انسحاب حزب الله من الجرود ومفاوضات تشمل العسكريين المخطوفين
روزانا رمّال
يتوخّى حزب الله الحذر في التعاطي مع الملفات الأمنية منذ اندلاع الأزمة السورية ويتكتم عن تفاصيل المهمة المنوطة به في سورية، والتي يرى فيها ضرورة أكيدة تضعه ضمن أكبر أهداف الهجوم على دمشق، لم يفصل حزب الله يوماً مصيره عما يجري هناك لأسباب كانت واضحة بين ارتباط المشروع بسلسلة كسر الحلقة التي تربط بينه وبين إيران من جهة، وبين اعتبار الحركات المتطرفة صاحبة مشروع عقائدي تكفيري جدي يدرك وحده معنى التعاطي معها لكونه يمثل مجموعة عقائدية تقود مشروعاً واضح الأهداف والمعالم.
خطوات حزب الله الشديدة «الدقة» المقرونة بقرارات مفاجئة تارة ومتوقعة أحياناً تأخذ نحو «استنسابية» الموقف ذات الهامش الواسع التي يتمتع بها الحزب في لحظات مفصلية يجد فيها أنه باتت ضرورية إعادة التموضع والتقدم خطوة نحو السياسة والديبلوماسية «بمكان ما»، فكيف تبدو المفاوضات أو الحركة السياسية في هذه اللحظة من عمر الأزمة السورية عند حزب الله وكيف تقاس درجة حماسه نحوها في وقت تجد فيه العواصم حليفة واشنطن عنصر إرباك وعرقلة للمفاوضات؟
منذ أيام رمى حزب الله ورقة كبيرة بوجه المجتمع الدولي فيها ما يكفي من مؤشرات ليونة الحزب وشجاعته في خطوات من نوع انسحابات من مهمات أساسية، عندما يجد ذلك مناسباُ، في وقت تقدم واشنطن وحلفاؤها العرب على خطوات تصعيدية متتالية تشي بالتحضير لشيء ما في سورية بدأت بملف كيماوي خان شيخون وصولاً الى قصف مطار الشعيرات والحشد العسكري على الحدود السورية الأردنية.
خطوة نحو التهدئة أتت «كالدهشة» في نفوس أصدقاء حزب الله قبل خصومه، في مثل هذه الأجواء إلا انه على ما يبدو للحزب رأي ىخر في موقفه الذي يبدو مدروساً ضارباً أكثر من عصفور بحجر واحد، مفعلاً اسمه كعنصر مسهّل أي مفاوضات و«لا» كعنصر معرقل في تلك المنطقة، إضافة الى رسائل امنية مباشرة لمن يهمه الأمر من القوى المسلحة تكشف سيطرة حزب الله على زمام الأمور واطمئنانه الى الوضع الأمني في تلك المنطقة وإبقائه تحت النظر.
بدأ حزب الله بتفكيك مراكزه ومواقعه في جرود السلسلة الشرقية لجبال لبنان القلمون، بعد انتهاء مهمة مقاتليه هناك، حسب ما اعلن امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في خطاب مؤخراً. وهو إعلان يأخذ بشقه اللبناني نحو تساؤلات من نوع: مصير المناطق الواقعة ضمن سيطرة داعش والنصرة حتى اللحظة. وهي في الواقع مساحات في جرود عرسال ورأس بعلبك اللبنانيتين. والمعروف أن المخاوف من مسألة هروب داعش نحو الداخل اللبناني لا تزال مطروحة في اي لحظة ترى فيها المجموعات الإرهابية لبنان ملاذاً للهروب من ضربات الجيش اللبناني او السوري او حزب الله عندما يتم إطلاق معارك الجرود رسمياً في وقت كان هروب المجموعات من داخل سورية الى لبنان كمنطلق من تلك المساحات احد الاحتمالات ايضاً.
لم يتم فتح معركة في جرود عرسال أو جرود بعلبك حتى اللحظة. وكأن تكتيك الاستنزاف هو واحد من الخطط الأمنية المتبعة. فعمليات الجيش اللبناني على قدم وساق في جرود بعلبك ومروحياته استهدفت أمس مواقع لداعش مع اصابات بليغة يتداول ان لـ»أبي مالك التلي» نصيباً فيها، في وقت كشفت معلومات امنية رفيعة لـ»البناء» أن التفاوض في تلك المنطقة على قدم وساق أيضاً وموقف حزب الله بالانسحاب منها ليس بعيداً عن هذه الأجواء وبالتحديد هي مفاوضات يجريها كل من الجانب التركي والقطري والمباحثات مستمرة لانسحاب المسلحين من هناك نحو تركيا ثم الخارج. ويضيف المصدر «التفاوض بدأ مع الامن العام اللبناني ويضمّ ملف العسكريين المخطوفين لدى داعش أيضاً وخطوة حزب الله ستنعكس بشكل إيجابي جداً على هذا الملف الذي يحرص عليه».
وبالعودة الى القرار الجريء من قيادة حزب الله، فإن هذا النموذج الذي اطلقه في جرود لبنان والقرى السورية اللبنانية الحدودية المتداخلة ليس إلا احد النماذج التي تؤخذ كرسالة واضحة من الحزب المستعد للتفاوض في باقي الأراضي السورية من اجل اعادة تموضعه تمهيداً لخروجه، اذا ما وجد أن مهمته أنجزت وان النيات الديبلوماسية جدية في إحداث فارق وإنهاء الازمة السورية. وعلى هذا الاساس يقدم حزب الله نفسه ورقة سياسية تساهم في إنجاح اي حل مفترض في المرحلة المقبلة. وفي كل الأحوال تبقى الخطوة البعيدة عن التوقع إيحاء واضحاً من حزب الله انه لا يأخذ بعين الاعتبار التهديدات المحيطة بسورية والحشود التي تحاصر حدودها كمؤشر للهجوم وانه مستعد للذهاب بعيداً جداً نحو الحلول في ذروة التصعيد أو الحشد، اذا ما توفرت النيات.
بالمحصلة، يخدم هذا الانسحاب موقف تركيا وقطر من اي مفاوضات فنجاح الوساطات تجعل من باقي الملفات أسهل، خصوصاً ان تركيا طالبت عشية تسلم ترامب الرئاسة إخراج حزب الله وإيران من سورية. وهو بهذه الإشارة البسيطة يرمي الكرة في ملعب المفاوضين المستعدّين لإحداث فارق هذه المرة.
حزب الله يحترف اللعبة السورية ويعرف من أين تؤكل الكتف ويخفف هجمات التصعيد وتهديدات العقوبات والحشد السياسي ضده بـ»حنكة» قلّ نظيرها فهل تُنتظر من الحزب خطوات أبعد؟