سليم الحص يؤنّب المسؤولين: كفى تخاذلاً!
أسامة العرب
فيما يعلن أستاذي دولة الرئيس سليم الحص أطال الله بعمره الذي فاق عمره السبعة وثمانين عاماً الإضراب عن الطعام، تضامناً مع 1800 أسير في السجون «الإسرائيلية»، يصمّ الآخرون آذانهم عن صرخات واستغاثات المستضعفين في فلسطين، كي لا تتأثر مصالحهم الخاصة من ممانعة السياسات الصهيونية العالمية. وفيما يبلغ إضراب الأسرى المفتوح يومه العشرين على التوالي ضمن حملة «إضراب من أجل الحرية والكرامة»، يكاد يتنكّر البعض لوجود إرهاب صهيوني يغتصب أرضنا وقَهر خارجي يفتّت كياناتنا ويُشعل نيران الفتنة في صفوفنا.
وفيما تحتفل حكومة الاحتلال «الإسرائيلي» بـ«تحرير القدس من الغزاة» بمناسبة الذكرى الخمسين لاحتلال وتوحيد الجزءين الشّرقي والغربي من مدينة القدس، في حزيران 1967، وهو ما يُعرف لدينا بذكرى النكسة. ترى أغلبية اللبنانيين والعرب والمسلمين، منشغلين عن القضية إما بسبب مشاريعهم الاقتصادية والتجارية الضخمة وإما بسبب سفرياتهم السياحية المتعدّدة وإما بسبب نشاطاتهم الرياضية المتعدّدة.
وفيما تطلق وزيرة الثقافة «الإسرائيلية» ميري ريغف «عاصفة جديدة» لاستقطاب يهود العالم بأكملهم لعاصمتهم الأبدية «يورشاليم» بحسب تعبيرها، وتصمّم «لوغو» خاصاً بهذه المناسبة، وشعاراً من الرقمين خمسة وصفر بحجم كبير، ورسوماً ترمز إلى النبي داود وأسوار البلدة القديمة لتستقطب سفارات العالم إلى «يورشاليم موّحَدة وموّحِدة». فإنك ترى بالمقابل هرولة عربية وإسلامية للتطبيع مع العدو، وهرولة من أجل الاستسلام بالكامل، وهرولة للتهرّب من واجباتنا الأخلاقية والدينية والإنسانية، وهرولة على الطرقات.
وفيما تفتخر وتعتز حكومة الاحتلال، بأن شعار التحرير المزعوم يُمثل بشكل رمزي وحدة المظليين رقم 55 التي احتلت القدس خلال حرب 1967، واقتحمت بلدتها القديمة والمسجد الأقصى، مردّدة عبارة: «جبل الهيكل بأيدينا»، يتناسى الآخرون بأن لهم مقدّسات تُنتهك وأعراض تغتصب وأطفال تؤسر وأراضي محتلة من المفترض أن تُحرَّر.
ولا أحد ينسى ما حصل في العام 1967، حين دخل الجنرال موردخ ايجور المسجد الأقصى المبارك هو وجنوده، ورفعوا العلم «الإسرائيلي» على قبة الصخرة، وحرقوا المصاحف، ومنعوا المُصلين من الصلاة فيه، وصادروا مفاتيح أبوابه، وأغلقوه على مدى أسبوع كامل منعوا خلاله الصلاة والأذان. ولا أحد ينسى كذلك ما حصل في 21 آب 1969، عندما اقتحم الموساد «الإسرائيلي» باللباس المدني المسجد الأقصى من باب المغاربة مع الوفود السياحية الصباحية التي كانت – وما زالت – تقتحم المسجد الأقصى، ودخلوا المصلّى القبلي، وعندما وصلوا إلى منطقة المحراب ومنبر نور الدين زنكي – المعروف أيضاً بمنبر صلاح الدين – سكبوا مادة حارقة شديدة الاشتعال وأضرموا النيران فيها. ولكن بعد تصاعد ردود الفعل الدولية والإقليمية، نسب الاحتلال الأمر كلّه لشخص عديم الأهلية، على حدّ زعمهم، يُقال بأنهم أبعدوه من البلاد وتوفي في الخارج. إلا أن من المؤسف حينها بأن ردود الفعل العربية اقتصرت على الاستنكار، رغم تشكيل منظمة المؤتمر الإسلامي، وهو ما دفع برئيسة وزراء الاحتلال في حينه غولدا مئير للقول: «عندما حُرق الأقصى لم أبت تلك الليلة، واعتقدت أن إسرائيل ستُسحق، لكن عندما حلَّ الصباح أدركت أن العرب في سبات عميق».
وفيما يقترب موعد نقل السفارة الأميركية للقدس الموحّدة والموحِّدة للصهاينة، وفيما يصل عدد الأسرى في سجون الاحتلال نحو 7000 أسير، وفيما تُمارس أشد ألوان التعذيب بحق الأطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين والعرب والمسلمين، لا تجد مَن يكترث لحالهم؟ ولولا صرخة الرئيس سليم الحص اليتيمة بالمسؤولين، لما استيقظ البعض من سباته العميق ليدرك بأنه مسؤول! وبأن من واجبه كمسؤول أن ينهض لنجدة جاره المظلوم ويتحدّى جبروت الظالم ويُغيثه على الأقل في الهيئات الدولية!
