الإمام: الموت لن يكون نصيب حضارة سورية وتاريخها وعطائها
رانيا مشوّح
إنقاذ، حماية، توثيق، بهذه الكلمات اختصر الشعب السوري والمثقفون السوريون مأساة عاشوها خوفاً من فقدان الذاكرة التراثية، ذاكرة الأجداد، مفخرة الأولاد وإرث القادمين، فهبّوا ولبّوا صرخات الأوابد التي استغاثت مناشدةً سوريّتها العودة إلى النور، خلاصاً من أحضان الظلام ومجرميه. وانطلاقاً من هذا، قامت وزارة الثقافة السورية برعاية الوزير محمد الأحمد، ممثّلةً بالمديرية العامة للآثار والمتاحف، بافتتاح معرض «كنوز التراث السوري… حماية، إنقاذ، توثيق» في القاعة الشامية في المتحف الوطني في دمشق، والذي ضمّ عشرات القطع الأثرية التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، وعدداً من المنحوتات الأثرية.
هذا وقد افتتح المعرض توفيق الإمام معاون وزير الثقافة، الذي صرّح قائلاً: لا بدّ من توجيه الشكر إلى المديرية العامة للآثار والمتاحف والعاملين الذين أصرّوا وصمّموا على إقامة هذا المعرض بدعم ماليّ من وزير الثقافة. عندما شاهدنا هذا المعرض تذكّرنا أنّ سورية هي أقدم بلدان العالم. وشاهدنا معروضات من عصور ما قبل التاريخ، وهناك بعض المعروضات استُعيدت وعُرضت في هذا المعرض، وهناك بعض القطع التي تم ترميمها.
وأضاف: العصابات الإرهابية التي دخلت إلى هذه المناطق حاولت وما زالت تحاول طمس تاريخ سورية. سورية هذا الكنز الحضاري الثقافيّ المميّز على مستوى العالم. هذا المعرض يثبت للعالم أن سورية هي بلاد التراث. ونفتخر بتراثنا السوري العريق الذي كان نقطة تحوّل في العالم. هذا المعرض هو رسالة للعالم بأن سورية هي بلد السلام والمحبة، فلنحافظ على تراثنا الذي هو جزء من عزّتنا من كرامتنا التي نفتخر بها كسوريين. نحن في وزارة الثقافة دائماً مصمّمون على أن نحمي هذا الإرث والتراث والتاريخ ونقف دائماً في وجه العصابات الإرهابية المسلحة وفي وجه من يدعمها. سورية لا تموت، سورية حضارة وتاريخ وعطاء.
وعن الخطوات المتّبعة للمحافظة على التراث السوري، تحدّث إلى «البناء» الدكتور مأمون عبد الكريم مدير عام الآثار والمتاحف في سورية قائلاً: نحن نتحدّث عن النتائج ولا نتحدّث عن المستقبل، نتحدّث عمّا قمنا به من أعمال كانت تهدف إلى حماية التراث الثقافي السوري وإنقاذه وتوثيقه. نحن عرضنا عشرات من القطع الأثرية التي تلقي ضوءاً على حقب مختلفة من التراث الثقافي السوري من عصور ما قبل التاريخ حتى العصور الإسلامية المتأخرة. الحقيقة أنّ هناك مئات الآلاف من القطع التي تمت حمايتها وتوثيقها بطريقة احترافية، نتحدّث في مثل هذا المعرض عن الجهود التي بذلت في سورية لمكافحة تهريب الآثار على المستوى الدولي، ما هي نشاطاتنا الدولية، ما هي نشاطاتنا الداخلية، ماذا فعلنا؟ كما تعلمون هناك عشرة آلاف موقع أثريّ في سورية، وهناك حركة تدمير تلحق بالمواقع الأثرية، وهناك حركة تهريب. ماذا يمكن أن نفعل وماذا فعلنا وما سنفعل؟ وأضاف: هذا المعرض أيضاً يضمّ أعمال التوثيق ثلاثيَّ الأبعاد، التكنولوجيا المعاصرة عن آخر ما توصلت إليه أعمال التوثيق عالمياً نحن قمنا بتطبيقها في هذه الأزمة في عشرات المواقع السورية. مئات الآلاف من الصور الحديثة أُخرجت وخرجت عن المواقع الأثرية.
وعن رسالة المعرض الأهم قال عبد الكريم: هذا المعرض يعطينا رسالة توعوية، رسالة تشجيع لأبناء الشعب السوري: كونوا واثقين أننا أنقذنا هذا التراث السوري لكننا بحاجة إليكم، مؤسّسات حكومية وغير حكومية وجهات محلية، هناك عشرة آلاف موقع أثري في سورية. الحرب ستنتهي يوماً ما، ولكن إنقاذ التراث أبدي، إنّه إنقاذ للأجيال الآتية وهي في نهاية المطاف بالنسبة إلينا الهوية الجامعة، هي التي تجمع كل السوريين بمختلف المناطق. نحن لدينا تاريخ واحد، هذا التراث الغنيّ نتباهى به أمام العالم، من لا يحترم تراثه لن يكون محترماً في عيون الآخرين. هناك تفاعل دولي من خلال المنظمات الدولية، المؤسسات العالمية، العلماء الأجانب، الكلّ يتواصلون معنا من أجل إنجاح خططنا في سورية لأنهم أدركوا ـ رغم مآسي الحرب والدمار ـ أننا أنقذنا هذا التراث. لذلك هم يتواصلون معنا في سبيل إنجاح مقاومتنا الثقافية التي تهدف إلى إنقاذ تاريخ الشعب السوري.
