ارتباك الجماعات المسلحة بمستقبل العلاقة بالنصرة كشرط لتطبيق التفاهمات تفاهم سياسي ورئاسي لاختبار فرصة التفاهم على الـ«ميقاتي» معدَّل الدوائر
كتب المحرّر السياسي
خلال شهر سيتقرّر مصير مناطق التهدئة التي تم الاتفاق عليها في أستانة بين الثبات على قاعدة فرز مواقع جبهة النصرة عن الفصائل المشاركة، أو انهيار الاتفاق لفشل تركيا في أداء تعهداتها، وخلال شهر سيكون لبنان قد عبر إلى الأمان الانتخابي أو الهاوية، بضوء ما ستخرج به اللجنة الوزارية وتعود بحصيلته إلى جلسة الإثنين الحكومية ومنها إلى جلسات لاحقة، بين تقدّم مأمول لوضع اللمسات التفصيلية والتنفيذية على تعديل دوائر مشروع النسبية المقدَّم من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، أو تعثر قاتل يقف فيه الفرقاء متقابلين عند النقطة والفاصلة لكل المقاعد التي يتطلع الأفرقاء المتقابلون لنيلها، فيسقط البلد نحو الهاوية، سواء بصيغة العودة للستين وموت الآمال بالتقدم أو بالوقوع في الفراغ والعجز والفوضى، قبل عودة إلى ستين كخيار حتمي عندما لا يبقى مجلس نيابي قادر على التشريع.
على مسافة الشهر بشهر لاحق قمة تجمع الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، وفي قلب الشهر قمة أميركية تركية وأخرى أميركية سعودية وثالثة أميركية «إسرائيلية». وفي قلب الشهر اختبارات انتخابية في فرنسا وإيران، تبدو اتجاهاتها الواضحة نحو تمديد العهود القائمة، بولاية ثانية فرانسوا هولاند بفوز امانويل ماكرون وفوز الرئيس الإيراني حسن ورحاني بولاية رئاسية ثانية.
قبل القمة الروسية الأميركية ستتبلور معالم النظام الإقليمي الجديد الذي تبدو تركيا قد حجزت مع إيران المقعدين المتقدمين فيه، وتبدو واشنطن مهتمة بمقاعد الصف الثاني للسعودية و»إسرائيل»، مع تسديد تركي للرصيد المطلوب إسرائيلياً في جلب حركة حماس لخطة سياسية تقودها واشنطن بالتوازي مع تبلور الخريطة الجديدة للشرق الأوسط، وسعي أميركي لتسديد الحصة السعودية من الرصيد الإيراني في اليمن.
الجماعات المسلحة التي انتبهت اليوم أنها مجرد لاعب كومبارس في المشهد الكبير تجلب لجلسات التصوير من دون أن يجري إطلاعها على تفاصيل السيناريو، فارتبكت باشتراط سريان مفعول التهدئة بفرز مناطق سيطرة جبهة النصرة عن المناطق المشمولة بالتفاهمات، لم تستطع أن تجد مَن يغطي تعطيل أستانة. فالمعادلات الكبرى حجز فيها المقعد السوري للدولة وجيشها ورئيسها، حيث أستانة تظهر حجم سيطرة مسمّيات المعارضة على نسبة 10 من مساحة سورية، حيث أقل من 5 من سكانها، ليتقدّم الجيش السوري وحلفاؤه نحو مساحة البادية ويضمها لسيطرته وهي وحدها تشكل 25 من مساحة سورية.
لبنانياً، يبدو الشهر الفاصل عن مطلع حزيران فرصة للتسويات وتفادياً لمأزق يبدو صعباً أن يجد مَن يهتمّ به ويضمّه لجدول الأزمات والتسويات أمام حجم المشاكل العالقة في المنطقة، إلا إذا توهّم أحد في الخارج وهمس لأحد في الداخل أن جرّ لبنان إلى الفوضى يمثل إرباكاً حصرياً لحزب الله وحلف المقاومة، بينما يكون لبنان هو الخاسر، وعندما يبقى لبنان بلا مجلس نيابي ستصاب الحكومة بالشلل ويُصاب العهد بالعجز، فلا رابح عندما يبدأ زمن الخسائر.
مصادر وثيقة الصلة بالاتصالات الرئاسية والسياسية قالت لـ»البناء» إن الاتفاق قد تمّ على منح اختبار التوافق على مشروع قانون حكومة الرئيس ميقاتي مع إدخال بعض التعديلات على حجم الدوائر ودراسة الفرضيات المتاحة لها بين خياري ست دوائر وعشر اللذين طرحهما رئيس المجلس النيابي نبيه بري وخيار ثلاث عشرة دائرة كما ورد المشروع وأقرته الحكومة يومها بموافقة مكوناتها، خصوصاً التيار الوطني الحر وحركة امل وحزب الله أو خمس عشرة دائرة كما أقرت الأحزاب المسيحية بما فيها التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والكتائب وتيار المردة في لقاءات بكركي، أو ست عشرة دائرة كما يطرح مشروع أعدّه تيار المستقبل بطلب من رئيسه رئيس الحكومة سعد الحريري يعتمد توزيع كل المحافظات إلى ثلاث دوائر باستثناء جبل لبنان إلى أربع، ويضمن لتيار المستقبل نتائج أفضل في بيروت بالحدّ من وزن الصوت الشيعي بتوزيعه على دائرتين، وفي الجنوب بعد فصل صيدا وجزين عن دائرة صور والزهراني، ويسوق مسيحياً ودرزياً عبر جعل الشوف وعاليه دائرة وفقاً لطلب النائب وليد جنبلاط وحصر أصوات الثنائي الشيعي في جبل لبنان بدائرة بعبدا لجعل المتن دائرة وحده، كما تطلب القوات اللبنانية ليصير تحالفها مع التيار الوطني الحر متحرراً من الأصوات الشيعية وإغراء الانفراد بها، وفصل زحلة عن البقاع الأوسط وعكار عن طرابلس وفقاً لرغبة ثنائي التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية.
مجلس الوزراء أجمع على رفض التمديد
جُلَّ ما خرجت به جلسة مجلس الوزراء أمس، في موضوع قانون الانتخاب، الإجماع على رفض التمديد للمجلس النيابي الحالي بأي ظرف من الظروف، وطلب تدوين هذا القرار في محضر الجلسة. فهذه الجلسة لم تُحدث أي كوة في جدار الأزمة الانتخابية، بل أبقت على نقاشها في العموميات، فالوزير نهاد المشنوق بصفته وزيراً للداخلية أتى الى الجلسة خالي الوفاض ولم يقدّم أي مشروع انتخاب، وفي إطار تضييع الوقت، تمّ الاكتفاء بالتأكيد أن اللجنة الوزارية المشكلة لقانون الانتخاب، ما زالت قائمة على أن يدعوها رئيس الحكومة سعد الحريري إلى استئناف جلساتها، علماً أن اللجنة هذه ومنذ تشكيلها، لم تجتمع إلا مرة واحدة ولم يتعدّ عملها حدود تبادل النكات السياسية.
أما اللافت في الجلسة، فهو كلام رئيس الحكومة، بأننا على قاب قوسين أو أدنى من إقرار قانون انتخاب جديد، علماً أنها ليست المرة الأولى التي يخرج فيها الحريري ويبشر اللبنانيين بإقرار قانون جديد خلال أسبوع.
وقالت مصادر وزارية مطلعة لـ«البناء» إن «مواقف المكوّنات في الحكومة تلاقت على رفض الفراغ والتمديد والعودة الى قانون الستين، كما أن رئيس الجمهورية طرح موضوع المادة 65 من الدستور كحق دستوري يلجأ اليه مجلس الوزراء في حالات انسداد أفق الحلول والتوافق للخروج من الأزمة، لكن لا يعني ذلك استخدام هذا الحق بل الأولوية للتوافق». ورجّحت المصادر أن «يتم التوافق قبل الجلسة المقبلة على قانون الوزير مروان شربل النسبية الكاملة مع بعض التعديلات في الدوائر وكلام رئيس الجمهورية يوحي بذلك عندما تحدّث عن قانون يحقق عدالة وصحة التمثيل ورفضه مقاربة ملف القانون من منظار طائفي، ما يعني سقوط الصيغ الطائفية وتقدم النسبية».
