ترامب يمنح الضوء الأخضر لمجزرة البحرين… ويدفعه نحو الحرب الأهلية عون: مع موقف باسيل من بيان الرياض… وقانون جديد أو الانتخابات وفق الستين

كتب المحرّر السياسي

فشلت زيارة الرئيس الأميركي في إحداث تغيير جدي في الخريطة السياسية في المنطقة بعدما نجحت الانتخابات الرئاسية في إيران في امتصاص بعدها التصعيدي الذي استهدف فرض العزل والحصار على طهران، فجاء انتخاب الرئيس حسن روحاني بكثافة تصويتية وفوارق واسعة في النتائج مع منافسيه ليمنح دفعاً جديداً وحدة الموقف الإيراني والانفتاح الدولي على الحوار مع طهران والتعاون معها، كما أشارت المواقف الأوروبية والأممية بعد الانتخابات ورسائل التهنئة للرئيس روحاني بينما فشل الشق المخصص لإطلاق المفاوضات «الإسرائيلية» الفلسطينية وتراجع ترامب عن عقد قمة ثلاثية تضمّه مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وبدا أنّ ارتدادات هذا الفشل والتراجع ستصيب مساعيه بتطبيع متسارع وتحالف معلن بين الدول الخليجية و«إسرائيل» بنكسة بعدما كشفت تصريحاته أمام الإعلام في لقاءاته مع نتنياهو عن التعاون «الإسرائيلي» الخليجي أنّ الحديث عن حلّ القضية الفلسطينية ليس أكثر من حملة علاقات عامة، لتعود الصورة إلى ما كانت عليه قبل الزيارة في المشهدين الدولي والإقليمي، باستثناء ما جمعه ترامب من أموال سعودية وخليجية يحتاجها حكمه المترنّح في مخاطبة الداخل الأميركي، حيث متاعب الإدارة تتفاقم.

العودة إلى الصورة التي سبقت الزيارة في المنطقة ترجمها نجاح الجيش السوري وحلفائه في المقاومة في تحقيق المزيد من التقدّم في البادية السورية محققاً في يوم واحد توسّعاً بمساحة ألف وخمسمئة كيلومتر مربع ليصير إجمالي الإنجاز في أقلّ من شهر قرابة خمسة آلاف كليومتر لم تنفع في كبح اندفاعتها الخطوط الأميركية الحمراء التي تهاوت مع تساقط مواقع الجماعات المحمية أميركياً في جنوب شرق البادية السورية، بينما نجح الحشد الشعبي رغم التحذيرات الأميركية والتركية والصادرة عن رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني بحسم السيطرة على القيروان مضيّقاً المسافة التي تفصله عن الحدود مع سورية.

التفوّق الوحيد الذي حققه ترامب هو تجريد حملة عسكرية سعودية مع حكم آل خليفة لارتكاب مجزرة في البحرين بحق الأهالي العزل في محيط منزل آية الله الشيخ عيسى قاسم زعيم المعارضة البحرانية، بضوء أخضر أميركي عبّر عنه ترامب أمام وسائل الإعلام عندما طمأن ملك البحرين بأن لا أزمات بعد الآن بيننا، مشيراً إلى التحفظات الأميركية السابقة على وحشية النظام البحراني تجاه شعبه.

التطورات الدموية في البحرين لاقت استنكارات وتنديداً وحرّكت مواقف داعية للتضامن مع الشعب البحريني، لكنها رتبت دعوة من قادة المعارضة للعصيان المدني وأيام الغضب التي تتوقع مصادر متابعة أن تتحوّل إلى مواجهات مع القوات السعودية وشرطة آل خليفة، وما ستسفر عنه من شهداء وجرحى سيجعل البحرين على فوهة بركان يأخذها للحرب الأهلية والمواجهة المسلحة التي لا تزال القيادات البحرينية تبذل جهودها لمنع الانزلاق إلى أتونها.