كما حدّثنا يعرب العبدلله مدير المتحف الوطني في دمشق عن أهمية هذا المعرض: منحت المديرية العامة للآثار والمتاحف منذ بدء الأزمة الهدف العام لها حماية التراث السوري على جميع الأراضي السورية، هذه القطع هي من ضمن سياسة حماية التراث منذ بدء الأزمة، سياسة استرداد وإنقاذ القطع الأثرية. قمت بعملية إنقاذ للقطع الأثرية في دير الزور وإنقاذ لموجودات في هذا المعرض. الأهمية الكاملة لهذا الأمر تكمن في إظهار أننا كوزارة الثقافة متمثلة بالمديرية العامة للآثار والمتاحف، هناك فريق تقنيّ لحماية التراث السوري في الميدان.
وعن دور وزارة الداخلية في حماية التراث السوري تحدث إلى «البناء» المقدّم جوني سنجر ضابط ارتباط في وزارة الداخلية مع المديرية العامة للآثار والمتاحف: وزارة الداخلية شريك أساس مع وزارة الثقافة والمديرية العامة للآثار والمتاحف في استرداد القطع الأثرية المنهوبة، والمهرّبة خارج القطر. هذا الدور يلعبه بشكل أساس الإنتربول السوري ـ إدارة الأمن الجنائي ـ فرع الشرطة الجنائية العربية والدولية. والدور الثاني هو الدور الداخلي وهو حماية المنشآت الحكومية التي من ضمنها الآثار والمتاحف، المتحف الوطني. والدوريات التي تقوم بها قيادات الشرطة في كافة المواقع الأثرية هي لحماية المواقع الأثرية.
وأضاف: صفة ضابط الارتباط لتبادل المعلومات السريع كقناة سريعة في هذه الأزمة.
وعن القطع المستردة قال سنجر: التهريب يكمن في أكبر قسم منه، عن طريق الحدود السورية ـ التركية، لكن لا تعاون من قبل المعنيين في تركيا في هذا الموضوع. كما أنهم يلعبون دوراً كبيراً في التستّر على التهريب ودخول العصابات المنظمة التي تعمل في موضوع الآثار. لم يعترفوا ولم يسلّمونا أيّ قطعة. والأمر نفسه مع الحدود الأردنية. وفي العراق لم يسلّمونا، فالوضع لديهم أمنياً سيّئ، ويشكّل إحدى العقبات. التعاون الأساس موجود مع الجانب اللبناني مشكوراً، إذ أعاد أكثر من 70 قطعة، كان لنا دور في وزارة الداخلية في الترفيق ومساعدة المديرية العامة للآثار والمتاحف في استعادته.
وبدوره، حدّثنا الدكتور محمود حمود مدير آثار ريف دمشق ورئيس هيئة الآثار السورية: الحقيقة، إنّ هذا المعرض هو أحد أساليب بثّ الوعي وقيمة التراث السوري العظيم المعروف على المستوى العالمي بأهميته. لكن ـ على المستوى المحلي ـ كثيرين من أبناء وطننا يجهلون هذا التراث، وهذا ما ظهر واضحاً خلال هذه الأزمة، حيث لم يكن جزء كبير من شعبنا بمستوى ما نملك من تراث أثري وثقافي على مستوى العالم. ولذلك فرّطنا في كثير من المواقع، وخصوصاً المواقع التي تقع تحت سيطرة الإرهابيين. فرّطنا بالآثار وبالتراث وبأهمّ ما يمكن أن نملكه من إرث وقيم تضاهي كلّ ثروات العالم المادية، وهي مَعين لا ينضب. تعرّضت هذه الآثار لهجمة بربرية وقد نالت الآثار نصيباً كبيراً مما نال وطننا بكافة قطاعاته من أرض وبشر وشجر وحجر وأثر. تعرضوا لهجمات متتالية متعاقبة من هؤلاء الظلاميين التكفيريين.
وأضاف: تأتي ورش العمل والمعارض التي تقيمها المديرية العامة للآثار والمتاحف لتضيء على ها التراث وما يتعرّض له، وعلى وجوب الحفاظ عليه. كما يبرز أيضاً الاهتمام العالمي. هناك قطع استُرِدّت من خارج القطر عن طريق الدول الصديقة، يجب أن نعمل على صيانة هذه الآثار وحمايتها والحفاظ عليها. ونحن بحاجة إلى ندوات ومعارض كثيرة لبثّ الوعي الأثري وإيصال قيمة هذه الآثار إلى كل إنسان في أعماق البادية وذرى جبالنا لنكون بمستوى ما نملك من آثار وإرث ثقافي إنساني.
أما عن تنظيم المعرض فقد حدّثنا المهندس فراس دعبول رئيس دائرة تطوير المتاحف ونائب شؤون مدير المتاحف: هذه الفعالية تمّت بمباركة الإدارة وتوجيهها لنعكس الجهود التي قدّمتها المديرية والمجتمع المحلي والجهات المختصة في سبيل الحفاظ على الموروث التراثي. انطلقنا من اختيار المكان فوجدنا أنسب مكان، يتمثّل بالقاعة الشامية. فهي جميلة جداً للمشاهدة وسيئة جداً بسبب جمالها الذي سيشتّت اهتمام الناظر. فوجدنا الحل في الاعتماد على فكرة إضاءة المعروض وتحييد هذه الجدران الكبيرة الجميلة ليركّز الزائر على العرض فقط.