ولفتت المصادر الى «تفاؤل الرئيس ميشال عون بقرب ولادة قانون جديد، كما إلى ارتياح الرئيس الحريري للمواقف الأخيرة لبعض الأطراف الأساسية في البلد لا سيما رئيس المجلس النيابي نبيه بري برفضه التمديد».
.. وأغلبية رافضة للتصويت
وعلمت «البناء» أن «موضوع التصويت على مشاريع واقتراحات القوانين طرح في الجلسة، لكنه قوبل برفض أغلبية الوزراء». وقال وزير الشباب والرياضة محمد فنيش إن «حزب الله أكد في الجلسة على موقف أمينه العام السيد حسن نصرالله الأخيرة الذي أشار الى ضرورة التفاهم والتوافق على قانون جديد وعلى رفض الفراغ والتمديد».
وعن موقف الحزب إزاء حديث الرئيس عون ووزير الخارجية جبران باسيل عن ضرورة تطبيق المادة 65 من الدستور، أشار فنيش لـ«البناء» إلى أن «الحزب يفضّل التفاهم والتوافق ويدعو الى ذلك في كل اللقاءات والاجتماعات التي حصلت وستحصل ولن يستبق الأمور، لكنه يدعو أيضاً الأطراف كافة إلى بذل مزيد من الجهود للتوافق على قانون وتجنيب البلد الانزلاق نحو الهاوية»، مشدّداً على «أهمية الاستقرار الحكومي في المرحلة الحالية»، مبدياً ارتياحه لـ«أجواء النقاش الهادئ الذي ساد جلسة الأمس».
وجدّد فنيش موقف الحزب بالإصرار على النسبية الكاملة، «الذي يرى فيه القانون الوحيد الذي يؤمن التمثيل العادل مع انفتاح الحزب ومرونته تجاه الدوائر وهذا ما أكدناه في الجلسة»، وأوضح أن «حزب الله يوافق على المشروع التأهيلي في حال حظي بتوافق جميع المكوّنات في البلد، ومع أي قانون يجنّبنا المحظورات الثلاث التمديد والفراغ والستين».
ولفت فنيش الى «أننا اعترضنا على قرار المجلس بإعطاء الأجهزة الأمنية «داتا الاتصالات» لمدة ستة أشهر، لمخالفته القانون، لأن الضرورات الأمنية لا تبرر مخالفة القانون، وإن كان هناك ضرورات أمنية، فيجب وضع قانون يتناسب مع هذه الضرورات»، كما سُجّل اعتراض من الوزير باسيل، على هذا البند الذي أصر رئيس الحكومة على تمريره.
وأشارت مصادر نيابية مطلعة لـ«البناء» أن «من المبكر الحديث عن فرضيات لجلسة 15 أيار المقبل، لكن الحديث عن إيجابيات هدفه إشاعة مناخ تفاؤلي، لكن لا معطيات جديدة حتى الآن توحي بتقدم ولا حتى خطوة واحدة باتجاه التوافق على قانون جديد»، مشيرة الى أن «الأمر يقتصر على بعض الاتصالات الخجولة بين المعنيين من دون إنتاجية، لكن اللقاءات متوقفة والاجتماعات مجمّدة».
وشهدت الجلسة، بحسب ما علمت «البناء» اعتراضاً من قبل الوزيرين طلال أرسلان ومروان حمادة لجهة حقوق الطائفة الدرزية في المواقع والتعيينات في الدولة، بينما شدّد وزراء الحزب التقدمي الاشتراكي على رفض النسبية الكاملة واعتبارها مجحفة بحق مكوّن معين في البلد كما المشروع التأهيلي الذي يؤدي الى التقسيم، بينما أكد ثنائي أمل وحزب الله على «أنهما يؤيدان ما تتوصل اليه اللجنة الوزارية بمسألة قانون الانتخاب».
ودامت الجلسة قرابة 4 ساعات بعد أن غادرها رئيس الجمهورية عند الرابعة عصراً لارتباطه باحتفال بمناسبة العيد الـ66 للجامعة اللبنانية وسلّم الرئيس الحريري رئاسة الجلسة مكانه، وشكّل قانون الانتخاب محور النقاش ثم انتقل الوزراء الى بنود جدول الأعمال الـ 105 التي أقرّت بالكامل.
وأقرّ المجلس البند المتصل بإقامة بديل عن جسر جل الديب على شكل 2 L. أما التجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فطالب وزراء الاشتراكي والقوات بإدراجه على جدول أعمال الجلسة المقبلة.
وكان الرئيس عون قد أكد في بداية الجلسة ضرورة الإسراع في إنجاز قانون الانتخاب، مشيراً الى أن «اللبنانيين ينتظرون أن يعكس القانون حسن التمثيل الحقيقي والعادل ضمن الطوائف»، وقال: «إن أي قانون جديد لن يأخذ من أي طائفة ليعطي أخرى وتجب مقاربة هذا الموضوع بمنظار وطني لا طائفي».
أما الوزير باسيل، فأشار الى أن مجلس الوزراء أجمع على رفض التمديد. وقال: «رسمنا معادلة داخل الجلسة، بين الفراغ والتصويت نختار التصويت».
أما الرئيس الحريري فقال «إننا على قاب قوسين او ادنى للوصول الى حل شامل وكبير، وعلينا الاجتهاد للوصول الى قانون انتخاب، وكنتُ قد أكدت أن حكومتي ستفشل اذا لم نصل الى هذا القانون. نحن امام تحديات كثيرة ويجب أن نستبعد لغة التصعيد التي نسمعها من حين الى آخر. المهم ان نصل الى اتفاق والمواطنون لن يرحمونا اذا استمر الوضع على ما هو عليه، هناك فرصة تاريخية في هذا العهد مع فخامة الرئيس ومع ما يُطرح من صيغ وقوانين لتحقيق مكاسب للمواطنين ولا أظن أن من المفيد إشاعة أجواء سلبية، لأننا نعمل في سبيل الوصول الى نتيجة».
فرنجية: العهد الحالي «واقف»
وأكد رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية «أننا ومنذ وصول الرئيس القوي والذي قاتلنا من أجله مدة 10 سنوات، لم نلمس أيّ تغيير حتى الساعة»، مذكّرا بأنه حين خرج من مجلس النواب يوم انتخاب الرئيس عون قال «انتصر خطنا السياسي»، إلا انّ العهد اليوم يقف في مكانه ولا يتقدّم.
وأوضح فرنجية في حديث تلفزيوني أنّ «عدم توقيع دعوة الهيئات الناخبة من أسباب الفراغ أو التمديد، وهناك فريق يعمل على الشعبوية، وهذا الفريق كان مع قانون الـ 60 بين 2005 و2009، وحينها كان يمثل 70 في المئة من المسيحيين، ونحن كنا من هذا الفريق، والرئيس عون طالب أكثر من مرة بالنسبية دائرة واحدة بحضور الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله»، معتبراً أن «التفاهم مع «القوات اللبنانية» دفع «التيار الوطني الحر» الى التخلي عن النسبية والكلام عن القانون المختلط»، لافتاً الى «أنهم يريدون الحصول على الثلث المعطّل في المجلس النيابي لتخييرنا بانتخاب الرئيس المقبل».
وأكد فرنجية أن «ما يحصل اليوم هو معركة رئاسة وليس معركة قانون انتخاب، ولا مشكلة لدى التحالف المسيحي الآخر مع المسلمين بل معنا نحن «الخوارج» المسيحيين خارج الاتفاق»، مشيراً الى أن «المفاجأة الكبرى كانت موافقة رئيس الحكومة سعد الحريري على النسبية».