لبنانياً، أكد الرئيس العماد ميشال عون تأييده موقف وزير الخارجية جبران باسيل من بيان قمة الرياض لجهة التمسك بالبيان الوزاري وخطاب القَسَم. وقال عون إنّ الفرصة لا تزال متاحة لإنتاج قانون انتخاب جديد لكن ما لم يتمّ ذلك فلن يقع الفراغ بل ستتمّ الانتخابات خلال تسعين يوماً وفق القانون النافذ، في إشارة للمادة الخامسة والعشرين من الدستور التي تعالج حالة حلّ المجلس النيابي، والتي تشكل موضوعاً خلافياً في مقاربة حالة الفراغ، لكن مصادر متابعة قالت إنّ الخشية هي أن يرفض أحد المكوّنات الرئيسية المشاركة في انتخابات على أساس القانون النافذ وهو قانون الستين، فتتعطل الانتخابات، والمادة نفسها تنصّ على أنه في حال مرور ثلاثة شهور ولم تتمّ الانتخابات لأيّ سبب كان فإنّ المجلس المنحلّ يعود بكامل صلاحياته الدستورية، ما يعني أنّ الفراغ سيوصلنا إلى أحد الأمرّين، التمديد أو الستين، داعية لعدم مواصلة الرهان على التجاذبات التي يعطل كلّ فريق فيها فرضيات الآخر ويتعطل البلد معها ويذهب إلى المجهول، بينما التوافق أقلّ كلفة وأقصر طريقاً للخروج من المأزق.

لا فراغ و «الستين» صمام الأمان

أفصح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن خياره الأخير في ملف قانون الانتخاب بدعوة الشعب الى الانتخابات ضمن مهلة تسعين يوماً على قانون الستين، كما يقول الدستور، في حال لم يتم التوافق على قانون جديد في المهلة المتبقية قبل نهاية ولاية المجلس النيابي الحالي في 21 حزيران المقبل.

ومع أن أيام المهلة الأخيرة بدأت بالنفاد، فقد يكون سبب التراجع في اندفاعة الأطراف السياسية للتوصل إلى إقرار قانون جديد وتقلّص زخم المشاورات التي تجمّدت، بحسب ما علمت «البناء»، هو تفاهم رئاسي ضمني على رفض الفراغ ووضع قانون الستين كصمام أمان لتجنّب الوقوع في محظور الفراغ التشريعي. لكن السؤال الذي بدأ يطرح في الأوساط السياسية والشعبية: لماذا مدّد المجلس الحالي لنفسه مرتين إن كان سيتم العودة الى الستين بعد 4 سنوات؟ ولماذا لم تجر الانتخابات منذ العام 2013 حتى الآن على القانون النافذ بحسب الدستور؟ وهل كانت المشاورات الانتخابية مجرد اضاعة للوقت لعرقلة غقرار قانون جديد والعودة الى الستين؟

مصادر سياسية وقانونية قالت لـ«البناء» إن «الآلية الدستورية لإجراء الانتخابات على الستين هو تطبيق المادة 25 من الدستور وهي الأقرب للحالة التي نمرّ بها الآن، وتؤمن استمرارية المؤسسات التي تتحدث عن أنه في حال حل مجلس النواب يجيز للحكومة إجراء الانتخابات النيابية خلال ثلاثة أشهر على أساس القانون النافذ». وتوضح المصادر أنه «بما أن المجلس سيُحل وحده في نهاية ولايته، فيمكن تطبيق هذه المادة، لكن الاشكالية الدستورية التي يتم البحث عن مخارج لها، هي ما هو الوضع القانوني والدستوري للمجلس النيابي خلال الثلاثة أشهر الفاصلة عن إجراء الانتخابات، أي بين 20 حزيران و20 أيلول؟ وهل تجري الانتخابات من دون تمديد تقني لثلاثة أشهر؟

ولفتت المصادر الى «أننا سنقع بفترة من الفراغ النيابي تمتد لثلاثة أشهر في حال لم يتم التمديد التقني، ريثما تستعد وزارة الداخلية لإجراء الانتخابات»، موضحة أنه في حل وصلنا الى 21 حزيران من دون قانون ومن دون تمديد حينها المجلس الحالي قائم ويستطيع تصريف الأعمال حتى إجراء الانتخابات في أيلول».

