قمّة العداء لإيران في الرياض باهتة بعد الفوز الساطع لروحاني… واستثناء القاعدة قانصو من حلبا: ننتظر حسماً قضائياً… والنصر في سورية نصر للبنان وفلسطين
كتب المحرّر السياسي
خلال يومين استقطبت الرياض الأضواء الدولية والإقليمية بحشد عربي إسلامي لاستقبال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومع نهاية القمم الثلاث التي رافقت الزيارة، تكثف الخطاب السعودي والأميركي عند إسقاط القضية الفلسطينية كأولوية تقليدية لأيّ مباحثات عربية إسلامية مع أميركا، وتحوّلها جملة عابرة في الخطابين القياديين للقمم، خطاب الملك السعودي وخطاب الرئيس الأميركي، والتوافق مع مفهوم الأمن «الإسرائيلي» باعتبار إيران مصدر الخطر الأول على الاستقرار في المنطقة، وتوصيفها برأس حربة الإرهاب، وهو التوصيف الذي امتنعت السعودية طوال ثلاثة أرباع القرن عن إطلاقه على «إسرائيل»، رغم ما حفلت به ممارساتها بحق الفلسطينيين والمقدسات الإسلامية والمسيحية.
الأسرى الفلسطينيون الصائمون طلباً لحقوق الإنسان بحدّها الأدنى لم تجد قضيتهم مكاناً لملصق يذكّر بها في قاعة من قاعات مرور عابر للضيوف. والجديد الأهمّ أنّ نظرية الأمن «الإسرائيلية» التي سادت المؤتمر لم تقتصر على إيران بل شملت حزب الله في الخطابين السعودي والأميركي، وحركة حماس في خطاب الرئيس ترامب، بينما غاب عن الخطابين المكتوبين لترامب وسلمان أيّ ذكر لتنظيم القاعدة وجبهة النصرة.
أمام الالتحاق السعودي بنظرية الأمن «الإسرائيلية» لم يبق للأميركيين من اهتمام سوى تطبيق نظرية ترامب التي ركّز عليها في حملته الانتخابية، فيما ترك للمصفقين التابعين للسعودية الحديث عن تغيير الخطاب الأميركي نحو السعودية، لتذكّرهم الأرقام التي حصدها ترامب بخمسمئة مليار دولار تهدّد بإفلاس مملكة النفط، بأنّ أبرز جمل ترامب في حملته الانتخابية كان وصف السعودية بالبقرة الحلوب وقد طبّقها بأكثر مما كان يحلم، وأخذ الحليب في طريق عودته غير آبه بما سيحل على «مملكة الخير»، التي لم تمنح ضيوفها، ومنهم رئيس الحكومة اللبنانية ومرافقيه أكثر من صفة المستمعين، وبقيت كلماتهم المكتوبة في جيوبهم ليقرأوها على مسامع وفود بلادهم في طريق العودة، بينما كانت كلمة الرئيس المصري تغريداً في سرب مختلف عن المناخين السعودي والأميركي، بإيحاءاتها وإشاراتها الواضحة لتركيا وقطر كمصدر تمويل وإعلام وتسليح للجماعات الإرهابية، وللإخوان المسلمين كتنظيم من الشبكات العالمية السرية للإرهاب، مع تجاهل أيّ إشارة بالتلميح أو التصريح لإيران وحزب الله.
القمة التي حشد لها الإعلام وقُدّمت كحدث تاريخي، تبدو كأنها صُمّمت لتلقي نتائج الانتخابات الرئاسية في إيران التي دأبت وسائل الإعلام التابعة للرياض وواشنطن على تقديمها كمناسبة لسيطرة المتشدّدين على الحكم رداً على وصول ترامب وتصعيد السعودية، فبدا الفوز الساطع بفوارق كبيرة للرئيس حسن روحاني الذي صوّره الإعلام الأميركي والسعودي كمعتدل يتعرّض للاقتصاص منه بسبب انفتاحه، كصفعة للقمة ومنظّميها، فبدت شاحبة وباهتة، بينما بدت العقوبات التي طالت أحد رموز المقاومة رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله السيد هاشم صفي الدين وتجميد أصوله وممتلكاته في أميركا والسعودية كمسخرة.
