ماكرون يبدأ تشكيل حكومته بعد فوزه
أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أمس، أنّه سيسلّم السلطة إلى الرئيس المنتخب إيمانويل ماكرون يوم الأحد 14 الشهر الحالي.
وأعلن هولاند عبر التلفزيون موعد المراسم، وذلك على هامش احتفالات «انتصار الحلفاء على ألمانيا النازيّة»، أمام قوس النصر في باريس، ويمثّل يوم 14 أيار، تاريخ انتهاء مدة هولاند الرئاسية.
وبحسب الدستور الفرنسي، رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلّحة، وهو المخوّل بالحقيبة النوويّة. أمّا المادة الـ14، فهي تنصّ على أن «يلعب رئيس الجمهورية دوراً رئيسيّاً على الصعيد الدبلوماسي، وهو من يمثّل فرنسا في الخارج وفي الملتقيات الدولية».
كما يجب على الرئيس العمل على احترام الدستور وتولّي تسيير السلطات العامّة، ويحرص على استمراريّة الدولة، وهو حامي الاستقلال الوطني ووحدة أراضي البلاد.
في السّياق، حضر الرئيس المُنتخب إيمانويل ماكرون مع الرئيس المنتهية ولايته فرنسوا هولاند أمس احتفالات الذكرى الـ 72 لانتصار الثامن من أيار المعروف بعيد «النصر» قبل أن يبدأ بتشكيل حكومته، تمهيداً للانتخابات التشريعية التي ستشكّل امتحاناً بعد فوزه الكبير في الاقتراع الرئاسي.
وسيرافق ماكرون هولاند أيضاً الأربعاء في اليوم الوطني لـ«ذاكرة العبوديّة»، قبل الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء برئاسة هولاند. كما استقال ماكرون أمس من رئاسة حزب «إلى الأمام»، وتمّ استبدال اسم الحزب إلى «الجمهورية إلى الأمام».
وسيكشف ماكرون الذي قام بحملته حول موضوع «التجديد السياسي»، في الأيام المقبلة أيضاً، اسم رئيس وزرائه وتشكيلة الحكومة، اللذين يعتبران من أولى المؤشّرات إلى رغبته في رصّ الصفوف. ولم تستبعد أوساطه أن يختار رئيس وزراء من اليمين.
لكنّه سيخوض أيضاً معركة أساسية جديدة، تتمثّل بتأمين أكثريّة واضحة في الانتخابات التشريعية 11 و18 حزيران ، وهي الوسيلة الوحيدة لتطبيق برنامجه الليبرالي الاجتماعي الذي يسعى في الوقت نفسه إلى «التحرير والحماية».
وقال المحلّل السياسي سيتفان روزيس: «من مسؤوليّته هو أن يقود معركة الانتخابات التشريعيّة كما كان يفعل نابليون في المعارك الصعبة».
وانتُخب ماكرون الأحد بـ 66.06 في المئة من الأصوات، حسب نتائج شبه نهائيّة تشمل 99.99 في المئة من الناخبين المسجّلين، متقدّماً بفارق كبير على منافسته مرشّحة اليمين المتطرّف مارين لوبان 33.94 في المئة ، في دورة ثانية من الانتخابات سجّلت فيها نسبة امتناع كبيرة 25.38 في المئة وغير مسبوقة في اقتراع رئاسي منذ 1969.
وبلغت نسبة الأوراق البيضاء أو اللاغية حوالى 9 في المئة، أي أكثر من 4 ملايين، وهي نسبة قياسيّة في انتخابات رئاسية.
وبين الامتناع عن الاقتراع ووضع ورقة بيضاء، رَفَضَ واحد من كلّ ثلاثة فرنسيّين الاختيار الأحد بين المرشّح الوسطي ومرشّحة اليمين مارين لوبان.
وفي نهاية حملة شهدت تطوّرات كثيرة، أصبح ماكرون البالغ 39 عاماً الرئيس الثامن في الجمهورية الخامسة وأصغر الرؤساء سنّاً في تاريخ فرنسا.
وكان لانتخاب ماكرون صدى إيجابي على اليورو الذي سجّل ارتفاعاً في أسواق المال في آسيا، كما انعكس إيجاباً على بورصة طوكيو، لكنّ المكاسب بقيت محدودة في أسواق آسيا لأنّ النتيجة كانت متوقّعة أصلاً.