وفيما ترتفع حدّة الاحتفالات الرسمية «الإسرائيلية» لإحياء الذكرى الخمسين لتحرير اليهود للقدس الشريف، داخل الموقع الاستيطاني المسمّى «مدينة داود» في سلوان. وفيما تعلن دولة الاحتلال يوم 24 أيار 2017، بـ«يوم القدس» «الإسرائيلي». وفيما يهرول رؤساء العالم أجمع لزيارة «إسرائيل» في هذا النهار المجيد للتبريك لأصدقائهم «الإسرائيليين» بالذكرى الخمسين لعيد تحرّر القدس منا، نحن الغزاة، ولإعلان نقل سفارات بلادهم إليها! يكاد لا يتجرّأ أحد على استعمال سلاح مقاطعة الدول المتصهينة؟ أو على الأقل على قطع علاقاته بالعدو «الإسرائيلي» أو وقف استرضائه بالهيئات والمناسبات الدولية؟
وفيما تعلن البلدية «الإسرائيلية» في القدس، مطلع الأسبوع الجاري أنها سترفع في شوارع المدينة المختلفة أكثر من 10 آلاف علم. وفيما تُعلن الحكومة «الإسرائيلية» عن الانتهاء من جزء من الحفريات «الإسرائيلية» التي أذابت أساسات المسجد الأقصى بالمواد الكيميائية، إيذاناً منها بالكشف عن النفق الذي يصل بين شمالي سلوان وجبل الهيكل في فترة حكم النبي داود، على حد زعمها. أقف مشدوهاً أمام ما يصدر عن البعض من كلمات معسولة للجبروت الدولي ولمشاريع السلام بالمنطقة، وأكاد لا أجد تعليلاً واحداً من باب تعزية النفس عن السبب الذي يتيح للآخرين الاستمرار بالخضوع والخنوع للدول العظمى، في ظل كل ما يُحاك ضدنا إقليمياً ودولياً من مؤامرات تهدف لتقتيلنا وتشريدنا وإذلالنا.
وعلى الصعيد الدولي، وإن صوّتت اليونسكو التابعة للأمم المتحدة، بأغلبية أكثر من الثلثين لصالح قرار يعتبر القدس مدينة خاضعة للاحتلال «الإسرائيلي» إلا أن هذا القرار كغيره من القرارات الدولية المؤكدة حقوقنا المشروعة يكاد يكون حبراً على ورق، حيث يقول رئيس اللجنة الفرعية للأمن القومي بمجلس النواب رودن دي سانتيس: بأن الرئيس ترامب سوف يُهدي «الإسرائيلي» اعترافاً دولياً بالقدس المحرّرة عاصمة أبدية لهم بالقريب العاجل.
نقول هذا ونتطلّع إلى ما سوف يجري مستقبلاً على ساحة سورية والعراق وليبيا واليمن؟ هنالك ما يشبه الإجماع بين رجال الساسة بأن الدولة العظمى قد اتخذت قرارها بوجوب تقسيم هذه البلاد؟ وبالتالي فألا يقع علينا واجب مواجهة هذه المشاريع التي تهدف لتحويل بلادنا إلى مسلسل من الانفجارات والاغتيالات والانقسامات والتناحر المذهبي والإثني، فيما تقف الدول المستكبرة موقف المتفرّج والمنتظر حصد الغنائم. وعلام يتلطّى البعض وراء شعارات مزيّفة كالحياد أو المستقبل الاقتصادي أو لبنان أولاً، وهل سيبقى لبنان موحّداً فيما لو انتصر مشروع الشرق الأوسط الكبير وسايكس بيكو 2؟ وهل ستكتفي «إسرائيل» حينها باغتصاب مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر؟
إننا لا نبرئ من يربط ما بين الإرهاب وبين الدين الإسلامي في وسائل الإعلام لحصد المكاسب والمغانم الشخصية والمذهبية؟ ولا من يتناسى أن قضية المسجد الأقصى المأسور منذ أكثر من خمسين سنة، هي القضية الدينية الحقيقية؟ وهي التي تجمع ولا تفرّق؟ وهي الأجدر بأن تُبذل الدماء البريئة المستنزَفة من أجلها.
نحن في الوطن العربي والإسلامي، نعيش إفلاساً سياسياً وأخلاقياً ودينياً، حيث نجوم الساحة بلغوا حالة العجز المطبق، أوّلى علامات الإفلاس التخلّي عن القضية الجامعة لنا فلسطين والقدس والمقدّسات، وثانية علامات الإفلاس ترويج البعض منّا لمشاريع سلام مزيّفة، ولمستقبل مجهول وقاتم، ولمصير أسود، وثالث علامات الإفلاس الرضوخ لصوت التهديد والوعيد الدولي، ورابع علامات الإفلاس تباري البعض منا على الساحة في استنفار المشاعر والعصبيات المذهبية والإثنية. وهذا اختراع أميركي يمكن أن تتخذ الدولة العظمى ومعها «إسرائيل» سبيلاً منه للسيطرة على منطقتنا، حيث كانت البداية العراق، والخوف أن يكون لبنان المقاوم هو النهاية.
محام، نائب رئيس الصندوق الوطني للمهجَّرين سابقاً