وحذّرت المصادر من أن «العودة الى الستين ستُواجه في الشارع كما التمديد، ولن تحل الأزمة بشكل نهائي»، لكنها رجحت «التوصل الى قانون انتخاب جديد قبل 20 حزيران من خلال تنازل الأفرقاء عن شروطهم ولاءاتهم، لأن الجميع خاسر إزاء الستين والفراغ والتمديد في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة»، وأوضحت أن «محور القانون الجديد هو النسبية الكاملة مع ضوابط تتعلق بالدوائر والصوت التفضيلي أو الاتفاق على قانون الوزير مروان شربل الذي أقر في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي»، ولفتت الى أن «حوارات بعيدة عن الأضواء تحصل بين بعض الأطراف في محاولة لتدوير الزوايا وتأمين صيغة انتخابية مشتركة، لأن إقرار أي قانون جديد سيكون أقل خسارة من العودة الى الستين أو من الفراغ، والجميع لديهم مصلحة في اجراء الانتخابات».

وأوضحت المصادر أنه «في حال تم الاتفاق على النسبية، فالأمر مرهون بوزارة الداخلية لإجراء الانتخابات في أيلول، لكن الأرجح أن يصار الى تمديد لستة أشهر، واستبعدت المصادر الوقوع في الفراغ التشريعي الذي يلتقي الرؤساء الثلاثة على رفضه ولا أحد يستطيع تحمل مسؤوليته».

وأكد الرئيس عون خلال استقباله أمس في بعبدا، وفداً من «نادي الصحافة»، أن «التمديد لمجلس النواب هو دوس على الدستور»، ودعا الى «احترام مواده وعدم التوسّع في تفسيرها وفق أهواء كل طرف أو جهة»، وشدّد على أن «لا داعي للتهويل بالفراغ، لانه إذا حل موعد انتهاء ولاية مجلس النواب من دون التوصل الى قانون انتخابي جديد، فإننا سنعمل بهدي الدستور وما ينص عليه لجهة دعوة الشعب الى الانتخابات ضمن مهلة تسعين يوماً، وتكون هذه الانتخابات على أساس القانون النافذ إذا لم يقرّ المجلس قانوناً جديداً، رغم أن الجميع وافق على ما ورد في خطاب القسم وفي البيان الوزاري لجهة إقرار قانون انتخابي جديد، لكن ثمة مَن عمل على التضامن مع الآخر كي يفشل الاقتراحات التي قدّمت وحصل توزيع للادوار تحقيقاً لهذه الغاية».

وأشار رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل عقب اجتماع تكتل «التغيير والإصلاح» إلى أن «كل المعطى السياسي بعد 20 حزيران سيكون مختلفاً بحال منعنا من إقرار قانون جديد، ومن يفرض ذلك يتحمل الفراغ وما يحدث وسنخرج من الصيغة الحالية الى شيء مختلف ونحن متيقنون من النجاح في هذه المبادرة».

ولفت باسيل الى أننا «سنمنع الفراغ وهو الخطر الثالث الذي ينتظرنا وسنمنعه، والوسيلة الاولى بإقرار قانون انتخاب جديد ونحن مجبرون لمنع الفراغ، الذهاب الى التصويت، ولا أحد يستطيع منعنا من التصويت في المؤسسات الدستورية. ومن يمنع عنا التصويت في المؤسسات الدستورية لدينا التصويت الشعبي، ونحن لا نستطيع ترك أنفسنا الى نيات سياسية معروفة».

عين التينة تتريّث

ومن المتوقع أن تنطلق جولة جديدة من النقاش الانتخابي مع عودة رئيس الحكومة سعد الحريري اليوم الى بيروت عائداً من الرياض، تسود حالة من الصمت والتريث على عين التينة لجهة مصير جلسة 29 أيار المقبلة، والتي على رأس جدول أعمالها قانون التمديد، ونقل زوار رئيس المجلس النيابي نبيه بري أن «هناك خيارين فقط، إما إجراء الانتخابات وفق قانون الستين الحالي، وإما النسبية مع التوافق في عدد الدوائر، وما قبل هذا الشهر تتبلور الصورة أكثر، وبالتالي يتحدّد موعد قريب لعملية التمديد التقني».

وأشار وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق إثر لقائه ممثلة الأمين العام المتحدة في لبنان السفيرة سيغريد كاغ إلى أن «مسار قانون الانتخاب ستتوضح معالمه قبل موعد 29 أيار»، مؤكداً أن «الانتخابات النيابية ستجري قبل نهاية السنة الحالية»، بينما رأت كاغ الذي استطلعت من المشنوق مصير الانتخابات أن «هناك ضرورة لإجراء الانتخابات النيابية نظراً لأهميتها المتعددة سياسياً واقتصادياً وإنمائياً»، واعتبرت أن «لبنان لا يملك فقط نموذجاً للتعايش والتسامح بل يقدّم أيضاً نموذجاً للديموقراطية والتعددية». وشدّدت على أن «من شأن إتمام هذه العملية ليس فقط تدعيم الاستقرار الأمني والسياسي، بل أيضاً المساهمة في إنعاش الدورة الاقتصادية وتعزيز مسيرة الإنماء وتفعيل الخدمات العامة».

«المستقبل»: قدمنا أقصى التنازلات

وكالعادة لم تقارب كتلة المستقبل الملف الانتخابي في اجتماعها الاسبوعي أمس، وأكدت أوساط نيابية مستقبلية لـ«البناء» أن «الرئيس الحريري لا يزال يسعى بطاقاته كلها للتوافق على قانون جديد وإجراء الانتخابات على أساسه، لكن في الوقت نفسه لا نريد الفراغ النيابي في شتى الأحوال، لأنه سينتج بالتأكيد حالة من الفوضى وعدم الاستقرار وربما يؤثر سلباً على التسوية الرئاسية التي أنتجت انتخاب رئيس للجمهورية وحكومة استعادة الثقة، وبالتالي سيعيدنا الى مرحلة الفراغ الرئاسي التي شلت البلاد».

ولفتت الأوساط الى أن «لا تفاهم بين الرئيسين عون والحريري على العودة الى الستين في حال لم تتفق القوى السياسية على قانون، بل التفاهم مع بعبدا حصل على إجراء الانتخابات على قانون جديد ورفض الفراغ. وبالتالي موقف الرئيس عون أمس غير منسّق مع الحريري، بل انطلق رئيس الجمهورية في موقفه من تجنّب الوقوع في الفراغ وأن إجراء الانتخاب على الستين أقل ضرراً من الفراغ»، وأوضحت أنه «لا يمكن التوصل الى قانون توافقي من دون تسوية تحتاج الى تنازلات من الجميع»، مشيرة الى أن «المستقبل قدم أقصى التنازلات في موضوع القانون ولا مشكلة لديه بأي صيغة يتفق عليها الآخرون».

ورغم تمسك «التيار الحر» بالتأهيلي وبالتصويت على مشاريع القوانين كلها في مجلس الوزراء، أيدت الأوساط المستقبلية دعوة رئيس «القوات» سمير جعجع الى التصويت في مجلس الوزراء على النسبية الكاملة تطبيقاً للمادة 64 من الدستور في حال تعذّر التوافق.

جلسة وزارية اليوم

ويعقد مجلس الوزراء جلسة عادية اليوم في بعبدا، ولم يدرج بند التجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة على جدول أعمالها الذي يحتاج الى مزيد من الوقت والنقاش للبتّ به، كما أفادت مصادر وزارية بينما ستحضر قمة الرياض بقوة على طاولة المجلس، حيث سيطلب وزراء 8 آذار ووزراء آخرون توضيحاً من رئيس الحكومة ووزير الخارجية للموقف الرسمي من البند المتعلق بلبنان، لا سيما لجهة وصف حزب الله الذي هو مكوّن اساسي في الحكومة بالإرهاب ووضعه بالمكانة نفسها مع تنظيم «داعش»، على أن يوضح الوفد اللبناني حقيقة ما حصل.

وأكد الرئيس عون أن «ما قاله وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل عن الموقف اللبناني من إعلان الرياض صحيح مئة في المئة»، مشيراً الى أن «لبنان لا يمكنه أن يقف الى جانب طرف، ونحن لسنا مستعدين للعب دور كهذا. من هنا كانت دعوتنا للمصالحة على أن نساعد في تحقيقها».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى