عالم العمل ورأس المال وإشكالية الأولويات والإمكانيات

سلام الربضي

انّ كلّ الجهود التي يبذلها السياسيون والاقتصاديون للعثور على بدائل لفرص العمل الضائعة في كافة القطاعات لم تحقق النتائج المرجوة. فكلما ازدادت وتيرة المتاجرة في البضائع والخدمات عبر الحدود الدولية بكلّ حرية، تزداد المصاعب حيث هناك تقليص وترشيد يؤدّيان إلى فقدان العمل البشري قيمته. إذ لا بدّ من الإشارة إلى الإشكالية الأساسية في عالمنا المعاصر حول علاقة التنمية المستدامة بالنمو الاقتصادي وهي:

إشكالية الفجوة بين الأغنياء والفقراء فهل نحن في عصر الاقتصاد من أجل الاقتصاد وليس من أجل المجتمع؟

الوقائع القائمة على مصلحة المواطنين، ستبقى هي المعيار الأساسي لتقييم السياسة الاقتصادية الناجحة. وبناء على ذلك، من البديهي أن تؤدي الهوّة بين دخول أصحاب المشاريع ومُلاّك الثروة من ناحية ودخول العمال من ناحية أخرى إلى تزايد الشكوك حول سلامة المجتمع ووحدته. فإذا كانت التجارة الحرة وانتقال رؤوس الأموال والبضائع والخدمات عبر الحدود، هي التي تحقق النمو والرفاه، وفي حال تمّ تحقيق أهداف منظمة التجارة العالمية بإلغاء القيود الكمية وتوحيد كافة الضرائب الجمركية وجعل العالم منطقة تجارة حرة بحلول العام 2020، فهل هذه السياسات والأهداف سوف تؤدّي إلى تعميق أزمة سوق العمل؟ أم أنها ستكون بمثابة نقطة التغيّر والتحوّل الإيجابي؟

إنّ احتدام المنافسة بين الدول سواء كانت صناعية أم نامية على خفض الأجور لن يؤدّي إلا إلى نتائج وخيمة ولن يزيد من رفاهية المجتمعات، بل سيزيد من تحجّر الوضع الاجتماعي المؤلم. فالتخفيض في الأجور ينعكس على أسعار السلع ويستفيد منه بشكل مباشر المستهلك صاحب الدخل المرتفع، الذي لم يخسر شيئاً يذكر من دخله، في مقابل تخفيض تكلفة الإنتاج. في حين أنّ الطبقات المتوسطة والفقيرة، هي التي تخسر جزءاً من دخلها، وتكون أكثر تضرّراً.

وانطلاقاً من ذلك، لا يمكننا تجاهل جدلية أو معضلة مَن الذي يستوجب عليه تحمّل الأعباء: رأس المال أم العمال؟

فالحكومات ترمي الأعباء الضريبية على كاهل عنصر العمل أكثر فأكثر والإعفاءات والتسهيلات والمنح الضرائبية المقدّمة للشركات، ينتج عنها انخفاض في إيرادات الدولة المالية، والذي تعوّضه عن طريق زيادة الضرائب على الطبقات الاجتماعية الأخرى. أو عن طريق تقليص الخدمات والرعاية الاجتماعية والصحية. فالمعادلة التي كانت أكثر تعبيراً عن اتّساع الهوّة بين الأغنياء والفقراء: الأغنياء يزدادون غنى بينما الفقراء يزدادون فقراً، في ظلّ الوقائع الحالية القائمة، لم تعد تكفي لتوضيح الصورة، حيث من الواضح ظهور صيغة جديدة تقوم على مبدأ: الأغنياء يصبحون أغنى، والفقراء أفقر، وبمعدل أسرع؟

إذ تفاجئنا السرعة الفائقة، في توفير المبالغ الخيالية لحلّ الأزمات المالية والاقتصادية العالمية وتمويل الحروب والنزاعات مقابل التقاعس الشديد الذي يعرف عادة عند تمويل البرامج الإنسانية التي أقرّتها الأمم المتحدة للقضاء على الفقر وتحقيق التنمية المستدامة، والتي ما زالت حبراً على ورق. فهذه الحقائق المأساوية، وبعيداً عن الأبعاد الايديولوجية في مقاربة عالم الاقتصاد تضعنا أمام التساؤل الجدلي المنطقي التالي: هل الإشكالية تكمن في الأولويات والخيارات الاستراتيجية؟ أم هي مسألة الإمكانيات الفعلية المتاحة للدول؟

باحث ومؤلف في العلاقات الدولية ـ اسبانيا

www.salam.alrabadi.blogspot.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى