«سيترين بيروت»… ماء لن ينضب
خليل الحاج علي
ما نفع أن تكون راقصاً؟ وما نفع أن تكون حالماً؟ بين الرقص والحلم غيوم ملبّدة في سماء منطقتنا، لن تزول إلا بانهمار قطرات الغيث.
في لبنان، ثروة مائية تخزّنها أعماق الصخور وأعالي القمم، رغم ذلك تشاهد بين الحين والآخر «سيتيرن» مياه يزوّد سكان بيروت وضواحيها بالمياه الحلوة بعد انقطاعها عنهم.
هكذا أرادها عمر راجح وميا حبيس هذه السنة، إذ جعلا من مهرجان بيروت الدولي للرقص المعاصر خزّاناً يفيض رقصاً وأنغاماً ومحاضرات، وتواقيع وورش عمل وحفلات.
شكّل «سيتيرن بيروت» هذه السنة مساحة لتلاقي أجساد الراقصين مع فكر المتفرّجين، هذا المسرح الفولاذي جديد الصنع والذي سيكون متنقلاً، احتضن الدورة 13 من «بايبود»… الحلم بدأ يتّسع، البداية كانت مع فرقة «مقامات» للرقص المعاصر، بعدها «بايبود»، واليوم «سيترين بيروت».
السبت، قدّم توماس نون رائعة يوريبيدس «ميديا» التي برزت كأكثر قصص الخيانة تأثيراً عبر التاريخ، بعدئذٍ سيقف الجمهور متفرّجاً على تفكيك القطع الفولاذية لـ«سيترين بيروت»، رغم دعم معهد غوتيه في ألمانيا وبعض الجهات الخارجية، سيزول المسرح، نظراً إلى صعوبات مادية تحول دون بقائه مَعْلماً ثقافياً ثابتاً في مكانه… الجمهور يزداد سنوياً، وعروض الرقص ينتظرها اللبنانيون من سنة إلى أخرى، لكن ذلك لا يكفي، دائرة الجمهور يجب أن تتّسع رقعتها لتشمل مساحة لبنان بكامله، يجب أن تنتشر إعلانات الرقص على طول طرقات لبنان، لا في شارعَي الحمرا والجميزة فقط.
الثالث عشر من نيسان كان موعد الافتتاح، نار الحرب الأهلية اللبنانية انطفئت، وتراقص أكثر من مئة فنان على رمادها ضمن 22 عرضاً راقصاً عالمياً، عربياً، ومحلياً… سرقت الفرق العالمية من سويسرا وإيران وبريطانيا وألمانيا وهج النجاح، فيما أتت بعض العروض العربية خافتة.
جعلت فرقة «Dance On Ensemble» المُشاهد في حيرة كبيرة، أجساد تخطّت الأربعين تمزّقت وتنازعت ورقصت على خشبة المسرح، قدّمت أربعة عروض راقصة على مدى ليلتين، واحدة منهما للمسرحي اللبناني ربيع مروة تحت عنوان «ماء بين أيادٍ ثلاث»، تثاقلت الأفكار في العرض، «لكن ما يهمّ هو الشعور ببعض اللحظات التي تبثّ من الحركة الجسدية وليس فهمها»، عبارة ردّدتها لي راقصة إيطالية كانت جالسة إلى جانبي لم أعرف اسمها حتى الآن.
هذه السنة، لم ينسَ «بايبود» تكريم بينا باوتش الراقصة الألمانية عبر تخصيص جناح خاص لأعمالها، وأيضاً أطلق جائزة إنجاز الحياة لعام 2017 لابن مدينة الشمس عبد الحليم كركلا الذي جعل فنّ الرقص مرغوباً وراقياً.
تعلّق الآمال في السنة المقبلة لمشاهدة عروض محلية وطلابية من معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية، التي قد توازي مشاريع تخرّج طلابها بعض ما قدّم من عروض عربية إن لم تكن تفوقها، ربما!
أمّا الأمل الأكبر في أن يشكّل المسرح في لبنان مساحة للأمل والتلاقي، فيجب أن يشهد المسرح في لبنان ثورة ملؤها الجنون والتمثيل والموسيقى والرقص… الحل قد يكمن في الرقص.
إلى عام 2018 نتطلّع، وحتى ذلك الوقت سنبقى محكومين بالملل هذه المرّة من دولة عاجزة عن دعم قطاع المسرح والفنّ، فليسمح لنا سعد الله ونوس!