بين قطر وهيئة علماء المسلمين… «شنّ» لا يوافق طبقة!
أحمد طيّ
أمام ما يحدث في المنطقة عموماً، وفي لبنان خصوصاً، وبالأخصّ الأخصّ في ملفّ العسكريين وعناصر القوى الأمنية المخطوفين من قبل التنظيم اللاإسلامي «داعش» في جرود عرسال. وأمام المدّ والجزر اللذين يشوبان ما يسمّى «التفاوض» من أجل الإفراج عن المخطوفين. وفي ظلّ «القال والقيل» حول وساطة تنطّحت لها هيئة علماء المسلمين هنا، ووساطةٍ قطرية هناك. أمام كل هذا، جلّ ما يحضرني حكاية تراثية عن رجل من دهاة العرب اسمه «شنّ»، قال ذات يوم: «والله لأطوفنّ حتّى أجد امرأة مثلي أتزوّجها». فبينما هو سائر، التقى رجلاً يركب حماراً، فسأله شنّ: «أين تذهب؟»، فقال: «موضع كذا» القرية التي يقصدها شنّ ، فركب خلفه. وفي الطريق، قال له شنّ: «أتحملني أم أحملك؟». فقال له الرجل: «يا جاهل، أنا راكبٌ وأنت راكبٌ، فكيف أحملك أو تحملني؟». سكت شنّ وسارا حتى إذا اقتربا من القرية، وجدا زرعاً استُحصد. قال شنّ: «أترى هذا الزرع أُكِل أم لا؟»، فقال له الرجل: «يا جاهل، ترى نبتاً مُستحصَداً، فتقول أُكِل أم لا؟». فسكت شنّ حتى إذا دخلا القرية، صادفا جنازةً فقال شنّ: «أترى صاحبَ هذا النعش حيّاً أم ميتاً؟»، فقال له الرجل: «ما رأيت أجهل منك، ترى جنازة فتسأل عنها أميتٌ صاحبها أم حيّ؟»، فسكت شنّ وأراد مفارقته، لكنّ الرجل أبى أن يتركه حتى يصير به إلى منزله، فمضى معه شنّ.
يحكى أنّه كان للرجل بنت يقال لها «طبقة»، فلما دخل عليها أبوها سألته عن ضيفه فأخبرها بمرافقته إياه، وشكا لها جهله وحدّثها بحديثه. فقالت: «يا أبت، ما هذا بجاهل. أمّا قوله أتحملني أم أحملك، فأراد أتحدّثني أم أحدّثك حتى نقطع طريقنا. وأما قوله أترى هذا الزرع أُكِل أم لا، فأراد هل باعه أهله فأكلوا من ثمنه أم لا. وأما قوله في الجنازة، فأراد هل ترك عقباً يحيى بهم ذكره أم لا».
خرج الرجل فقعد مع شنّ وحادثه ساعة ثم قال: «أتحب أن أفسر لك ما سألتني
عنه؟». قال شنّ: «نعم فسّره». وبعدما انتهى الرجل من حديثه قال له شنّ: «ما هذا من كلامك، فأخبرني عن صاحبه».
أخبر الرجل شنّاً عن ابنته، وتقول الحكاية أنّ شنّاً تزوّج الفتاة، وحملها إلى أهله، فلما رأوا أنّها تشبهه أو تفوقه في الذكاء والدهاء قالوا: «وافق شنّ طبقة»!
انتهت الحكاية، ولم ينته الموّال، وما تقديمنا هذه الحكاية لإلصاق الذكاء بأيّ طرفٍ من الأطراف التي تنطّحت للوساطة مع «الدواعش». إنّما لنسقط المثل الشعبي الذي بقي من تلك الحكاية وافق شنّ طبقة ، على بعض هؤلاء الأطراف.
فمن الواضح أنّ «نشوة الزعامة» قد ارتفع «دوزها» لدى قطر، خصوصاً بعد أمرين على غاية من الأهمية. الأول يتمثل في نجاح «المساعي» بالإفراج عن اللبنانيين الذين كانوا مخطوفين في أعزاز السورية. والثاني يتمثل في تلك العنجهية التي رافقت قطر طوال السنوات الثلاث أو الأربع الماضية، عندما كانت ولا تزال تدعم الجماعات الإرهابية في سورية والعراق، لا لشيء، بل من أجل هدف واحد: إسقاط النظام السوري!، وهذا ما عبّر عنه صراحةً وعلناً ومن دون أيّ ذرّة خجل، معظم رجال الأعمال القطريين الذين يدعمون بالمال والسلاح «داعش» والتنظيمات الأخرى.
لكن ما حدث مع قطر أنّ الرياح جرت بما لا تشتهي سفنها، فراعي الإرهاب الأول في العالم أميركا يقاتل «داعش»، والجيران العربان يمتعضون من الدوحة ويسحبون سفراءهم، وما ينقص قطر اليوم، قرار من الأمم المتحدة يدينها بتمويل الإرهاب، وبوادر هذا القرار تلوح في الأفق، خصوصاً بعد صدور القرار رقم 2178 الذي يدعو ـ تحت الفصل السابع ـ إلى «وقف تدفّق المقاتلين الأجانب إلى سورية والعراق».
إذاً، البساط يُسحب من تحت قطر، وهي اليوم تتعلّق بقشّة من أجل حفظ ماء الوجه، خصوصاً بعدما لم تُجدِ مشاركة طائراتها في ضرب «داعش» منذ يومين بأيّ «ثناءٍ» غربيّ. فهل تكون الوساطة من أجل الإفراج عن العسكريين اللبنانيين المخطوفين تلك القشّة؟
ومن الدوحة إلى لبنان، وبعد الاتهامات التي انصبّت على هيئة علماء المسلمين، والغضب الشعبي العارم الذي واجهته، إذ يعتبر اللبنانيون أنّ الهيئة هي المسؤولة عن خطف العسكريين. بعد كلّ هذا مضافاً إلى معلومات عن سقوط الرهان على وساطة قطر وتركيا بعد تحوّل الدولتين من «وسيط» مع «داعش» إلى طرف في التحالف ضدّه، تخرج علينا مصادر في «14 آذار»، وتدعو الحكومة إلى أن تختار بين أن تعيد إطلاق يد هيئة علماء المسلمين، أو أن تتولى التفاوض مباشرة.
أعزائي المصادر، قطر ليست «شنّ»، وهيئة علماء المسلمين ليست «طبقة» كي توافقها، أمّا في «فلسفتكم»، فلا يسعنا إلا أن نقول: «اكتمل النقل بالزعرور»!