من البحرين إلى البادية… الندم
ناصر قنديل
– تتكامل حلقات التصعيد الأميركي منذ نهاية المئة الأولى من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ما دفع البعض للاستنتاج أن مرحلة جديدة في المواجهات تنتظر المنطقة، لكن التدقيق في مضمون الخطوات التصعيدية الأميركية يشير إلى معادلة خفية تربط بينها، فهي جميعاً كانت متاحة للإدارة السابقة لكنها كانت تراها بأفق مسدود، وبلا مستقبل يغير موازين القوى وإضاعة للوقت والجهد، فتلتزم بقراءة أشد عقلانية للنهايات وتقرّر بناء عليها الذهاب للتفاوض بلا مغامرات هوليودية معلومة النتائج وتعبر عن الإفلاس والعجز وتؤدي بالنهاية إلى تقدم المحور المقابل جدياً في ميادين المواجهة الحقيقية، وتفرض التفاوض معه من موقع أضعف.
– العقوبات على إيران كانت عرضاً قدّمه بنيامين نتنياهو للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بدلاً من توقيع التفاهم النووي، وكان جواب أوباما وماذا بعد، عودة للتفاوض وقد تقدمت إيران أشواطاً جديدة في ملفها النووي، وقبول بشروط أصعب في التفاهم لصالح إيران. ومثل العقوبات كان دائماً على طاولة البيت الأبيض مشاريع سعودية للتصعيد في اليمن والبحرين، وكان قد منح الكثير منها الضوء الأخضر أملاً بربح جبهات وساحات مواجهة، ولما بانت التوازنات الحاكمة للمواجهة وصار كل تصعيد مجرد ربح بصري مؤقت، ينتج المزيد من المواجهة ويذهب بها إلى مناطق أشد صعوبة وخطورة، صار الضوء أصفر.
– معاينة ساحات التصعيد الأميركي في عهد دونالد ترامب تشير إلى النتائج المترتبة على منح الضوء الأخضر للسعودية بسلوك دموي مفرط في المنطقة الشرقية بعناوين مذهبية سيوصل لمشروع حرب أهلية يخرج عن السيطرة، بينما الذهاب للوحشية في البحرين، كما يحدث منذ كلام ترامب المعلن لملك البحرين في قمة الرياض أن الأمور ستكون بيننا أفضل من الآن وصاعداً، بمعنى لا منظمات حقوق إنسان سنقيم لها اعتباراً ولا صحافة ولا رأي عام، بما يمثل إطلاق يده ويد النظام السعودي في ارتكاب مجازر مفتوحة في البحرين، سينتج أوهام انتصارات لكنه سينتقل بالانتفاضة الشعبية إلى المواجهة المسلحة التي لا ينقصها إلا القرار ليشتعل البحرين ويصير مستقبل نظامه على كفّ عفريت مهما حشد له الأميركيون والسعوديون.
– في البادية السورية والبادية العراقية فعل الأميركيون ما يستطيعون من إشارات هوليودية لرسم خطوط حمراء، كانت متاحة دائماً لسلف ترامب باراك اوباما كغارة التنف أو ضربة مطار الشعيرات. وها هي النتيجة، لا أحد يأبه لخطوط ترامب الحمراء ومواقع جماعاته تسقط لحساب الجيش السوري وحلفائه الذي توسّعوا خلال شهر في البادية بمساحة خمسة آلاف كليومتر مربع، ومثلهم فعل الحشد الشعبي في العراق، ووجد الأميركيون أنفسهم مجدداً أمام الخيارات الصعبة، وهي ترك حلفائهم يتساقطون، أو التحوّل نحو حرب تخرج عن السيطرة، وفي الحالين خسائر وعودة للتفاوض من موقع الضعف.
– يتساءل دبلوماسيون أميركيون سابقون في مجموعات التفكير في مراكز الدراسات بمناسبة مناقشة وضع حمص وحلب وحماة، عما كان عليه الوضع لو حزم الأميركيون أمرهم وفرضوا القبول على حلفائهم بالتسوية مع الروس وسورية وإيران قبل سقوط مواقع الجماعات المسلحة في
هذه المناطق، وفقاً لما نص عليه التفاهم الذي أنجزه وزير الخارجية آنذاك جون كيري مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، والجواب هو سيعترف الأميركيون لاحقاً بجميل إدارة أوباما لما فعلته بالذهاب إلى التفاهم النووي مع إيران ولم تأخذ بنصيحة نتنياهو، التي يبدو ترامب ميالاً للأخذ بها لو كان هو المفاوض يومها، ومثل ذلك سيكون الندم كبيراً على خطوات المخاطرة بالتصعيد بتفويت فرص التسويات وأخذ المنطقة إلى حمام دم، بينما لا قرار حرب بحجم تغيير التوازنات.
– الرئيس الأميركي لا يهمه المستقبل البعيد لبلاده، بل أن يتخطى مؤقتاً الإحراجات والأزمات في فترة ولايته، ولو على طريقة شراء الوقت وتوريث الأزمات للسلف، وكلما كانت صورة الرئيس الداخلية مهزوزة صار شراؤه للوقت على طريقة المقامرين أكثر وضوحاً كطريقة لإدارة الحكم، وهذا ما يفعله ترامب في السياسة والحرب والاقتصاد.