه العنف قديم
وهكذا تتعدد فتاويهم التكفيرية والإرهابية ضدّ المسيحيين أو ضدّ المسلمين، لتؤسّس لثقافة كراهية واسعة، كان من الطبيعى أن تنتج جرائم ضدّ مسيحيي مصر ومسيحيي العراق لاحقاً وأن تؤسس لغيرها من الجرائم، إذا ما بقي هذا التيار المتشدد يرعى فى بلادنا دون مواجهة جادة.
جبهة علماء الأزهر
نموذج آخر للتشدد السلفي
لم يقتصر أمر السلفية، عند حدود ياسر برهامي، والمقدم والحويني ومجلة التوحيد وجمعية أنصار السنة المنتشرة فى ربوع مصر 6 آلاف فرع فهناك أيضاً جمعية وهمية تدار من شقة مفروشة فى الكويت اسمها جبهة علماء الأزهر، وهي للأسف تخترق الأزهر الشريف وتستقطب بعض علمائه ليتحولوا إلى نقيض دعوة الأزهر الوسطية، فيؤسّسون لفكر التكفير ويقودون دعوته وأغلبهم تأثر بالدعوة الوهابية وفتاويها المخالفة لإجماع العلماء ولفقه الأزهر والأشاعرة، ولنتأمل نموذج حقيقى لما يبثه هؤلاء صدر يوم 12/9/2010 إبان أزمة كاميليا شحاته ، وكان موجهاً من هذه الجبهة الوهمية ضدّ الكنيسة المصرية لنتأمل البيان الذى كان تحت عنوان «قاطعوهم» وجاء به «أصبحت الكنيسة المصرية مصدر إرعاب وإرهاب للدولة والأمة… الكنيسة اليوم معلماً من معالم التخريب للوحدة الوطنية وتهديد الأمن… وإلى أن يقوم عقلاء النصارى بما توجبه عليهم الأعراف المستقيمة نحو شيطانهم الأكبر أخذاً على يديه. على جميع المسلمين من الآن لزوم المقاطعة للمصالح المسيحية خاصة المصالح الإقتصادية، فلا يشتري من الصيدليات والمستشفيات والعيادات الخاصة التى يمتلكها النصارى أو يعملون بها.
– مقاطعة محال المصوغات والحُلي من ذهب وغيره، وهى كثيرة ومنتشرة للنصارى فى مصر، ومقاطعة محال الأثاث والموبيليات التى يمتلكها هؤلاء النصارى.
– ومقاطعة مكاتب المحاماة وأمثالها من المكاتب الهندسية والمحاسبة.
– فإن أصرت الكنيسة بعد ذلك على لزوم موقفها من الدولة والملة، فإننا ننذرها بالخطوة الثانية التى ستكون إن شاء الله هي الدعوة إلى المقاطعة الاجتماعية للنصارى جميعاً فى مصر، وإلجائهم إلى أضيق الطرق بمنع المساكنة، وتجريم المجاملة، وعدم بدئهم بالسلام على وفق ما قضى به».
الطريف أنّ تعليق سلفية الإسكندرية الذين خلقوا بأفكارهم مناخ الفتنة التى أدت لمذابح ضدّ المسيحيين، كان كالتالي وفقاً لموقع صوت السلف :
سؤال موجه لياسر برهامي شيخهم : ما رأيكم فى فتوى جبهة علماء الأزهر بخصوص مقاطعة النصارى؟
الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: فبيان جبهة علماء الأزهر بيان ممتاز وقوي، وأتحفظ على بعض ما ذكره تحت «المقاطعة الاجتماعية» حيث جعل منها عدم بدئهم بالسلام ونحوه مشيراً إلى أنّ هذا النوع من المقاطعة لا يجوز إلا مع المحاربين، والصحيح أنها لكلّ كافر، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم فى طريق فاضطروه إلى أضيقه رواه مسلم .
ماذا يعنى هذا الردّ؟ إنه يعني ببساطة أنّ سلفية الإسكندرية مثلها مثل سلفية داعش فى العراق وسورية يعتبرون المسيحيين كفارا وأنه يجب مقاطعتهم ليس فحسب اقتصادياً كما دعت جبهة علماء الأزهر المنحلة بل واجتماعياً أيضاً، وهو الرد الذى أسس مع مئات الفتاوى التى أشرنا لنماذج لها إلى خلق بيئة وثقافة كراهية، جاهزة لإنتاج الانتحاريين والقتلة، باسم الإسلام، وهو ما يتم عملياً الآن فى العراق وسورية من تنظيم داعش الإرهابي وفى مصر من تنظيم أنصار بيت المقدس واجناد مصر وغيرها من التنظيمات التى تخالف صحيح الدين وتتبنى ثقافة التكفير الذى هو مقدمة عملية للقتل باسم الدين والدين براء مما يعتقد هؤلاء السفهاء.
خلاصة القول: إنّ داعش تستمدّ روحها العدوانية من فتاوى دينية متطرفة وشاذة والتى تعود إلى شيوخ متطرفين فى العديد من بلادنا العربية والإسلامية، ولكن علماء الإسلام الثقاة، والأزهر الشريف يرفضونها كما نرى، ولعل هذه المواجهة على صعيد الفكر والفقه المستنير هى السبيل الصحيح لوأد داعش وأخواتها. فى مصر والعراق وسورية…