في السياق، يدخل إيمانويل ماكرون قصر الإليزيه، ليواجه تحدّياً اقتصادياً كبيراً بسبب الأزمة التي تعاني منها البلاد، لا سيّما في سوق العمل.
ويتوقّع محلّلون اقتصاديون أجرت معهم وكالة «نوفوستي» الروسية لقاء، أنّ الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون، سينفّذ إصلاحات اقتصادية بسوق العمل، وهذا من شأنه تحسين حالة الاقتصاد الفرنسي.
وبرأي جوليان مونسو، محلّل في بنك «أي أن جي»، أنّ انتصار ماكرون «مهمّ لتعزيز الثقة في المنطقة الأوروبية من قبل المستثمرين الدوليّين، وأنّ إصلاحات الرئيس الجديد ينبغي أن تؤدّي إلى زيادة كبيرة في الناتج المحلّي الإجمالي لفرنسا على وجه الخصوص، ليبلغ النمو الاقتصادي نحو 1.7 في 2018».
واعتبر مونسو، أنّ أكثر ملف سيؤرّق الرئيس الجديد ووزير الاقتصاد السابق هو إصلاح سوق العمل في فرنسا، قائلاً: «الشباب حالياً، يعانون من ارتفاع كبير في معدّل البطالة، لذلك يجب إجراء إصلاحات مهمّة أخرى».
وكان نموّ الناتج المحلّي الإجمالي الفرنسي بلغ 1.2 في عام 2016، بينما وصل معدّل البطالة إلى 10.1 ، وهو أعلى من المتوسّط المسموح به لمنطقة اليورو 9.5 ، ووفقاً لتوقّعات المفوّضية الأوروبية، فإنّ معدّل البطالة في فرنسا عام 2017 سيصل إلى 9.9 ، وفي 2018 إلى 9.6 .
وبالنسبة لتأثير فوز ماكرون على الأسواق المالية، قال غيونتير دويبير، رئيس قسم المحلّلين لأوروبا الوسطى والشرقية في مصرف «رايفايزن»، إنّه «لا يتوقّع أن يؤثّر فوز ماكرون بشكل ملحوظ على حركة الأسواق المالية، لأنّ نتائج الجولة الأولى رفعت اليورو أمام الدولار، لكنّه لم يحافظ طويلاً على هذا الاتجاه، إذ عاود تراجعه سريعاً، وكذلك بالنسبة إلى السندات الفرنسية وسندات اليورو».
وتحوّلت أسهم البنوك، الأكثر حساسيّة للعوامل السياسية من القطاعات الأخرى، إلى الانخفاض أيضاً. إذ انخفض مؤشّر بنوك منطقة اليورو 0.7 بعدما سجّل في وقت سابق أعلى مستوى منذ تشرين الثاني 2015.
وهبطت أسهم بنكي «بي.ان.بي باريبا» و»سوسيتيه جنرال» الفرنسيّين أكثر من 1 .
وكان ماكرون قد وعد خلال حملته الانتخابية بخفض معدّلات الضريبة على الشركات تدريجياً من 33 إلى 25 . كما يريد جعل أسبوع العمل في فرنسا الذي يبلغ عدد ساعات العمل فيه 35 ساعة أكثر مرونة، وخفض الضرائب على الإسكان لأغلبيّة الناس.
وتعهّد ماكرون بخفض الإنفاق العام بمقدار 60 مليار يورو أو ما يعادل 66 مليار دولار سنوياً، ويخطّط لمجموعة من الحوافز الاقتصادية بقيمة 50 مليار يورو أو ما يعادل 55 مليار دولار على مدى خمس سنوات.
ورحّب أصحاب العمل الفرنسيّون بانتخابه، لكنّهم يتساءلون عن مدى قدرته على الإصلاح، وخصوصاً على صعيد قانون العمل الذي يشكّل خطاً أحمر بالنسبة إلى عدد من النقابات.
وأشارت الصحافة الفرنسية إلى صعوبات المهمة، مع حركة فتيّة، تفتقر إلى التجربة وليست متجذّرة محلياً. وكتبت صحيفة «ليبيراسيون» اليسارية، أنّ ما جرى كان «انتصاراً تحت الضغط»، لأنّ «النسبة الكبيرة للامتناع عن التصويت، رغم التهديد الذي يمثّله اليمين المتطرّف، هي إشارة إلى عدم ارتياح حيال الرئيس الجديد».