خليل إسماعيل رمَّال

من سوء حظ الأسرى الفلسطينيين المعتقلين لدى دولة الاغتصاب والاحتلال «الإسرائيلي» أنهم يعيشون في هذا الزمن الرديء الذي يحكمه دهاقنة الطغيان والأولاد و«الدونكي شوتيون» من علياء عروشهم الخاوية. فبعد 20 يوماً على إضراب السجناء الفلسطينيين عن الطعام للاحتجاج على المعاملة الدنيئة للعدو في أقبيته النتنة، يكاد العالم لا يسمع بهم، وبالأخصّ العالم العربي الذي كان يلتهب ويشتعل ويهبّ متظاهراً وساخطاً عندما كان يحسّ بإحساس، ولو بسيط، بمظالم الشعب الفلسطيني فيُقدِّس قضيته الوطنية العادلة ويقدِّمها على كلّ القضايا، ولكن رحم الله تلك الأيام التي نتداولها بين النَّاس ورحم الله الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الذي كثرت تسجيلات لخطبه مؤخَّراً على «السوشيال ميديا»، خصوصاً تلك التي يتناول فيها الرجعيَّة العربية المُمثَّلَة انذاك واليوم لا يختلف عن الأمس ببني سعود والمشيخات الغازيَّة في الخليج وبني هاشم في الأردن، ولعلّ أفضل خطاب لعبد الناصر هو الذي يتحدَّث فيه عن جزمة شهداء الجيش المصري في حرب اليمن وتفضيلها على العروش!

لم يحرِّك العالم المنحاز ساكناً ولم ترتفع عقيرة حقوق الإنسان بالصراخ ولم تتأثر إيڤانكا ترامب بوضع الأسرى الإنساني وسط نظام أبارتهايد عنصري وقح، ولم تتألم منظمات العفو الدولية أو حقوق الإنسان على حالتهم. أمَّا شعوب «الربيع العربي» فلا تسأل عنهم، وقد انتصر حكامهم عليهم وفرضوا إرادتهم ولم تعد القضية القومية تعنيهم بعد أنْ دبَّت فيهم الإقليمية والقطرية والمذهبية. صديق نشط على الفيسبوك تحسَّر على قلة «اللايكات» والمشاركة من بين خمسة آلاف صديق، في بوست تحدث فيه عن الأمعاء الخاوية، بينما إذا نشر صورة لشيءٍ ما تحصد آلاف «اللايكات» فكاد يغلق صفحته خوفاً من القرحة! والحقيقة أنّ الوضع العربي المتخلف يسبِّب أكثر من أمراض القرحة والاكتئاب، إزاء هذه «التمْسَحَة» غير المبرّرة تجاه فلسطين ومعاناتها. فلولا وجود بقية من ضمير وعروبة لدى بعض النشطين على وسائل التواصل الاجتماعي والذين بدأوا حملة شرب الماء المالح تضامناً مع الأسرى، جزاهم الله، ولولا إضاءة بعض الإعلام الوطني ومنه «البناء» و«الأخبار» على المعتقلين ولولا إعلان الزعيم الشريف، ضمير لبنان، سليم الحص عن تضامنه بالامتناع عن الطعام وهو في سن 87 عاماً، لما التفت أحد لما يحصل في سجون الاحتلال!

وكم كان توقيت حركة «حماس» متواطئاً ورديئاً أكثر من الزمن العربي نفسه عندما أعلنت عن وثيقتها السياسية متراجعةً عن مبدأ فلسطين من البحر للنهر، لتوافق على قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، تماشياً مع مؤامرة لتصفية القضية من قبل تركيا وقطر التي يستمتع خالد مشعل بضيافتها ويضرب بسيفها متناسياً السجناء الفلسطينيين. «حماس» أرادتْ بهذا التنازل المهين أنْ تزايد على محمود عبَّاس، «الحاّد» على صديقه الجزَّار شمعون بيريز، خصوصاً قبل زيارته لترامب في واشنطن!

هذه إحدى أسباب ابتعاد معظم الشعب العربي، وخصوصاً اللبناني، عن القضية رغم عدم منطقية هذا الموقف… أنظروا مثلاً إلى موقف الرئيس الحص المبدئي إزاء موقف مشعل أو عبَّاس؟ أو موقف السيِّد حسن نصرالله والمقاومة من قضية فلسطين رغم طعن «حماس» وغدرها! وبالمناسبة حفظ السيِّد موقع الدروز وجنبلاط في أي قانون انتخاب جديد بينما هذا الأخير، في أول فرصة له، وصف سلاح المقاومة بـ»سلاح الغدر «فارفع رأسك عالياً يا تيمور» وتعلم معنى الوفاء من سيِّد المقاومة!

وباعتقاد الشعب اللبناني أنَّه لا يريد أنْ يكون ملكياً أكثر من الملك وهو يرى بيع فلسطين في سوق النخاسة الخليجية التركية؟ أو حين يشاهد فئات فلسطينية إرهابية مثل جماعة التكفيري بلال بدر والخطيب وطه والمولوي تعيث فساداً وتخل بالأمن والأمان في مخيَّم «عين الحلوة» والجوار؟!

هذه مواقف للأسف صحيحة ولكن برغم هذه المواجع المعروفة وأكثر، فإنّ قضية فلسطين ليست للفلسطينيين فقط وليسوا المعنيين بها من دون الآخرين، لأنها ستبقى قضية عربية إسلامية مسيحية إنسانية تتعلق بالعدالة الدولية مهما حاول بني سعود وأذنابهم وحليفهم «الإسرائيلي» الجديد طمسها لصالح معاداة إيران التي يريد محمد بن سلمان نقل المعركة إلى داخلها، فليجرِّب إذا كان «ريالاً» وهو غير قادر على مجابهة بواسل الشعب اليمني الذي يملك فقط الشرف والكرامة ولا يملك مال بني سعود ولا وسلاحهم! بن سلمان هذا، الذي لم يأتِ على ذكر فلسطين بكلمة واحدة، خلط الدين بالسياسة في مقابلته المضحِكة فقطع الأمل مع إيران لأنها «تنتظر المهدي» لكن لا ضير بالتعاون مع الصهاينة فهم ليسوا توراتيين تلموديين.

منذ زمن سحيق أعلَم سماحة الإمام المغيَّب السيِّد موسى الصدر رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات بـ»أنَّ شرف القدس يأبى أنّْ يتحرَّر إلا على أيدي المؤمنين الشرفاء». ومع الأيام ثبتت صحة مقولة الإمام الصدر وأي فصيل فلسطيني، مهما كان اسمه وأيديولوجيته، يتخلى عن القدس وعن كامل التراب الفلسطيني لأي سبب من الأسباب، خصوصاً «الواقعية السياسية»، هو خارج هؤلاء الشرفاء وفي صف الخونة. أمَّا أصحاب البطون المتكرّشة والضمائر الخالية فسيحاسبهم الله والتاريخ والشعب مهما طالت «الكوما»، على تفريطهم بالحقوق المقدَّسة لأصحاب الأرض والأمعاء الخاوية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى