قمّة عربية ـ إسلامية بعنوانها لا بمضمونها تُعقد بحضور حليف لـ«إسرائيل» على أرض الأنبياء!

إياد موصللي

وظُلم ذوي القربى أشدّ مضاضة…

عقد في الرياض مؤتمر قمّة جمع العشرات من قادة الدول الإسلامية بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

الرئيس الذي بدأ أولى خطواته نحو البيت الأبيض بإعلانه أنه سينقل مقرّ السفارة الأميركية إلى القدس، سواء نفّذ هذا القول أم أجلّه، فإنّما الأعمال بالنيّات.

هذا الرئيس الذي أصدر قراراً بمنع رعايا خمس دول إسلامية من دخول أميركا. هذا الرئيس يتصدّر مؤتمراً لقادة الدول العربية والإسلامية. في وقت تقوم طائراته الحربية بقصف مواقع الجيش السوري في التنف حيث يحارب «داعش».

يُعقد المؤتمر في الفترة التي تمّت فيها النكبة واستيلاء «إسرائيل» والصهاينة على فلسطين وطرد أهلها منها. وفي وقتٍ يُعلن الأسرى من الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإضراب عن الطعام الذي تجاوز الشهر، وأشرف معظمهم على الموت من دون أن يصدر عن قادة هذه الدول التي تحمل الهوية العربية أو الإسلامية فعل أو تصريح يؤيّد مواقف المضربين ومطالبهم الإنسانية، في زمنٍ ارتفع صوت جمعيات الرفق بالحيوان في العالم عندما عُرضت مشاهد تلفزيونية تُظهر وحشيةً في معاملة بعض القطط والكلاب. يُعقد هذا المؤتمر والمئات يسقطون ضحايا مرض الكوليرا في اليمن، عدا مَن يُقتَلون بفعل القصف والعدوان.

بلاد يقول رئيسها السابق، «إسرائيل» هي الولايات المتحدة والولايات المتحدة هي «إسرائيل». وكما قال قبله الرئيس الكاوبوي ريغن «من لا يحب إسرائيل لا يحب أميركا».

أحد هؤلاء وسواهم تُعقد قمة إسلامية برعايته وحضوره. رئيس ضيف لا يوافق على حضور رئيس جمهورية عربية إسلامية هي السودان. يقف في صدر المكان ويتقدّم قادةً وملوكاً وحكاماً اسمهم عرب، وشعارهم الإسلام، يسلّمون عليه وينحنون أمامه وهو منتصب مبتسم، وفي زاوية من المكان يقف متستّراً كاتب التاريخ يدوّن لحظة العار هذه تحت عنوان «يا أمّة ضحكت من جهلها الأمم».

وعندما تبدأ الخطب والكلمات أمام القيصر الجديد… يدوّن الكاتب: «إيّاك أن تسمع حرفاً من خطابات العرب، فكلّها فجور وقلّة أدب. وليس في معاجم الأقوام قوم اسمهم عرب».

هذا المكرّم في المكان الأكرم سينتقل ليزور «حائط المبكى» عند اليهود. لولا أميركا ما قامت «إسرائيل». بريطانيا وعدت وسهّلت الطريق. أميركا نفّذت وقوننت وسلّحت ودعمت ورعت. لم يأتِ رئيس واحد منها اتّسم بالعدل في الحقوق بين أهل فلسطين والدولة المغتصِبة.

نحن لا نعاتب أميركا ولا نعاديها لمواقفها من «إسرائيل» إزاء حقوق شعب من أمّتنا، إلّا لأننا نحكم بالعدل. فمن هم يحملون هوية عربية إسلامية ما كانت مواقفهم أشرف ولا أنبل.

أميركا راعية حاضنة لـ«إسرائيل»، أما العربان فهم حرس المعتدين وخناجرهم في صدور أهل القضية وضحاياها. هؤلاء العربان الذين وصفهم الله في كتابه «أشدّ كفراً ونفاقاً». هؤلاء يعقدون قمّة في بقعة نقية طاهرة من أرض الله يحضرها عدوّ أمننا وقضيتنا وراعي العدوان والمشارك فيه.

يوم كان يحكم إيران الشاه بهلوي الفارسي، وكانت سياسة بلاده عنصرية معادية، كنّا نحارب إيران ونكره إيران ونمقت إيران التي حالفت «إسرائيل» كما فعلت تركيا. وعندما أبعدت إيران هذه الفئة واختارت فئة مؤمنة سلكت مسلكاً روحياً دينياً لم نعد ننظر إليها كما كنا ننظر إلى من كانوا قبلها. هنا طبّقنا على إيران القول الكريم: «ليس لعربيّ فضل على أعجمي إلّا بالتقوى». وقربه منّا في إيمانه بقضايانا ووقوفه إلى جانبنا حرباً وسلماً. إيران اليوم غير إيران الأمس. وإيران اليوم ينطبق عليها المثل «صديقك من صدقك لا من صادقك».

إنني أسأل هل دُعيت إيران كدولة مسلمة إلى القمة التي سوف تُعقد في الرياض؟ ومَن أحقّ بحمل اسمها وحضور حفلها؟ أميركا أم إيران والسودان؟ قمة العار هذه جاءت في زمن تكريس السلطة والسيطرة «الإسرائيلية». في جعل القدس عاصمتها ووضع اليد نهائياً على المسجد الأقصى وقبر يوسف.

إنّ هذه القمّة التي يقف فيها الرئيس الأميركي كما وقف جنكيز خان وتيمورلنك يصحّ فيها ما قاله جبران خليل جبران: «ويل لأمّة تقابل كلّ فاتح بالتطبيل والتزمير، ثمّ تشيّعه بالفحيح والصفير، لتقابل فاتحاً آخر بالتزمير والتطبيل. ويل لأمّة سياستها ثعلبة وفلسفتها شعوذة، أمّا صناعتها ففي الترفيع».

يريدون تكريس حلف خفيّ تركيّ ـ «إسرائيلي» ـ سعوديّ ترعاه أميركا مادياً ومعنوياً. يطبّق على سورية في الشام والعراق، ويسيطر على المنافذ والمعابر الحدودية والصحراوية ويقطع كلّ صلة استراتيجية تربط الشام بالعراق وإيران عسكرياً واقتصادياً، ليسهّل بعد ذلك للمؤامرة التي أعدّتها «إسرائيل» ورعتها السعودية من أن تجد لها مجالاً في إحراز تقدّم في إنجاح مشروع التفتيت. إيران ترفع شعار محاربة «إسرائيل» وخنق أطماعها في بلاد تجد فيها امتداداً روحياً إيمانياً يربطها بالسماء وفق إيمانها ومعتقدها. لا تريد أن تفقد الأرض فتفقد السماء. وبنظر إيران، «إسرائيل» هي العقبة في طريقها للوصول إلى قبّة الإسراء والمعراج والأرض المقدسة. بينما تنظر السعودية إلى إيران نظرة مذهبية، وتشمل هذه النظرة حزب الله أيضاً، وتجد أنّ «إسرائيل» أقرب إليها من إيران وحزب الله على قاعدة عدوّ عدوّي صديقي. كما نعرف الإسلام يقول «المؤمنون أخوة… لا أعداء».

سورية مع حلفائها بحسّها القوميّ وتماسكها الوطنيّ حقّقت بقوّة جيشها الانتصار على هذا العدوّ وأفشلت مشاريعه. فالسوريون شعارهم «كلّنا مؤمنون، منّا مَن آمن بالله بالقرآن ومنّا مَن آمن بالله بالإنجيل، ومنّا مَن آمن بالله بالحكمة. وليس لنا من عدوّ يقاتلنا في ديننا ووطننا إلّا اليهود».

هذا النجاح السوري في الشام والعراق الذي ساهم في إفشال المؤامرة والمخطّط الكيانيّ للتمدّد «الإسرائيلي» عبر السيطرة على المنافذ الحدودية وعلى خطوط النفط والغاز وقطع الصلة جغرافياً مع روسيا والصين.

هذا المخطّط القائم على أحلام ما ورد في البروتوكول الثاني من بروتوكولات حكماء صهيون والذي يقول: «إن غرضنا الذي نسعى إليه يحتّم أن تنتهي الحرب بلا تغيير حدود ولا توسّع إقليميّ. فإذا جرى الأمر على هذا قدر المستطاع تحوّلت الحرب إلى صعيد اقتصاديّ، وهنا لا مفرّ من أن تدرك الأمم من خلال ما تقدّمه من مساعدات مالنا من قوّة تغليب فريق على آخر ومن التفوّق وفوز اليد العليا الخفية. وهذا الوضع من شأنه أن يجعل الفريقين تحت رحمة عملائنا الدوليين. وحينئذ تقوى حقوقنا الدولية العامة على الحقوق القومية الخاصة، فيتسنّى لنا أن نحكم الشعوب بهذه الحقوق. كما تحكم الدول رعاياها داخل حدودها».

قمّة… نقمة وغمّة، تعقد على مقربة من آلام وأوجاع وضحايا الأمراض والقنابل والقذائف في اليمن وحشرجة أرواح آلاف الأسرى في السجون «الإسرائيلية» وعلى مقربة من أبواب المسجد الأقصى المقفلة من قبل «إسرائيل» في وجه المصلّين من الدخول.

قمّة اللئام على أرض بلاد المسجد الحرام. يأتيها راعٍ يسوّقها كما تساق الأغنام ويعقد معها صفقات بمئات المليارات. وملايين المسلمين العرب والسوريين مكدّسون في الخيام تحت وطأة الجوع وتنوّع الآلام.

ننادي مَن يسمع من أبناء أمّتنا لأن يصونوا وحدتهم وألّا يخشوا التضحية لئلّا تذهب ريحكم وتندثر قواكم.

قفوا وقفة العزّ فنحن أهلها وصنّاعها. إنّ عدوّنا يستغلّ كلّ سانحة تظهر أمامه فيها حالة ضعف وتفكّك.

وأردد لكم ما قاله أنطون سعاده: «لم آتكم مؤمناً بالخوارق، بل أتيتكم مؤمناً بالحقائق الراهنة التي هي أنتم. أتيتكم مؤمناً بأنكم أمة عظيمة المواهب، جديرة بالخلود والمجد. سنستعيد حقّنا لأننا تعاهدنا على تحقيق أمر خطير يساوي وجودنا. لا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى