لا بُعدَ لبناني للانتخابات الفرنسية
بلال شرارة
حتى الكاردينال ريشيليو والجنرال ديغول لن يتمكّنا من أن يعيدا فرنسا إلى موقعها القائد في السياسة الدولية، ولا الانتخابات الأخيرة ونتائجها التي حملت إيمانويل ماكرون إلى الاليزيه والتهويل بالخطر الذي تمثله السيدة مارين لوبان، إذا تولّت قيادة فرنسا، باعتبارها ستجرّد بلادها من أعباء الاتحاد الأوروبي.
كذلك لن يزيد فرنسا قوة فوق قوة ترسيخُ اصطفافها في الموقع الأوروبي، كما أنّ فرنسا لن تتمكن من العودة الى مستعمراتها السابقة العربية والأفريقية ، ولن تتمكن فرنسا ولا تحالفاتها الأوروبية الألمانية بشكل خاص من مشاركة الولايات المتحدة الأميركية ولا روسيا في رسم السياسات الدولية المقبلة.
لن يتمكن الرئيس الفرنسي الجديد المنتخب من تجديد شباب فرنسا أو إعادة عقارب الساعة الأوروبية الى الوراء، ولن تتمكن العطورات والمساحيق الفرنسية من طلاء وجه أوروبا العجوز وتجميلها بما يطمس الأخاديد والأحافير التي تركتها السنون والعلامات الفارقة على وجهها والوقائع التي أدّت الى تشظي يوغوسلافيا السابقة ولا نتائج أزمة القرم ولا العاصفة التي تسيطر على العلاقات التركية الأوروبية، وعليه فإنّ الرئيس الفرنسي الجديد لن يتمكّن من إلغاء حكم الإعدام الذي وقّعته الولايات المتحدة الأميركية منذ بريجنسكي على أوروبا العجوز.
تقول مختلف المصادر إنّ مبيعات طائرات رفائيل الحربية خصوصاً إلى الدول العربية والمنافسة على مستوى إنتاج الأسلحة البحرية لن ينعش لا الاقتصاد الفرنسي ولا موقع فرنسا الدولي. وهو ربما يُسهم في إطالة عمر النظامين الاقتصاديين الأوروبي الفرنسي، ولكنّه لن يُعطي فرصة حياة مديدة للنظامين.
لذلك فإنّ الرهان على أدوار فرنسية مقبلة سوف يكون ضعيفاً، ذلك لأنّ الرئيس الجديد سوف يتحمّل الكثير من دون أن يتمكّن من تنفيذ برنامجه الذي استدرج الناخبين إلى تأييده وحمله إلى الاليزيه فالطموح الى تحقيق البرنامج شيء وتحقيقه شيء آخر.
على الصعيد الداخلي هل سيتمكن الرئيس ماكرون من تخفيض النفقات العامة خلال خمس سنوات بقيمة 60 مليار يورو؟ وهل سيتمكن من إلغاء 120 ألف وظيفة رسمية ومن ثم تخفيض الأعباء على الرواتب؟ وتخفيض الضرائب على الشركات وتحويل الضريبة على الثروة الى ضريبة على العقارات؟
وعلى المستوى الأوروبي:
هل ستفتح الانتخابات الالمانية الباب أمام الرئيس الفرنسي لتنظيم مؤتمرات ديموقراطية وتوحيد الميزانية والبرلمان ووزير المالية في منطقة اليورو، وإنشاء قوة حرس حدود أوروبية وصندوق أوروبي للدفاع وضبط الاستثمارات الأجنبية في أوروبا وحصر الدخول الى الأسواق العامة الأوروبية وفتح 10 آلاف وظيفة شرطي ودركي وزيادة 15 ألف مكان في السجون وفرض خدمة عسكرية إلزامية وإنشاء قيادة أركان مركزية للاستخبارات؟
هل سيتمكّن الرئيس الجديد من بناء نظام شامل لضمان البطالة تموّله الضرائب؟ وهل سيتمكّن من اعتماد نظام الكفاءة وصياغة نظام تقاعد شامل وإنشاء آلية تسديد اجتماعية موحدة وزيادة 100 يورو على قيمة مخصصات البالغين و… و…
هل سيتمكّن ماكرون من منع النواب من توظيف أفراد العائلة؟ ومن اشتراط سجل عدلي نظيف لمرشحي الانتخابات وتخفيض عدد نواب الجمعية الوطنية إلى الثلثين؟ هل سيتمكن من منع النواب من تجاوز ثلاث ولايات نيابية متتالية؟
هل… هل…؟
كأنّ فرنسا تُشبهنا أو نشبهها؟ أليس برنامجها الرئاسي جديراً بلبنان؟
في الحالات كلّها هذا ليس موضوعنا. وبرأيي المتواضع فإنّ فرنسا لن يمكنها تجاوز دور وظيفي في بناء السياسات الدولية تريده الولايات المتحدة. وبالنسبة إلى لبنان فقد طار الملف من يد فرنسا منذ زمن طويل، وربما يكون الدور الذي تلعبه بريطانيا في لبنان قد بات أكثر أهمية، لذلك فإنّ الرهان على أدوار فرنسية وغداً على أدوار بريطانية او إيرانية مختلفة بعد الانتخابات هو أمر في غير محله، وليس هناك رغم البروباغندا اللبنانية التي رافقت ازدحام الناخبين اللبنانيين على أبواب القنصلية والرصد الإعلامي الذي تجاوز الاهتمام الفرنسي نفسه.
لذلك فإنّ ترقب ما ستكون عليه السياسة الفرنسية إزاء لبنان سيكون صرفاً للمزيد من الوقت. فالعلاقات بين لبنان وفرنسا من المفترض أنها لا تتأثر بالأشخاص مهما كانت تقلّباتهم السياسية، وبالتالي فإنه لن يكون هناك بعد استثنائي للانتخابات الفرنسية لبنانياً.
كما أنّ تنظيم الخطوات الدولية والساحات لهزيمة الإرهاب تنطلق من الأولويات السورية والعراقية والليبية، وكذلك من تنظيم العلاقة مع مصر والسعودية.