لبنانياً، بعد الوقت الذي أضاعه الوفد اللبناني في الرياض منتظراً فرص لقاءات وحوارات أو حتى إلقاء كلمة، تعود عجلة المساعي في ميدان البحث عن توافق على قانون انتخاب جديد، بينما كان الحزب السوري القومي الاجتماعي يحيي الذكرى التاسعة لمجزرة حلبا التي استهدفت مناضلين قوميين ومواطنين عزلاً تمّ قتلهم بدم بارد. ومن حلبا تحدّث رئيس الحزب الوزير علي قانصو معلناً الثقة بوزير العدل والقضاء لقول الكلمة الفصل في المجزرة ومرتكبيها، مشدّداً على أهمية مواصلة القتال حتى النصر على الإرهاب في سورية، حيث النصر نصر للبنان ولفلسطين.
أكد رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي وزير الدولة لشؤون مجلس النواب علي قانصو أن الحزب السوري القومي الاجتماعي لن يكون إلا في موقع المقاومة للعدو الصهيوني لأن صراعنا معه صراع وجود، وبأن الحزب سيبقى ثابتاً على معادلة الجيش والشعب والمقاومة فهي معادلة القوة للبنان، وبفضلها بات لبنان حجر الزاوية في معادلة الصمود القومي.
وخلال إحياء منفذية عكار في الحزب السوري القومي الاجتماعي في باحة المنفذية في حلبا، الذكرى التاسعة لمجزرة حلبا برعاية رئيس الحزب وحضوره على رأس وفد من قيادة الحزب، وسلسلة احتفالات ونشاطات بمناسبة عيد المقاومة والتحرير، لفت قانصو الى أن «إنقاذ الشام من هذا الإرهاب هو إنقاذ للبنان في الصميم، وهو إنقاذ لفلسطين في الصميم وإنقاذ للعراق في الصميم، لأن المخطط الصهيوني الذي تتولاه المجموعات الإرهابية يهدف الى إسقاط الأمة كلها من أقصاها الى أقصاها»، مشيراً الى أن مواجهة خطر الإرهاب مسؤولية دولية ـ إقليمية ـ قومية مشتركة، وفي هذا السياق فإن المجتمع الدولي في موقفه من الإرهاب، كذّاب منافق».
وأكد قانصو أن «لبنان معنيّ بتحصين نفسه بوجه هذه العاصفة، فإدارة الظهر لها لا تفيد، والتعاطي مع سورية بكيدية وحقد لا يفيد. إن مصلحة لبنان فتح قنوات الحوار مع الحكومة السورية لتدارس الملفات ذات الاهتمام المشترك من ملف النازحين، الى الملف الامني، والى الملف الاقتصادي».
وفي الذكرى السنوية لمجزرة حلبا، جدّد قانصو دعوة القضاء، «لتحريك هذا الملف، والنظر في الدعاوى المقدمة ضد المجرمين الذين ارتكبوا مجزرة حلبا، ولنا ملء الثقة بمعالي وزير العدل كما لنا ملء الثقة بالقضاء وبأنه سيفتح ملف المجزرة وسيقول كلمته وبأسرع وقت. وليعلم الجميع أننا لن ننسى دماء شهدائنا، ومهما تقادم الزمن. هذا عهدنا لعائلات الشهداء، هذا عهدنا لجميع القوميين الاجتماعيين، وحقنا حق لا يموت. وأقول لكم: إن إنزال القصاص بالقتلة آتٍ، آتٍ، آتٍ».
الحريري عاد من الرياض خالي الوفاض
عاد رئيس الحكومة سعد الحريري من الرياض خالي الوفاض، فلم ينجح تصعيد وزير الداخلية نهاد المشنوق ضد حزب الله وسورية وإيران عشية انعقاد قمة الرياض في منح الحريري فرصة اللقاء مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على هامش القمة التي لم تلحظ أيضاً أي لقاء بين الحريري والملك سلمان بن عبد العزيز، بل اقتصر الأمر على تبادل الحريري قبل مغادرته المؤتمر أطراف الحديث مع وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون ووزير الخارجية السعودي عادل الجبير، كما أعلن المكتب الإعلامي للحريري.
ولم يتعدّ حضور لبنان في القمة العربية الإسلامية الأميركية، أكثر من «رقم» على الطاولة التي اجتمع حولها 38 رئيس دولة و8 رؤساء حكومات، كما لم يكن على قدرٍ من التأثير في المشهدية الإعلامية الى حدٍ لم يعط الوفد اللبناني الممثل برئيس حكومته والوفد الوزاري مجرد الكلام، رغم ما يتحمله لبنان من تداعيات الحرب الأميركية الخليجية «الإسرائيلية» التركية على سورية.
وفي حين كانت لافتة إشارة الرئيس الأميركي الى الجيش اللبناني ودوره في مواجهة الإرهاب، لم تضف القمة جديداً في ما خص الهجوم على حزب الله وما قاله الرئيس الأميركي ووزير خارجيته والمسؤولون السعوديون كان متوقعاً، وإن كان الحزب القوة الرئيسية الى جانب الجيش السوري التي تكافح الارهاب الذي يدعي الأميركيون والسعوديون محاربته، ولم تَُعِر الجمهورية الاسلامية في إيران التي زكّت الرئيس حسن روحاني رئيساً لها لولاية ثانية بنسبة 57 في المئة، أي اعتبار للمجتمعين ولا لقمتهم.
أما رسالة ترامب للأنظمة الخليجية وبعض العرب، فكانت معبّرة وواضحة وموضوعية، وتحت عنوان «واشنطن لن تسحق العدو بدلاً عنكم»، خاطب ترامب دول الشرق الأوسط، بحسب تعبيره، مذكراً أنّ «تشكيل المركز العالمي لمكافحة الإرهاب برئاسة السعودية هو يوم تاريخي لنا»، وأنه يجب العمل على «قطع مصادر التمويل عن المنظمات الإرهابية ونتعامل مع حزب الله على أنه تهديد إرهابي».
ولم يشكّل البيان الختامي للقمة لجهة «تأليف قوة احتياط قوامها 34 ألف جندي لدعم العمليات ضد المنظمات الإرهابية في العراق وسورية عند الحاجة»، سوى غطاء لسرقة المال السعودي لخدمة الاقتصاد الأميركي، ولن تحمل بنود البيان أي قدرة على ترجمتها على أرض الواقع عبر عمل عسكري ضد إيران أو على تسعير جبهة الجنوب السوري أو من خلال عدوان «إسرائيلي» على حزب الله، كما لن ينجح المجتمعون بتغيير معادلات الميدان باليمن وبالتالي لن تحمل القمة أي انعكاسات سياسية وعسكرية على صعيد الصراع في المنطقة.
وبلغت قيمة الاتفاقية التي وقعت السبت الماضي بين الولايات المتحدة والمملكة، 300 مليار دولار للتعاون الاقتصادي و110 مليارات للتعاون العسكري، في وقتٍ لم تفرج المملكة عن هبة الـ4 مليارات المخصصة لدعم الجيش اللبناني والأجهزة الأمينة رغم مبادرة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بزيارة المملكة والمواقف الإيجابية والمنفتحة التي تخللتها، ما يؤكد أن وعود المملكة قد تبخّرت ولم تفتح صفحة جديدة من العلاقات مع لبنان، كما زعم الحريري والمسؤولون السعوديون.
وقال وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، عبر حسابه على «تويتر»: «لم نكن على علم بإعلان الرياض. لا بل كنا على علم أن لا بيان سيصدر بعد القمة، وقد تفاجأنا بصدوره وبمضمونه. ونحن في طائرة العودة».
أضاف: «أما وقد وصلنا إلى لبنان فنقول إننا نتمسك بخطاب القَسَم والبيان الوزاري وبسياسة ابتعاد لبنان عن مشاكل الخارج وإبعادها عنه ضناً بلبنان وشعبه ووحدته».
وربطت مصادر مطلعة حملة المواقف على حزب الله في الرياض وقرار العقوبات الذي يحضر في الكونغرس في إطار الضغط على الحزب، ولفتت لـ«البناء» الى أنه نظراً لما يتمتع به حاكم المصرف المركزي رياض سلامة من حضور وتأثير وخبرة في التعاطي مع الملفات المالية على المستوى الدولي لا سيما دوره في امتصاص قرار العقوبات الماضي، لكن جهات داخلية تحاول ربط قرار العقوبات على لبنان والتهديد به للسعي لفرض التمديد لسلامة.
لا مصلحة أميركية بتخريب لبنان
وقالت مصادر دبلوماسية سابقة في واشطن لـ«البناء» إن «المواقف التي خرجت بها قمة الرياض ضد حزب الله لا تملك مفاعيل إجرائية، لكن ما يجب الحذر منه والاستعداد له قرار العقوبات الذي لا يزال قيد الدرس والإعداد في الإدارة الاميركية والكونغرس والذي سيجرّ في حال صدوره مفاعيل تطبيقية مالية واقتصادية سياسية، والأمر مرهون بمدى اتساع دائرة العقوبات»، مضيفة: «إذا كانت ستطال فقط قيادات في حزب الله، فلن تؤثر كثيراً لا على الحزب ولا على لبنان، لكن بحال طالت حلفاء الحزب كأمل والتيار الوطني الحر وبعض أحزاب وشخصيات ومؤسسات 8 آذار، فهذا سيرتّب أزمة مالية وسياسية كبيرة في لبنان».
ورأت المصادر أن «لا مصلحة للولايات المتحدة بتخريب لبنان مالياً وسياسياً في الوقت الراهن، لأسباب عدة أولاً لدوره في مكافحة الإرهاب، وثانياً لوجود تجارب سابقة أدت الى فوضى وحرب أهلية وثالثاً وجود أعداد هائلة من النازحين السوريين»، مؤكدة أن «الغطاء الإقليمي والدولي على لبنان لا يزال موجوداً»، ولفتت الى «أن زيارة الوفد النيابي الى واشنطن هي جزء من الإجراءات التي يتّخذها لبنان لمواجهة قرار العقوبات».
وشرح الوفد البرلماني وجهة النظر اللبنانية من قرار العقوبات لجهة أن الدولة اللبنانية والمؤسسات والتركيبة والظروف لا تسمح بتحمل عقوبات اقتصادية ومالية جديدة، ولا يستطيع على المستوى السياسي استيعاب عقوبات تطال مكوناً أساسياً من مكوناته وممثلاً في الحكومة والمجلس النيابي أو تطال شريحة أساسية من الشعب في ظل خوض لبنان معركة مع الإرهاب وتحمل عبء النزوح السوري». وتوقعت المصادر أن «يتفهّم المسؤولون الاميركيون وجهة النظر اللبنانية والظروف التي يعاني منها».
وبعد تصنيفه على لوائح الارهاب الاميركية والسعودية، ردّ رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله هاشم صفي الدين بالتأكيد أن «المقاومة أبية وعصية»، لافتًاً الى أن «الهجمة الأميركية السعودية الغربية الحاقدة على المقاومة وعلى حزب الله ليست جديدة في واقعها، وإن كانت تلبس لبوسًا جديدًا وحديثًا وعناصر جديدة في السياسة والإعلام»، ومتوجهًا الى «كل من يشكك ويحسب بحسابات الربح والخسارة على مستوى قوة المقاومة، وإلى كل من يفكر ومن يتحدث عن واقع سياسي في لبنان، في المنطقة، بالقول لكل هؤلاء «جرّبتم وجرّبنا، قاتلتم وقاتلنا، واجهتم وواجهنا، كنتم في الخباء وكنا في الميادين، وكنا دائمًا أهل الانتصار وهذا الذي سيتحقق في المواجهة الآتية».
المبادرات الانتخابية مجمّدة
على صعيد قانون الانتخاب، لا تزال المراوحة سيدة الموقف مع تجميد المبادرات الانتخابية، على أن تنطلق اليوم كما علمت «البناء» مع عودة الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل الى بيروت، للتشاور مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري بالمخارج المطروحة قبيل جلسة 29 أيار المقبل التي رجّحت المصادر أن يعلن رئيس المجلس تأجيلها فور إعلان رئيسَي الجمهورية والحكومة عن فتح دورة استثنائية للمجلس النيابي على أن تستكمل المشاورات للتوصل الى قانون جديد أو تعديل المهل القانونية والتوافق على تمديد تقني ثلاثة أشهر وإجراء الانتخابات على أساس قانون الستين.
ووصف نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم ما يجري في لبنان بشأن قانون الانتخاب بـ»سوق عكاظ»، داعيًا الى الإسراع في الوصول الى قانون جديد على أساس النسبية، منعًا لحدوث الفراغ.
وشدّد وزير المالية علي حسن خليل على «ضرورة مواصلة الحوار للوصول إلى قانون انتخابي جديد للانتخابات النيابية»، وقال: «لقد ناقشنا معظم الطروحات وتوافقنا على أن الأنسب والأكثر تمثيلاً هو القانون القائم على النسبية، لهذا دعوتنا اليوم إلى كل القوى السياسية وإلى المرجعيات الرسمية والحزبية أن تترجم حديثها والتزامها السابق والحالي حول اعتماد النسبية إلى واقع يترجم بإقرار قانون جديد للانتخابات، ومن غير المسموح بعد الآن أن نتحدّث عن النسبية في الغرف المغلقة وفي اللقاءات الضيقة وعندما تصل الأمور إلى إقرار القانون نرى البعض يتهرّب تحت حجج واهية».
بينما أوضح عضو تكتل التغيير والإصلاح النائب ألان عون أن « الدورة الاستثنائية هدفها تحديداً إقرار قانون انتخابي جديد واليوم الاتصالات وجهوزية الاتصالات تسرّع فتح دورة استثنائية». وأشار الى أنه «في ما يخصّنا نحن مبدئياً ليس لدينا شيء نبادر فيه في ملف قانون الانتخاب ومواقفنا واضحة وعملياً نحن في موقع التلقي وبحسب ما نتلقى نبني موقفنا».