مدارات

مدارات

مكيافيلية أردوغان هل تطيحه؟

نظام مارديني

لم تتوقف التدخلات التركية في شؤون سورية والعراق منذ الخمسينات من القرن الماضي زمن عدنان مندريس ، على الرغم من أن الانتدابين، الفرنسي والبريطاني لسورية الطبيعية، كانا قد «تبرعا» لها بشمال البلاد وبمساحة لا تقل عن مساحة الكيان السوري الآن 180 ألف كلم2 . أي بمساحة تمتد من خليج اسكندرون وحتى حكاري في شمال شرق على الحدود مع إيران.

دخول «داعش» إلى موقع قبر ضريح السلطان التركي سليمان شاه في ريف منبج شمال حلب، وقتل حراس الموقع، أعاد إحياء المكيافيلية التركية في شن العدوان على سورية والعراق والسيطرة على «ولايتي» حلب والموصل، ما يشير إلى أن أنقرة تتبع المنطق ذاته الذي أتبعه هتلر من خلال إرساله وحدة من قواته لتهاجم مقراً لإذاعة ألمانية على حدود دولة أخرى، ومن ثم تقتل جميع من فيها، ليتخذها هتلر ذريعة لشن الحرب.

إنه المنطق نفسه الذي اتبعته المنظمات اليهودية «شتيرن والهاغانا» التي كانت قد نسفت فندق داوود بمن فيه من اليهود، ودمرت سفينة تحمل المئات من المهاجرين اليهود إلى فلسطين كي تتهم الفلسطينيين بذلك وتكسب تعاطف العالم مع المسألة اليهودية لإقامة كيانهم الاستيطاني في فلسطين.

في ضوء ذلك ليست مصادفة أن يتزامن «الاحتلال الداعشي» لضريح السلطان مع انتشار القوات التركية على طول الحدود السورية العراقية، بعد تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بوجوب الدخول إلى جانب الحلفاء في حربهم ضد تنظيم «داعش»، وقد دُعمت تصريحات أردوغان بموافقة البرلمان التركي بوجوب التدخل في هذه الحرب على سورية والعراق بحجة دعم التحالف الغربي الخليجي في مواجهة إرهاب «داعش».

لِمَ حصل «الاحتلال الداعشي» الآن للضريح واعتقال الحراس، وتزامن مع السعي التركي الى إقرار خطة عسكرية الدخول الى سورية والعراق؟

للتفكير أيضاً وأيضاً، لابد من العودة ولو قليلاً إلى الخمسينات من القرن الماضي، فمكيافيلية رئيس الوزراء في ذلك الحين، عدنان مندريس، أطاحته على مذبح المصالح الأميركية، خاصة لدى إعادته الإسلام السياسي المرة الأولى إلى الظهور العلني في تركيا، وكان حظره كمال أتاتورك.

الآن تبدو حسابات أردوغان، على رغم خطورتها، غاية في السذاجة وتشوبها الكثير من الثغر القاتلة:

الأولى، إن إطلاق أردوغان جحافل هولاكو العصر «داعش» على القرى الحدودية السورية ذات الأغلبية الكردية، هو تحريك لعش الدبابير الكردية التي أطلق نفيرها حزب العمال الكردستاني، رغم المهادنة التي اتبعها في السنتين الأخيرتين مع الحكومة التركية.

الثانية، لم يحسب أردوغان بحماقته المعهودة رد فعل الجيش السوري على أي عدوان تركي ضدّ سورية، التي تعيش منذ آذار 2011 تحت وطأة المؤامرة عليها، من خلال تدمير منهجي لكل حياة فيها تحت عنوان «الثورة»، وهي كانت بسبب مصادر الطاقة، ما يعيدنا إلى مقولة كيسنجر: «إنه النفط الغاز يا غبي».

الثالثة، تبدو تركيا اليوم، ومثلما كانت في السابق، دائرة في فلك «الغاية تبرر الوسيلة» التي صاغها مكيافيلي في كتابه «الأمير» وصاغها كتجسيد حي لمعنى المكيافيلية في السلوك السياسي، وهذا ما يُقرب شيئاً فشيئاً حبل المشنقة من عنق أردوغان وحكومته الإسلامية، وفي مقاربة تشبه سقوط مندريس من حبل المشنقة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى