فَزّاعة تُسمّى «داعش»!

عدنان كنفاني

في مشهد استعراضي، كما عادة اليانكي ، على إيقاع حركات متعالية، مفرداته رامبو، والسوبرمان، وفتنة «الكاوبوي» الخارق ، وسط حشد من الحضور، يُعقد مؤتمر صحافي… يجلس قائد الجيوش الأميركية مثقلاً بالأوسمة والنجوم البرّاقة، وإلى جانبه السيد وزير الدفاع في حكومة الولايات المتحدة الأميركية.

لم يكن هذا المؤتمر هو الظهور الأول لمسؤولين أميركيين وأوروبيين في مجرى الأحداث التي تعصف بالمنطقة منذ نحو أربع سنوات، بل سبقته تصريحات ولقاءات ومؤتمرات واستعراضات وتهديدات طاولت كلّ دول منطقة «الربيع العربي» بشكل عام، إلى أن وصل الأمر، وكما كنا نتوقّع، إلى سورية المستهدف الأول والأساس من كلّ هذا الحراك.

بدأ الأمر، بضخّ إعلامي منقطع النظير من كثير من المحطات الفضائية، ووسائل الإعلام المختلفة، العربية والأجنبية، والتصريحات من هنا وهناك، قوامه الكذب والفبركة وقلب الحقائق، بإعلان «غيرة» العالم الديمقراطي على الشعب في سورية، وكان الشعار الأكثر حضوراً يتمثل في الكلمة السحرية «الحريّة» كمطلب شعبي عارم وجارف. الأمر الذي لاقى تعاطفاً من جهات كثيرة، من دون الالتفات إلى حقيقة المجريات على الأرض، في وقت كان السلاح يوزّع على العناصر العارفة مسبقاً دورها وتوقيته ومكانه، ولتقفز الأحداث إلى ما شهدناه جميعاً وما زلنا نشهده.

لم يكن لأحد أن يتوقع أن تصمد سورية كلّ هذه الفترة، وأن تتجاوز كثيراً من المؤامرات والضغوطات جاء أكثرها، وللأسف، من بعض الدول العربية «الرجعية»، وهي الأبعد من معايير الديمقراطية، وفسحات الحرية للشعوب فيها. ولكن التوجّه «التآمري» أغفل النظر أو مجرّد الحديث عن هذه الحالات، وذلك إيغالاً في تكريس المؤامرة على سورية بالذات لأسباب لم تعد خافية على أحد، وكلّ ذلك لمصلحة الكيان الصهيوني، وبدعم استخباري ولوجستي من قبل الصهاينة وبشكل أصبح مكشوفاً وعلنياً.

كلّ ما قلته أصبح الآن وراءنا واقعياً، وما قصدت سوى المرور سريعاً كي أصل إلى ما أريد التركيز عليه من خلال محاولة الإجابة على هذا السؤال:

لو «لا سمح الله» سقط النظام، وسقطت الحكومة في سورية كما حصل في تونس وليبيا ومصر، وفي الفترة المحدّدة زمنياً، كما جرى التخطيط لها، هل كنا بأيّ حال سنصل إلى «داعش» و»جبهة النصرة»، وعشرات الكتائب والألوية المسلحة المتشبّهة بالإسلام وهي الأبعد من روح الإسلام؟ وهل كنا سنشهد هذا الكمّ من التدمير الشامل لبنى سورية التحتية والتي طاولت كلّ شيء، البشر والشجر والحجر والقتل المشبع والفتاوى التكفيرية وهذا الحجم من الدعم الإعلامي والتسليحي وبذل المال؟

ربما إذا وصلنا إلى إجابة عقلانية على هذا السؤال، نستطيع أن ندرك الغاية من كلّ ما يجري على أرض سورية.

وبما أنني قصدت الحديث عن «داعش» وموقف «التحالف الدولي» المعلن على الأقلّ، أقول إنّ من يتابع التصريحات المحمومة حول التحضير «كما يقولون» للحرب على «داعش»، وتوزيع الأدوار والمهمات، والتركيز على دعم «المعارضة السورية المعتدلة»، لا بدّ أن يتساءل، هل هو تحضير للحرب على «داعش» أم على سورية؟ يتفق العالم ولو نظرياً ولو مجاملة، على أنّ «داعش» وباء وورم سرطاني وخارج التاريخ ومتخلّف ومتطرّف وقاتل، يجب استئصاله. يضعون الخطط، ويشكلون تحالفات، وأموال وسنوات وخراب دول وحضارات… وتبقى النتيجة غير مضمونة.

كنت أتساءل بيني وبين نفسي، لماذا كلّ هذا الضجيج الإعلامي حول مسألة تسليح وتدريب خمسة آلاف مرتزق من «المعارضين المعتدلين»، والتركيز على أنّ الغاية من ذلك محاربة «داعش»، والنظام في سورية؟

خمسة آلاف! هل هو العدد المفترض بالكامل، أم هي دفعات من خمسات وخمسات ؟

هذا العدد، بميزان ما يجري في سورية، هزيل وليس له تأثير حاسم على الأرض، ولا يغيّر شيئاً في المعادلة.

المفارقة الأكثر استغباء أن تحضّر السعودية الوهّابية مقاتلين لمحاربة «داعش»، وهي الشريك الأكثر حضوراً وفعلاً في دعم وخلق هذا التيّار المنحرف!

أعترف أنني لم أستطع تبيّن أو استشراف الغاية من هذا الترويج الإعلامي المتشدّد غير أنّ كلّ ذلك يصبّ في تمويه الصورة، وخلط الأوراق لتمرير مواصلة استهداف سورية من خلال شعار «محاربة داعش»، إلى أن تابعت مجريات المؤتمر الصحافي «الاستعراضي» لقائد الجيوش الأميركية ووزير الدفاع في أميركا.

قال قائد الجيوش الأميركية، إنّ محاربة «داعش» ودحره، «وإسقاط النظام» والقضاء على الجيش السوري ومن في حكمه على الأرض السورية، يحتاج إلى 15 ألف مقاتل يجرى تدريب خمسة آلاف منهم الآن!

نحن على يقين بأنّ هذا الجنرال، ومن يجلس إلى جانبه ليسا أغبياء، وهم «جميعاً» يعرفون جيداً حقيقة الأمور، لكنهم يستغبون الشعب الأميركي نفسه، ويضخّون معنويات في بقايا الإرهابيين الموجودين على الأرض السورية، ويداهنون رَبع الأعراب البلهاء كي يقوموا بواجب التمويل ودفع الفواتير. وهو نفسه، هذا الجنرال، الذي قال بأنّ قوام تنظيم «داعش» بلغ حوالى خمسين ألف مقاتل، ويعلم جيداً عدد أفراد الجيش السوري، ومن في حكم الجيش، ولُحمة الشعب السوري مع قواته المسلّحة، ولا نعلن سرّاً إذا قدّرنا أنّ عدد هؤلاء أكثر من مليون عنصر، إضافة إلى الإيمان بقضية وطن، ومعنويات لا تعرف التخاذل.

يبقى السؤال الأهمّ المطروح على المستوى العام: هل يمكن لهذه المؤامرة الجديدة أن تمرّ؟ أما الإجابة فهي أنها حتماً ستلاقي مصير عشرات المؤامرات التي داس عليها حذاء الجندي السوري، ومواقف حلفاء سورية؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى