قالت له

قالت له: لا تفارقني فكرة الخوف من الموت منذ فارقت صديقتي الأقرب بلا مقدّمات توحي بمرض، ومن دون حادث مفجع أو حرب أو مناسبة، وهي في سنّ تتهيّأ معه للحياة. وكلما تغلغلت في تفكيري صرت أخشى الموت المفاجئ لأحبتي، فأذكرك طيفاً جميلاً أخشى خسارته وتصعب عليّ الدنيا وأشعر بانقباض وقلق تضيع معهما فرص الفرح بيننا. فهل التفكير بالموت يزيد الحبّ قوّة؟

قال لها: التأثر بمناسبة حزينة طبع من طبائعنا. لكن التفكير بالموت يلازمنا. فعراكنا في الحياة سباق مع مجهول آتٍ لا محالة هو الموت الذي لا نعرف متى يداهمنا ويسلبنا متعة الحياة بكلّ مباهجها وأفراحها. فنتمسك بها رغم متاعبها ولا نعرف متى يخطف هذا المجهول من نحبّ ومن اعتدنا أنه بعض من عناصر شعورنا بالأمان، ومن يضفي جمالاً وفرحاً على أيامنا. وهذا يصحّ في الأب والأمّ والأخ والأخت والأبناء والأصدقاء، كما يصحّ على الحبيب. لكن للموت علاقات متعدّدة مع الحبّ.

فقالت: وكيف يختلف ويتغيّر فعل التفكير بالموت مع الحبّ؟

فقال: عندما يكون الحبّ مصدراً للفرح والأمان تأتي فكرة الموت وتداهمنا بقدر من حزن غامض، وتكسو مشاعرنا بوجدانية يسكنها بعض من الدموع أحياناً، فتصبغ الحبّ بما يتخطّى لعبة الفرح وتجعله رباطاً أشدّ قدسية ومصيرية والتزاماً متبادلاً بقيم الوفاء والثبات على العهد. أما عندما تداهمنا فكرة الموت والحبّ قد تحوّل إلى عتاب وعذاب ونشعر بالعمر يذوب بين أيدينا كحبات رمل تنزلق بلا حساب، فنشعر بالقلق من مخاطرة بمزيد من هدر العمر هباء وتبدأ الهواجس تقتحم غرفة الجلوس على العشاق، وتشاركهم خبزهم وسهراتهم وجدالاتهم فيصير السؤال لو كان العمر بلا سقف لما كان القلق، ويصير السؤال المقابل هل يجوز للحبّ أن يصير بعضاً من شفقة خوفاً من موت حبيب؟

فتنهّدت وقالت: أخفتني حتى الموت من تحليلك علاقة فكرة الموت بالعتاب. فهل أنت مررت معي بهذا الشعور؟

فقال: لو فعلت لما وجدتني أصرّح به. وكنت في عداد موتى العشاق الذين غادروا ساحة الحبّ بحثاً عن الحياة خارجها، أو منح الفرصة لحبّ جديد.

فقالت: أتمنى لو أستطيع تصديقك خصوصاً أنني أشعر بسباق الرجال مع الموت سباقاً على أكبر عدد من النساء. وقد وقعت على بعض من هذا بين سطورك.

فقال: كيف يستقيم بيننا حوار بلا اتّهام علنيّ أو مبطّن؟

فقالت: بأن تعرف أنّ أسئلتي هي هواجسي وأنّ أجوبتك هي أنت.

فقال: الموت أسهل من مجادلتك.

وقالت: وخوفي حتى الموت منك.

قال: كخوفنا من الموت يسرق أحدنا من الآخر.

فقالت: نموت معاً.

قال: أو نعيش معاً.

قالت: أموت فيك.

قال: بل عيشي بي.

عانقته ومضيا يضحكان، والموت يضحك من الحبّ، والحبّ يموت غيظاً من الموت.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى