وطن في عين الإعصار…!

محمد ح. الحاج

أعلم أنّ فلاناً من الناس يملك مصلحة زراعية، وجاره لديه مصلحة صناعية، ورشة، وللدولة مصالحها المنتشرة على طول الوطن وعرضه، لكنني أستغرب القول إنّ أميركا تدافع عن مصالحها في بلادنا…! أين هي هذه المصالح يا صديقي باعتبارك كاتباً ومحللاً سياسياً وأنا لا أرى على الواقع أيّ منها..؟ كان هذا سؤال وتساؤل جاري وصديقي الذي تجاوز الثمانين وهو مجرد عامل بسيط.

ليست المصالح بالضرورة مزارع أو مصانع أو متاجر، قلت متابعاً: المصالح يا صديقي في العرف الدولي غير ذلك كثير، فمثلاً، ما تراه الدول يخدم غاياتها الفعلية هو مصالح، ويربطونها بالأمن القومي لهذه الدول… – الكيان الصهيوني، وجوده، بقاؤه، استمرار توسعه ونموّه غاية أميركية، بذلك هي مصلحة، وكذلك الوجود الأميركي القواعد العسكرية في كثير من دول العالم ومنها عربية لضمان مصالح هذه الدولة في السيطرة على الثروات وأهمّها الطاقة بأنواعها، والأسواق وخصوصاً سوق السلاح، أيضاً هي مصالح هامة، وكلها ترتبط بما يسمّونه الأمن القومي للدولة الأميركية، لكن أهمّ هذه المصالح هي وجود جماعات ترتبط بالعمالة وتقوم على تنفيذ التوجيهات الأميركية في بلادها، هذه الجماعات تكون أغلب مهامها ضدّ مصلحة بلادها، فهي من توفر موطئ قدم عند الحاجة للقوات العسكرية الأميركية والمثال الأقرب هو الجماعات الكردية في الشمال الشرقي السوري التي وفرت الغطاء والتسهيلات للقوات الأميركية التي خرقت حرمة وسيادة الدولة السورية خلافاً للقوانين الدولية ودون تنسيق أو موافقة الحكومة الشرعية، ومن المرجح أنّ الغاية هي ضمان استمرارية الحرب العدوانية التي يتعرّض لها البلد منذ سنوات، في المحصلة هي خدمة لأمن واستقرار العدو الصهيوني، وهكذا يكون الأمر متعلقا بالأمن القومي الأميركي لأنّ الإدارة الأميركية هي الضامن لأمن الكيان المحتلّ أكانت هذه الإدارة جمهورية أو ديمقراطية لا فرق، فهل أصبح الأمر واضحا؟

وما هي الفائدة التي يجنيها بعض الأكراد من العمالة للأميركي؟

للعمالة أسباب ودوافع كثيرة أولها انعدام الإيمان الوطني أو حتى اهتزازه، وتأتي الفائدة المادية على رأس الأولويات والدوافع المال وأيضاً هناك طموح السلطة أو تحقيق استقلال بشكل ما هو في حقيقته انفصال جديد بعد ترسيخ تجزئة الوطن الأصل، القوى الغربية بعد أن نجحت على مدى قرن من ترسيخ وتثبيت مخططها التقسيمي للوطن السوري، تأكد لها وجود قابلية من نوع جديد وعلى قواعد جديدة لتجزئة المجزّأ وتقسيم المقسّم، وطموح بعض الأكراد منطلقه عرقي، رغم إدراكهم عمق العلاقة الاستراتيجية بين عدوّهم التقليدي تركيا وبين حليفهم المؤقت الأميركي، وهم لم يتعلّموا من تجاربهم التاريخية مع هذا الحليف وسواه أنّ مشروعهم العرقي محكوم بالموت ولن يرى النور حسب الواقع الجغرافي ورفض دول المحيط الأربع لمشروعهم، ولو قرأ هؤلاء التاريخ جيدا لأدركوا أنهم ومنذ ما يُقال وما كتب عن جذور المنطقة منذ ابراهيم الخليل أنهم من جذور هذه الأمة، وأنّ أيّ عملية انفصال لا تخدم مصالحهم، أما العودة إلى تاريخ المنطقة فهو الكفيل بتوضيح مجريات ما حصل في العقد الأول والثاني من القرن الماضي حين تعاونت القوى العظمى على تفتيت الامبراطورية العثمانية ثمّ قامت بإرضاء النظام التركي حينها بأجزاء من أرض الوطن السوري، وفيها من كلّ شرائح المجتمع السوري وأغلبها المكوّن الكردي في كلّ من ديار بكر وماردين واورفه وغازي عينتاب وكيليكيا الصغرى، وأيضاً بعد عقدين أو ثلاثة جاء الاستيلاء على لواء الاسكندرون بتواطؤ من سلطة الانتداب الفرنسي، والنضال الحق يكون ضدّ المحتلّ الذي تحميه القوة العسكرية للغرب للمحافظة على احتلاله وتوظيفه عصا غليظة بوجه شعوب المنطقة وعلى رأسها الشعب السوري في كلّ كياناته.

ما يحصل اليوم يا صديقي أنّ في داخل المجتمع السوري جماعات لبّت نداء العاطفة العرقية بسبب الإثارة والتحريض الخارجي، فتجاوزت واجبها بسبب من ضعف تجذّر ثقافتها الوطنية الأهمّ، وهكذا اتجهت إلى حماية التركي العثماني أو الأعرابي، وأيضاً كان من بين الدوافع التعصّب الديني المذهبي الذي عمل رجال الدين والإعلام الدولي المعادي على إيقاظه بكلّ الوسائل فانقلب إلى تنين ينفث ناره، وهكذا أصبح الوطن في عين عاصفة النار!

قبل يومين علمت من صديق في مدينة القامشلي أنّ الدبابات الأميركية تتجوّل في شوارعها، كيف ذلك ولماذا وبأيّ حق؟ سأل صديقي العجوز مستنكراً.

الولايات المتحدة موجودة عسكرياً على الأرض في تركيا وفي العراق، وأيضاً في الأردن والخليج العربي، وقد نأت عن الدخول مباشرة في الشمال السوري زمن أوباما وكانت تقوم بعمليات قصف جوي طاول أغلبها منشآت البنية التحتية السورية، ومواقع الجيش السوري تحت عنوان الخطأ، والادّعاء بمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، ولقد طوّرت تدخلها بعد إقامة علاقات سرية مع شريحة واسعة في الجانب الكردي، وهي تلعب لعبة لن يكون الأخير فيها سوى الخاسر الأكبر وبعد فوات الأوان، أقامت في مناطق قريبة من الحدود المحتلة ديار بكر وماردين مهابط للحوامات ومعسكرات لمشاة البحرية، ثم أنشأت قوات تابعة لها تحت مسمّى قوات سورية الديمقراطية.. اختصاراً – قسد – وسلحتها وموّلتها وهي تخطط لها وتدفعها للقيام بعمليات أغلبها يتناقض والتوجه التركي مما أحرج علاقات الطرفين، الخلاف حول منبج، الرقة وقبلها منطقة السدّ في الطبقة ومحيطهما، ورغم إعلان الأميركي أنّ القوات الكردية لم يعد لها وجود غرب الفرات إلا أنّ أغلبية المجلس العسكري لمنبج هو من الأكراد، ولم يكن ذلك كافياً لعودة العلاقات إلى دفئها مما اضطر إدارة ترامب الجديدة لتطوير عملياتها ودفع البريطانيين والفرنسيين للمشاركة وإنزال قوات ما يمنع تركيا من توجيه ضربات في المنطقة تفادياً للصدام مع حلفائها في الناتو، هذا الوجود الغربي، متطفل وأشبه بالضيف الثقيل، ويطلق السوريون ومنهم أهالي المناطق الشمالية والشرقية سؤالاً مشروعاً لماذا الصمت المشبوه في أوساط تحالف الحرب على الإرهاب والدفاع عن الشرعية، ثم أليس من حق الجانب السوري المنوط به واجب الدفاع عن حدوده التصدّي وضرب قواعد هذه القوات غير المشروع وجودها فسورية لا تقوم بعدوان وإنما هي تضرب قوى غريبة على أراضيها، وإذ تتجوّل المصفّحات والدبابات في شوارع المدينة الأهمّ في منطقة الجزيرة بعد الحسكة فإنّ ذلك يشكل تحدياً وقحاً للقانون الدولي وخرقاً لسيادة دولة مستقلة وانتهاكاً لحرمة حدودها، وإذا ما حصل صدام مع القوات التركية في مكان ما وزمان ما فإنّ ذلك لم يحصل لم يتمّ الإعلان عن أمر كهذا بمواجهة قوى الناتو رغم توسيع انتشارها واستهدافها لرموز الوجود الحكومي الشرعي في تلك المناطق، إنّ عملية قصف بالصواريخ الثقيلة وسقوط قتلى وجرحى في صفوف هذه القوات كفيل بإثارة مشكلة دولية قد تشكل فضيحة لهذه الدول وتدفع شعوبها لثورة احتجاج على هذا التدخل واستنكاره والمطالبة بانسحاب فوري، فلا الأميركان ولا البريطانيون ولا الفرنسيون لهم طاقة احتمال الخسائر البشرية وشعوبهم لها حساسية بالغة تجاه ذلك، ليس مهماً أن نضرب قوات قسد فقط، وهذا قد يتمّ بعد وجود تنسيق روسي غربي، وتحاشي استهداف مناطق وجود تلك القوات، الأكثر أهمية هو ضرب مناطق تجمع القوات المتطفلة الغريبة عن أرضنا وهذا ليس حقنا فقط بموجب القوانين الدولية، بل هو واجبنا الذي لا مبرّر للتهرّب منه، الوطن الذي يحترق نتيجة أشرس وأوسع حرب دولية عليه ما كان ليشكل فريسة سهلة لولا تواطؤ العربان وعمالة بعض شرائح شعبنا المتخلفة المتعصّبة العاجزة عن استقراء وفهم دروس التاريخ لتدرك أنها خاسرة في كلّ الأحوال وأنّ ما تتقاضاه من رشى وأموال سيذهب سريعاً وتذروه الرياح ويبقى الوطن.

تنهّد الرجل العجوز وابتلع ريقه وتمتم… ألهذا يطالب الخارجون من مناطق المصالحات الوصول إلى إدلب أو جرابلس وحسب الحماية لهذه المواقع… تركياً أو سعودياً… أو قطرياً!

اضربوا مواقع تجمع المتطفلين وأذنابهم واصرخوا دون خجل.. اخرجوا أيها الثقلاء من بلادنا لا مكان لكم ولستم موضع ترحيب.

قلت له: أعتقد يا سيدي أننا لم ننجح تماماً في تعميم ثقافة الارتباط بالوطن والخروج من عباءات بالية لا تتناسب معه، كم نحن بحاجة لتعميم ثقافة النهضة وممارسة ما قال به سعاده، وبذلك نتفادى ما حذر منه من خطر يجتاحنا اليوم، لقد نجحت العمائم واجتاحنا فيض تخلفها…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى